-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أحزاب بثوب أعراش والقائمة المغلقة تثير الجدل

العروشية والمغازلات والوعود.. رهان الأحزاب لقلب موازين المحليات

صالح سعودي
  • 2808
  • 0
العروشية والمغازلات والوعود.. رهان الأحزاب لقلب موازين المحليات
الأرشيف

أجمع الكثير من المتتبعين والمحللين على الفتور الذي يميز حملات الأحزاب المترشحة للانتخابات المحلية المقبلة، وهو الأمر الذي ينبئ حسبهم بتسجيل حضور محتشم للناخبين على مراكز الاقتراع، خاصة وأن شريحة واسعة فضلت الانسحاب أو متابعة الأصداء من بعيد، وسط الجدل القائم في ظل طغيان منطق العروشية والمراهنة على ثقل الأسماء بلغة المال والموالاة.

يعتقد الدكتور يوسف بن يزة، أستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة باتنة 1، بأن الحملة الانتخابية مرت هذه المرة بحالة غير معهودة من الفتور تنبئ حسبه بتراجع مستويات الإقبال على العملية الانتخابية بطريقة غير مسبوقة، على اعتبار أن المحليات لها طقوس خاصة وكانت تشهد منافسة كبيرة في المواعيد السابقة، لكنها تبدو في نظر محدثنا مختلفة هذه المرة، بدليل أن السلطات استشعرت هذا الأمر مبكرا، ما جعلها تحث الناخبين على التوجه لمراكز الاقتراع، على غرار ما ذهبت إليه وزارة التربية مثلا التي قدمت دروسا للتلاميذ حول أهمية الانتخابات، وطلبت منهم حث أوليائهم على القيام بهذا الواجب الوطني. فيمايرى الأستاذ العربي بومعراف، طالب دكتورة وإطار في الدولة بأن الانتخابات المحلية لها خصوصية تميزها عن الانتخابات التشريعية أو الاستحقاقات الرئاسية، وعادة ما تجلب لها نسبة مشاركة أكبر، لأن المترشحين لهم صلة مباشرة مع الناخب، وهو ما يجعل المنافسة قوية بين القوائم، فيما ذهب الأستاذ نورالدين برقادي من خنشلة إلى القول بأن تواضع الثقافة السياسية لعامة المجتمع نتيجة للظروف الأمنية التي عاشتها الجزائر وتخلي الأحزاب السياسية عن التواجد الميداني بفعل التزوير الانتخابي وسياسة الكوطة التي يتحدث عنها البعض، في عودة العروشية بقوة، موازاة مع انتشار الفساد وغياب عدالة قوية. كل هذا دفع حسب نورالدين برقادي ببعض المواطنين للاحتماء بالعرش لتحصيل الحقوق من سكن وشغل.

أحزاب بثوب عروشي وأعراش تحولت إلى أحزاب سياسية مؤقتة

أكد الدكتور يوسف بن يزة بأن نشاط الأحزاب تركز على العمل الجواري الكواليسي، وتجلت بوضوح لغة الانتماءات الجهوية والقرابية التي طغت حسبه على برامج الأحزاب ومرشحيها، بل أصبحت البرنامج الوحيد الذي يستفز عاطفة الانتماء لدى الناخبين، واصفا معتبرا ذلك بأنه تردي كبير للممارسة السياسية، بعد تحول الأحزاب إلى مجرد أعراش سياسية، وتحول الأعراش إلى أحزاب سياسية “مؤقتة”، وفي السياق ذاته يؤكد العربي بومعراف على المنافسة في الانتخابات المحلية ليست حزبية بقدر ما هي بين أسماء معززة بطابع وثقل العروشية، وهو ما يدفع بالأحزاب إلى الاستثمار في بعض الأسماء القوية أو مرشحي بعض العروش لضمان الفوز بأكبر عدد من المناصب ولا يهم في هذه الحالات الانتماء الحزبي والنضال الحقيقي، فيما يرى الأستاذ كريم ماروك (رئيس بلدية باتنة المنتهية عهدته) بأن العروشية هذه المرة ضربت بقوة، مؤكدا بأن هناك أعراش استحوذت على مراتب متقدمة في حين تم إقصاء أعراش أخرى، والمفارقة العجيبة حسب محدثنا هو أن الأعراش المقصية لها وعاء انتخابي كبير يتعدى تلك المتقدمة بكثير

