الطيب أردوغان نموذجا لمحمد مرسي
بعد فوز السيد محمد مرسي في الانتخابات الرئيسية في مصر، يبقى الإخوان يبحثون عن مشروع ونموذج. ولهم الخيار بين النموذج السعودي والإيراني والطالباني والمشروع التركي اللائكي…
فاز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية في مصر، لكنه لم يصبح رئيسا بعد، بل إنه لا يعرف أي رئيس سيكون. ويبقى زعيم الإخوان المسلمين ينتظر ما سيقرر المجلس العسكري الأعلى ليتولى منصبه الجديد، ثم ليحاول ممارسة صلاحيات لم يتم تحديدها لحد الساعة، مما يفتح الباب أمام كل المفاوضات من أجل تنظيم مستقبل مصر بين ثلاثة أطراف كبرى: الإخوان المسلمين من جهة، الجيش والبيروقراطية من جهة أخرى، والكتلة السياسية التي تعتبر أن هذه الأطراف لا تمثلها من جهة ثالثة.
وتتحول بذلك رئاسة السيد محمد مرسي إلى سباق يجب عليه أن يتخطى خلاله سلسلة من العقبات. ولا بد عليه في بداية المطاف أن يفرض سلطته على الجيش، وهي أول وأصعب مرحلة. ورغم فوزه في الانتخابات وشهادة العالم كله أنه الرئيس الشرعي لمصر، إلا أنه من الصعب لهذا البلد أن يتخلص من تقاليد طويلة كانت السلطة تعود فيها للجيش، الذي يعطي وكالة للبيروقراطية لتقوم بتسيير شؤون البلاد.
ومهما كانت إرادة السيد محمد مرسي، فإنه يواجه هذا الواقع، ولا يمكن أن يتجاهله، وهو يعرف أن القضية لم تحسم بعد. وأحسن دليل على ذلك أن المجلس الأعلى الذي يرأسه المشير طنطاوي لم يصادق لحد الساعة على دستور البلاد، مما يؤكد أنه يحتفظ لنفسه بحرية الاختيار: إذا توصل الجيش إلى اتفاق مع محمد مرسي، فإن أكثر الصلاحيات في الدستور الجديد ستعطى لرئيس الجمهورية. لكن إذا لم يتم اتفاق مع السيد مرسي، فإن الصلاحيات الكبرى في تسيير شؤون البلاد ستكون بيد البرلمان أو في هيئة أخرى يمكن للجيش أن يتحكم فيها.
وقد قرر المجلس العسكري حل البرلمان الذي تم انتخابه بداية السنة، والذي سيطر عليه الإسلاميون من إخوان وسلفيين. وبهذا القرار، أكد الجيش المصري أنه مستعد لاتخاذ كل القرارات والإجراءات لضمان الحفاظ على مصالح الكتلة العسكرية والأمنية التي تشكل العمود الفقري للدولة المصرية. ومن الواضح أن النظام المصري سيعمل من أجل التحكم في البرلمان القادم ليواجه به الرئيس مرسي.
ومن جهة أخرى، سيدخل الرئيس الجديد باب السلطة ليكتشف وضعا يختلف عما كان يظن. ولا يكفي لأي رئيس في مصر أن يتبنى خطابا دينيا ويعطي وعودا بانتشار القميص والحجاب ومنع الخمر والتبرج والعلاقات الجنسية خارج الزواج، لا يكفيه ذلك لبناء دولة وصنع حضارة وإقامة اقتصاد ونشر العدل في البلاد. وستكون من مسؤولية الرئيس الجديد المحافظة على وحدة البلاد وتماسكها، ولا يتم ذلك إلا باحترام حقوق المعارضين ومن لا يقاسمونه أفكاره.
وتوجد في مصر فئات قوية من أقباط ولائكيين وليبراليين يرفضون فكر الإخوان المسلمين، ولا يمكن للرئيس الجديد أن يتجاهلهم أو أن يستغني عنهم. وإلى جانب هؤلاء، فإن العالم المعاصر فرض بعض المعطيات الجديدة مثل الحريات وحقوق الإنسان وقوة الشارع وكسر القيود التي كانت تشل فكر المواطن وسلوكه. ولا بد للرئيس الجديد أن يتعامل معها، خاصة أنه وصل إلى السلطة بعد انتفاضة شعبية هزت الشارع المصري ولم يكن للإخوان المسلمين الدور الأساسي في قيامها رغم أنهم كانوا أول مستفيد منها.
وإذا استطاع السيد مرسي أن يتخطى كل هذه العقبات، سيجد نفسه أمام القرار الأساسي الذي سيتخذه: أي مشروع سياسي سيختار؟ ما هو هذا المشروع الذي يتكلم عنه الإسلاميون منذ نصف قرن؟ هل هو المشروع السعودي أم الإيراني أم القطري أم التركي؟ ومن الواضح أن السيد مرسي لا ينطلق من العدم، وهو دون شك سيقترب من المشروع التركي وسيأخذ الطيب أردوغان نموذجا، خاصة أن تركيا هي أشبه البلدان بمصر سواء من ناحية التاريخ أو من الجانب الديمغرافي.
وإذا وقع هذا الخيار، فإن السيد مرسي سيكون أول رئيس إسلامي يصل إلى الحكم بطريقة ديمقراطية ليختار مشروعا لائكيا… ومهما يقل هذا الطرف أو ذاك، فإن النظام التركي ورغم وصول الإسلاميين إلى السلطة، فإنه يبقى نظاما لائكيا في أساسه، وتبقى طريقة الحكم فيه أقرب مما هو موجود في أوروبا، وأن الحاكم في تركيا ليس رجل دين ولا يؤم الناس…