-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“العام تابع خوه”

عابد شارف
  • 2408
  • 0
“العام تابع خوه”

هل ستختلف سنة 2013 عن سابقاتها في الميدان السياسي والاقتصادي؟ كل المؤشرات تقول لا، لأن الجزائر أصبحت تعرف الخطأ وتعتمده نموذجا سياسيا وأسلوبا اقتصاديا.

كانت سنة 2012 مرحلة ضائعة في تاريخ الجزائر في الميدان الاقتصادي. فرغم الأوراق التي تكسبها، ورغم الامكانيات الهائلة، لم تحقق البلاد إلا نموا بـ2.5 بالمائة، بينما بلغ التضخم حوالي عشرة بالمائة. وكان من المفروض أن تتمكن الجزائر من تبديل هذه الأرقام، لتحقق نموا بـ 10 بالمائة وتضخما لا يتجاوز 2 بالمائة.

وإلى جانب هذه النتائج الضئيلة، تكلمت الجزائر كثيرا عن الاقتصاد، دون أن تحقق أي تقدم لا في النقاش، ولا في الممارسة الاقتصادية. وقد تكلم الخبراء والمختصون وممثلو صندوق النقد الدولي و”أصدقاء” الجزائر، وأعطى كل طرف رأيه. وتطرق القوم إلى نفس المواضيع المعتادة، مثل تمويل الاقتصاد، والعقار، وقاعدة 51/49، والتعاون، والاستثمار الوطني والأجنبي، ومساعدة الدولة للمؤسسات الاقتصادية وللفئات الضعيفة، ولدور الدولة في الاقتصاد وغيرها من المواضيع التي يتقنها البيروقراطيون. لكن هذه الثرثرة لم تنفع. واقتصرت الممارسة الاقتصادية على بعض الظواهر التقليدية، مثل تقديم المزيد من المساعدات للقطاع الخاص، وموافقة اتحاد العام للعمال الجزائريين على كل ما تقوم به الحكومة، وبقاء مستوى الواردات في مستوى عال جدا، إلى أن انتهت سنة 2012 بإمضاء عقد مع شركة رونو يمنع الجزائر من صنع أية سيارة أخرى لمدة عشر سنوات.

هذا عن الاقتصاد. أما في الجانب السياسي، فكان المشهد مماثلا حيث تأكد تراجع الممارسة السياسية رغم مظهر يوحي أن البلاد تعرف غليانا سياسيا. وقد نظمت الجزائر منافستين انتخابيتين، دون أي يؤثر ذلك إيجابا على طريقة تسيير البلاد. عكس ذلك، ساهمت تلك العمليات الانتخابية في تراجع قيمة الانتخابات، وتراجع مستوى المنتخبين وقيمتهم، إلى جانب تراجع مصداقية الأحزاب التي أصبحت تولد أفواجا أفواجا بعد أن كانت ممنوعة طيلة عشرية كاملة.

لما قامت الثورات العربية، اقتنعت الجزائر أن العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة كانت خطأ، لأن البلاد ضيعت وقتا ثمينا…

وفي نفس الوقت، فإن فعالية المؤسسات سقطت إلى مستوى مخيف. وانتشرت الفضائح في المؤسسات العمومية والإدارات والوزارات والشركات الكبرى، إلى أن وصلت إلى رمز السلطة الأول وهي رئاسة الجمهورية. وأصبح المواطن الجزائري ينظر إلى أغلبية المؤسسات وكأنها وكر للصعاليك والقراصنة واللصوص. وبينما تظهر الجزائر وكأنها بلد غني مستقر تتكاثر فيه الأحزاب وتتمتع الصحافة بحرية كبيرة، فإن الواقع يختلف لأن الجزائر تجد نفسها اليوم تواجه أزمة كبرى وهي مجردة من السلاح، لأنها ضيعت أهم الأسلحة التي تصنع كبرياء الشعوب والأمم: قيم وأفكار تدافع عنها، ومؤسسات يمكن من خلالها تجنيد القوى التي تؤمن بتلك القيم.

ونتساءل الآن: هل يمكن تغيير مجرى الأمور خلال السنة الجديدة؟ مبدئيا، هذا ممكن، حيث يكفي تغيير بعض المسؤولين، واتخاذ بعض القرارات الأساسية، لدفع البلاد في اتجاه آخر. ويكفي تطبيق مقولة العربي بن مهيدي لتحقيق ذلك: ضعوا الثورة في الشارع وسيحتضنها الشعب…

لكن هل من الممكن اليوم التغلب على اللوبيات، وعلى انهيار القيم والمؤسسات، وعلى شبكات المصالح، وعلى الأجهزة السياسية والأمنية بهذه الطريقة السهلة؟ هل حقيقة من الممكن التغلب على كل هذه العوائق بفضل الفايسبوك؟ إنه الحلم الذي يراود الكثير، لكن هذا حلم… مجرد حلم. والحقيقة أن الجزائر ليست متوجهة اليوم نحو هذه الثورة الواعدة. عكس ذلك، إنها تتوجه نحو تكريس الأزمة وتثبيتها. إنها تتوجه نحو فرض فكرة العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مما يعني أن البلاد أصبحت عاجزة لا عن الخروج من الأزمة فحسب، بل أنها عاجزة حتى عن التفكير في الخروج من الأزمة.

وكان الكثير يعتبر أن فكرة الخلود في السلطة سقطت بعد ما حدث مع حسني مبارك والقذافي وزين العابدين بن علي وعائلة الأسد وغيرهم. ولما قامت الثورات العربية، اقتنعت الجزائر أن العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة كانت خطأ لأن البلاد ضيعت وقتا ثمينا. وأكد السيد بوتفليقة نفسه هذا الكلام، لما قال عبارته الشهيرة “طاب جنانو”. لكن يبدو اليوم أن الجزائر عادت إلى عهد الردة من جديد، عهد تعرف فيه الخطأ والصواب، تعرف الفرق بين الحلال والحرام، لكنها تعتمد الخطأ نموذجا ومنهجا وخيارا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!