الرأي

الطلبة: التنظيم قبل التمثيل

محمد سليم قلالة
  • 650
  • 2
ح.م

يبقى مستوى وعي طلبتنا في درجات عالية، سواء من حيث إدراك  المصالح الوطنية العُليا، أو من حيث إدراك المخاطر التي تُحدِّق بالبلاد ومُخطَّطات ونَوايا القوى الكبرى. شيء واحد مازال ينقص النقاش الدائر بين هذه الفئة الطلائعية من المجتمع، هو غياب الإطار النظامي الذي ينبغي أن تطرح فيه أفكارها، في ظل رفض الإطار الرسمي المُقترَح اليوم، على الأقل بالصيغة المعروضة من قِبَل لجنة الوساطة والحوار.

وقد أعجبني كيف أن عددا كبيرا من الطلبة، تناولوا الكلمة واحدا بعد الآخر في هدوء تام، في إحدى الساحات العمومية للتعبير عن وجهة نظرهم في مسألة مُحدّدة سلفا تتمثل في “هل ينبغي أن يكون لهم ممثلون أم لا”. وحتى عندما كان أحدهم يريد أن يستفيد من المناسبة ليخوض في مسائل  أخرى كان يتم تنبيهه باحترام ليُبدي رأيه في هذه النقطة بالذات أو يتوقف. وكم كان تسيير التدخلات سهلا،بوجودالنّية الصادقة في الحوار، بل وبوجود رغبة حقيقية في البحث عن إجابة عن هذا السؤال المهم والأساسي بالنسبة لفئة حيوية في المجتمع كفئة الطلبة.

ولشد ما كان إعجابي عندما وجدتُ أن غالبية المُتدخلين كانوا يُميِّزون بوضوح بين انتظام الطلبة في شكل تنسيقيات مثلا، ووجود ممثلين لهم. وبحُجَج واضحة تخلَّلتها تدخلات بعض الكهول والشيوخ الذين زينوا الحلقة ببعض كلمات التأييد، كان الرأي الغالب مع تنظيم صفوف الطلبة وليس مع إيجاد ممثلين لهم. وهي فكرة أقل ما يُقال عنها، أنها منطقية إلى أبعد الحدود. إذ لا يمكن اختيار ممثلين للطلبة وهم غير مُنظَّمين، أو مازالتتدّعي تمثيلهم تنظيمات طلابية هم غير مقتنعين بتمثيلها أو لا علاقة لها بهم أساسا. وهذا يعني أن هناك وعيا واضحا لدى أبنائنا بأن التنظيم يسبق التمثيل، وأن أي تمثيل في نطاق الفوضى سيؤدي بالضرورة، إما إلى اختيار مُمثلين عن عجل لايستحقون تلك الصفة، أو إلى عدم اختيار ممثلين فيمستوى تطلعات هذه الفئة.

ولعل هذا ما ينبغي أن يُطرَح اليوم على مستوى مختلف جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية العليا، وفيه استجابة لرغبة حقيقية لطالما تَطَلع إليها الطلبة منذ سنوات، وكانوا في كل مرة يعجزون عن تحقيقها، أمام تكلس تنظيمات طلابية كانت تقف في وجههم باستمرار من خلال ارتباطاتهاالفوقية الواضحةالتي لا علاقة لها باهتمامات المجتمع الطلابي.

 وقد استخلصتُ من خلال مسايرتي لدفعات من الطلبة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي كيف أنه تم  قتل روح النقاش الفكري والسياسي في الجامعة، واستبدال ذلك بأدوار ثانوية تم إقحام جزء من الطلبة الجامعيين فيها وتهميش الغالبية الساحة منهم.

ولذا فإني اليوم أرى الأمل قد بدأ  يلوح في الأفق من خلال نخبة من هذا الجيل الواعي من طلبتنا،أصبحت تُفكِّر بجد وبمنهجية، في إعادة تنظيم نفسها وفق أسس صحيحة، من أجل تحقيق أهداف وطنية لا شك فيها، بل ومن أجل المبادرة برسم معالم مستقبل البلد، كما هو شأن طلبة كبرى الجامعات في العالم…

مقالات ذات صلة