الرأي

العربية وفلسطين

بعيدا عن فوز المنتخب الجزائري أمام منتخب موريتانيا، وتحطيمه رقما قياسيا في عدد المباريات من دون هزيمة، ومن دون فضول لمعرفة صاحب الفكرة، فإنَّ ما قام به المنتخب الجزائري لكرة القدم سهرة الخميس أمام الجار موريتانيا عندما دخل لاعبوه وهم موشَّحون بعلم فلسطين إلى جانب علم بلادهم الجزائر، ويخطون أسماءهم وعائلاتهم على قمصانهم باللغة العربية، أثلج صدور الكثيرين، واعتبروا الأمر قمة في الوطنية والانتماء، وقد يكون المنتخب الجزائري هو أول منتخب في العالم يختار اللغة العربية ولو رمزيا في مباراة ودية دون الأحرف اللاتينية، وأول منتخب يتذكر الألم الفلسطيني بأمل التضامن معه.

ويكمن رُقيُّ هذه الالتفاتة، في كون مدرِّب المنتخب الجزائري من مواليد فرنسا، وكل النجوم المتألقين بما فيهم الوافدين الجدد من الجيل الثالث للمهاجرين، من الذين حاولت أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص تذويبهم في مجتمعها وجعلهم بعيدين عن قضاياهم وعن هويتهم الحقيقية.

لقد بدا اسم فغُّولي بأحرف عربية في منتهى الجمال، حتى وإن كان سفيان يلعب للمنتخب الجزائري منذ فيفري 2012 إلى الآن من دون أن يتعلم التحدُّث باللغة العربية، وبدا اللاعب أحمد توبة الذي وُلد في بلجيكا وامتلك الجنسية الفرنسية ويلعب حاليا في هولندا في أول مباراة له بقميص الجزائر، مندمجا تماما مع خط الجزائريين المهمومين بالقضية الفلسطينية والمرتبطين بلغةٍ كانت قضيتَهم طوال فترة الاستعمار الذي سعى إلى إزالتها من الجزائر، وظن بأنه قد أزالها من قلوب الملايين من الذين وُلدوا على أرضه.

حقق تألق المنتخب الجزائري في السنوات الأخيرة الكثير من المكاسب التاريخية والثقافية والاجتماعية، وربط جسورا متينة بين أبناء المغتربين والجزائر، وكان أول جزائري يسجد في ملاعب أوروبا من المغتربين من أمثال بلفوضيل وفغّولي وهني وبودبوز وعنتر يحيى… وكان أول من احتفل بعلمي الجزائر وفلسطين من أبناء المغتربين، وهو محرز، وسيشهد التاريخ بأن المغترب جمال بلماضي قاد فريقا من المغتربين تقمصوا ألوان الجزائر بلغة كتاب دينهم الإسلامي، وجعلوا منتخبَهم نموذجا وطنيا جمع النجاح والقيم الأخلاقية الراقية.

في خريف 2002 التقينا في أحد مهرجانات المسرح في القاهرة بوزير الثقافة المصري السابق الدكتور فاروق حسني، فسألنا عن السبب الذي يحول دون استعانة الجزائر بفنانيها ومثقفيها في المهجر، وراح يسمي العديد من المفكرين والمبدعين، ويراهن على بلوغ الجزائر العالمية في المجال الثقافي لو استعانت بالذين نجحوا في أوروبا، وفي فرنسا على وجه الخصوص، ومن دون أن نستشرف حال الجزائر في المستقبل في عالم الثقافة والاقتصاد والجامعات لو تم الاستعانة بالناجحين الوطنيين من أبناء الجزائر في الخارج، يبقى نموذج المنتخب الجزائري لكرة القدم، الأولى بالاقتداء به، وظهورهم الراقي في المباراة الأخيرة أمام موريتانيا يجعلنا نحلم بأن تستفيد بلادُنا في يوم من الأيام من آلاف الأطباء والمهندسين والاقتصاديين الذين نجحوا هناك، ولم يلتفت إليهم أحدٌ هنا.

مقالات ذات صلة