القائمة الحزبية المغلقة.. القنبلة الموقوتة

على صعيد آخر، تم طرح مسألة النظام الانتخابي المعتمد على القائمة الحزبية المغلقة بحدة، وهو ما جعل البعض يصفها بالقنبلة الموقوتة، في ظل إمكانية حدوث ممارسات غير نزيهة، وهو الأمر الذي يجعل هذا النظام الانتخابي على المحك في نظر الدكتور يوسف بن يزة بحجة إفرازاته غير الديمقراطية، مؤكدا على أنه تسبب في حروب داخل الأحزاب السياسية في التشريعيات الماضية، جراء ما وصفه بالتنافس غير الشريف على المناصب الأولى في القوائم، ما أدى إلى بروز ظاهرة الشكارة، وسيطرتها على بورصة رؤوس القوائم والمراتب الأولى فيها في أغلب الأحزاب، وهو ما تكرر حسب محدثنا في المحليات المقبلة، ما قد يتسبب أيضا في انسداد المجالس المحلية في بداياتها، بسبب المنافسة من جديد على نيابات رؤساء المجالس البلدية، بعد فصل القانون في هوية الرئيس (الأول في القائمة الفائزة)، وحسب الدكتور يوسف بن يزة فإن هذه المنافسة لها ما يبررها بعد تحول هذه المناصب إلى ترقيات اجتماعية تمكّن أصحابها من أجور مغرية.. كل هذه الإشكالات تستدعي في نظره إعادة النظر في نظام القائمة الحزبية المغلقة الذي كرس الفساد في منظومة الانتخابات، وحوّل الأحزاب إلى دكاكين وأسواق لبيع وشراء الذمم على حساب توجهات المناضلين والناخبين، واعتبر الدكتور يوسف بن يزة بأن نظام القائمة الموحدة المفتوحة سيكون أكثر ديمقراطية رغم صعوبة ضبطه، خاصة إذا علمنا أن حصر الخيارات الانتخابية في أشخاص محدودين وأحزاب محدودة من أكثر أسباب عزوف الكفاءات عن الترشح والمواطنين عن الانتخاب. كما ذهب الأستاذ كريم ماروك في نفس الاتجاه، مؤكدا بأن الانتخاب بالقائمة المغلقة طريقة لا تعبر عن الحقيقة، لان المنتخبين يستفيدون من أصوات زملائهم، والأصح حسب محدثنا هو العودة إلى الانتخاب بالقائمة المفتوحة، أي أن الناخب يصوت للشخص الذي يريده.

القائمة الموحّدة.. بين لم الشمل والحنين إلى الحزب الواحد

وبخصوص لجوء سكان بعض البلديات إلى العمل بقائمة موحدة، ودون قائمة أخرى منافسة لها، على غرار كما ما تم العمل به في بلدية اينوغيسن بباتنة، بشكل يجعل “الميسر” معروف قبل الأوان، فقد أكد الأستاذ العربي بومعراف بأن ذلك يعكس التوافق المسبق في بعض البلديات رغم اختلاف العروش المكونة لها، وإجماعها على دخول معترك الانتخابات بقائمة واحدة وموحدة وهو ما يؤكد التلاحم بين الأطياف المشكلة لهذه البلديات في رسالة مفادها أن المصلحة العامة هي الغالبة. فيما يرى رئيس بلدية باتنة المنتهية عهدته بأن هذه الميزة تحدث في البلديات الصغيرة باتفاق مسبق بين الأحزاب، على غرار ما حدث في الانتخابات، إلا أنه يحبذ حسب قوله المنافسة التي يراها الخيار الأمثل، فيما يشير الأستاذ أحمد رزيق من بيطام، بأن اقتراح قائمة خيار مهم وتمنى تجسيده وتعميمه بين أبناء العرش الواحد، للم الشمل ونبذ الفرقة التي تتسبب فيها تلك المشاحنات أيام الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع، في الوقت الذي اعتبر البعض الآخر على انه وجه آخر من أوجه الحنين إلى أيام الحزب الواحد.

وخلص الأستاذ نورالدين برقادي إلى القول بأن نسبة معتبرة من المجتمع عامة والنخبة بشكل خاص فضلت الانسحاب من الساحة، بحجة أن التغيير غير ممكن في ظل المعطيات الحالية، مؤكدا بأن القناعات السياسية اختفت مع زوال النضال السياسي، ونهاية عهد التصنيفات (يساري، يميني، وطني، إسلامي..)، أما الحديث عن البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فلا معنى له في زمن “الغاية تبرر الوسيلة”. وقال محدثنا “لما أعود إلى بدايات ظهور الحركة الوطنية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وأقارنها بالأحزاب السياسية الحالية، أتعجب من عجزنا على الارتقاء إلى مستوى مرحلة عشناها قبل 90 سنة من اليوم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!