-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العزلة الاجتماعية في المفاهيم الحديثة.. هل هي سبيل لراحة البال؟

نسيبة علال
  • 962
  • 0
العزلة الاجتماعية في المفاهيم الحديثة.. هل هي سبيل لراحة البال؟

تتوجه أصابع الاتهام معظمها صوب الإنترنت، في توسيع رقعة العزلة الاجتماعية. فبالرغم من توفيرها عدة مواقع باتت معروفة بكونها وسائل للتواصل الاجتماعي، إلا أن الأخصائيين وإحصائياتهم تقول إنها فعلت العكس تماما بالعلاقات، بما فيها صلة الرحم، وأبعدتهم أكثر فأكثر.

الابتعاد عن الناس.. اضطرار أم اختيار

تختلف دوافع الأفراد إلى العزلة الاجتماعية. فبعضهم ينظر إليها على أنها ضرورة ملحة لتصفية الذهن، فتساعده على العطاء أكثر مهنيا وأسريا، وآخرون يهربون إليها لتغطية بعض النقائص في حياتهم، في حين يرجع أخصائيون أسباب العزلة الاجتماعية إلى بعض الحالات النفسية، التي تصيب الفرد خلال مراحل معينة من حياته، منها اهتزاز ثقته بنفسه، وعدم قدرته على إدارة مشاعره وانفعالاته أمام الآخرين. والوضع ذاته، بالنسبة إلى الأشخاص كثيري القلق والتوتر، والذين يعانون من مشاكل في التواصل مع الآخرين، بحيث ينتهي حديثهم في أغلب الأحيان بسوء تفاهم أو خصام..” يقول صهيب، 23 سنة، وهو طالب جامعي: “كان لدي العديد من الأصدقاء، بعضهم كبرنا معا، وكنت أقضي معهم معظم وقتي، حتى اكتشفت أن سبب رسوبي المستمر وفشلي في تحديد مسار مستقبلي هو كثرة الرفاق، كما تقول والدتي، فقررت الانسحاب تدريجيا من كل العلاقات التي لا تضيف لي، وجدت أنني تحسنت في دراستي، والتزمت دينيا، وثبت على الصلاة في المسجد.. اليوم، أقضي وقتي مع عائلتي أو في قاعة الرياضة، وأشعر بأن هذا هو الخيار الصائب لحياة مثالية”.

عادة، الأشخاص الذين يختارون العزلة بعد إقامتهم العديد من العلاقات، يشعرون بالراحة أكثر. هي حال سلمى، 28 سنة: “تصفني عائلتي بأنني شخص انطوائي، مع أن لدي بعض العلاقات المحدودة جدا، أعتبرها عملية، زميلتان في التدريس، نتحدث نادرا، وصديقة من الجامعة، أنا لا أحب زيارة الأقارب وتبادل الأحاديث والإشاعات حول إحداهن، أفضل أن أستغل وقتي في قراءة كتاب في المنزل، أو إعداد كيك.. حتى الأفراح والمناسبات باتت ثقيلة على قلبي.. لهذا، يعتقد الجميع أنني أعاني من الاكتئاب، بينما أستمتع بوقتي جيدا، وأنا بمفردي أطالع أو أتعلم اللغات عبر الإنترنت. وتمكنت مؤخرا من القيام بعشرات الدورات الإلكترونية عبر تلغرام وتطوير عدة مهارات”.

العزلة قفص ضيق ومظلم

مثلما أصبح اختيار العزلة الاجتماعية نمط حياة عصريا يستهوي الأجيال الجديدة خاصة، ويشعرها بالراحة، حتى أصبح هُواته يلقبون بالعميقين، أي المتدبرين المتأملين، فإن هناك أشخاصا آخرين، يعانون فعلا من ابتعادهم عن الناس وانخراطهم في العلاقات. حبيبة، سيدة ثلاثينية، تزوجت في ولاية بعيدة، وبما أنها ربة منزل عاطلة عن العمل، خروجها من المنزل محدود جدا، ووجدت عوائق كثيرة في تكوين صداقات، أو علاقات مع الجيرة، تروي بحسرة عن حالها بعد 7 سنوات زواجا: “أعتبر أنني في تدهور.. حياتي أصبحت قفصا ضيقا جدا ومظلما، حتى عائلتي لا أزورها، لا في الأفراح ولا في الأحزان، بسبب عمل زوجي الدائم، أما حين تسنح لي الفرصة، فأصبحت أتحاشى ذلك أيضا، فالجميع يؤنبني بشدة ويعاتبني على تقصيري، حتى إنني أشعر بالخزي بدل أن أفرح بتلك اللقاءات وأستريح، قررت أن أعيش لنفسي ولأطفالي فقط مدى الحياة”.

حذار.. العزلة الاجتماعية خطر على النفس البشرية

على الرغم من أن العزلة الاجتماعية في زمن الإنترنت قد فقدت معناها تقريبا، في ظل مواقع التواصل الاجتماعي، التي هي في الأصل ساهمت ولم تحد كما كان متوقعا، وبدل أن يتنقل الفرد لصلة رحمه، أو قضاء أوقات ممتعة مع الأصدقاء والجيران، أصبح يكتفي بمحادثات مقتضبة سطحية عبر الرسائل أو مكالمات الفيديو.. وهذا، ما يستنكره الأئمة المصلحون، خاصة في المناسبات الدينية. وهنا، يوصي الإمام الخطيب بمسجد سعد بن أبي وقاص، الأستاذ عباد جمال الدين، بالحذر الحذر مما يسمى اليوم وفق المفاهيم العصرية بالعزلة الاجتماعية، التي بات يختارها شبابنا وحتى كبار السن، تفاخرا وتكبرا على المجتمع، من أن تكون سبيلا لقطعهم صلة الرحم، وقد يكون فيها من الأذى لأنفسهم أيضا ما لا يعلمون به، فالابتعاد عن خلق الله والاختلاء بالنفس قد يقود إلى الفواحش والانحراف، ويدخل الإنسان في دوامة المشاكل النفسية والاكتئاب، ويمنعه من التمعن في خلق الله ونعمه والاطلاع على أوجاع ومعاناة إخوانه.. فالعزلة تمنع الإنسان من الحمد والشكر”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!