الرأي

العصا‮ ‬معوجة‮.. ‬وحاملها‮ ‬أعوج

محمد سليم قلالة
  • 5861
  • 2

في الأيام القليلة الماضية حدثت تغييرات على أعلى قمة العصا، وقد حاولتُ مثل الجميع أن أفهم ما حدث، ولعلي تمكنت بعض الشيء، أما الذي لم أفهمه إطلاقا فهو ما يحدث لحاملي العصا أو الذين يهشون بها على الناس من إطارات ومسوؤلين وموظفين سامين في كثير من المستويات.

 لم أفهم علاقة امتناع مدير مؤسسة عن العمل وأخذه مزيدا من الراحة- لأن هناك أمرا ما يحدث بالأعلى- ولم أفهم امتناع  هذا الإطار أو ذاك عن أداء واجباته لذات السبب، ولا هذه المؤسسة لماذا ألغت أو أجلت مواعيد استقبالها للمواطنين… لم أفهم كيف وصل الأمر بالبعض إلى تبرير إهمالهم العمل في المؤسسات والإدارات والمستشفيات والمدارس بمرض الرئيس، وآخرون قالوا لي بأنهم  فقدوا كل إرادة في العمل بعد أن شاهدوا سعداني على رأس جبهة التحرير في التلفزيون… بل وأعلنوا إصابتهم بإحباط ويأس تامين منذ ذلك التاريخ، مبررين ذلك بالمثل القائل‮ “‬لا‮ ‬يستقيم‮ ‬الظل‮ ‬والعود‮ ‬أعوج‮”‬،‮ ‬وهم‮ ‬ظل‮ ‬العصا‮ ‬وينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكونوا‮ ‬انعكاسا‮ ‬حقيقيا‮ ‬وتاما‮ ‬لما‮ ‬يحدث‮ ‬بها‮ ‬من‮ ‬تغييرات‮… ‬

 

أفهم علاقة السياسة بالناس، ودائما أردد تلك العبارة التي تقول: إذا لم تشتغل أنت بالسياسة، اشتغلت بك، وأعرف المثل القائل إن كل مشكلات الناس هي مشكلات سياسية، والمشكلات السياسية هي مشكلات كل الناس. وأعرف انعكاس ما يحدث في القمة على القاعدة، ومدى تأثير النظام السياسي‮ ‬في‮ ‬حياة‮ ‬الناس‮ ‬وفي‮ ‬أمزجتهم‮ ‬وطبائعهم،‮ ‬ولكن‮ ‬ليس‮ ‬بهذا‮ ‬الإفراط‮ ‬والسرعة‮ ‬في‮ ‬التأثر‮..‬

هل‮ ‬افتقد‮ ‬الناس،‮ ‬وبخاصة‮ ‬أولئك‮ ‬الذين‮ ‬يهشون‮ ‬بعصا‮ ‬السلطة،‮ ‬أدنى‮ ‬حد‮ ‬من‮ ‬المواطنة‮ ‬يدفعهم‮ ‬إلى‮ ‬التمييز‮ ‬بين‮ ‬الصراعات‮ ‬حول‮ ‬السلطة‮ ‬وترتيب‮ ‬البيت‮ ‬الداخلي‮ ‬للدولة،‮ ‬ومصالح‮ ‬الناس؟‮ ‬

هل‮ ‬أصبح‮ ‬لدينا‮ ‬إفراط‮ ‬في‮ “‬التسييس‮” ‬إلى‮ ‬درجة‮ ‬أن‮ ‬كلا‮ ‬منا‮ ‬أصبح‮  ‬لا‮ ‬ينام‮ ‬إلا‮ ‬وقد‮ ‬أوجد‮ ‬حلا‮ ‬للصراع‮ ‬بين‮ ‬الأقطاب‮ ‬المتنافسة،‮ ‬ووضع‮ ‬نفسه‮ ‬في‮ ‬زاوية‮ ‬منه‮ ‬مع‮ ‬هذا‮ ‬أوذاك‮.‬

ألسنا‮ ‬في‮ ‬حاجة‮ ‬اليوم‮ ‬إلى‮ ‬التمييز‮ ‬بين‮ ‬الاهتمام‮ ‬بالشأن‮ ‬العام،‮ ‬ومتابعة‮ ‬الأحداث،‮ ‬ومسؤولياتنا‮ ‬المباشرة‮ ‬في‮ ‬العمل‮ ‬أو‮ ‬البيت‮ ‬أو‮ ‬المحيط‮ ‬المباشر‮ ‬الذي‮ ‬نعيش‮ ‬فيه؟

ألسنا‮ ‬في‮ ‬حاجة‮ ‬إلى‮ ‬إدراك‮ ‬حقيقي‮ ‬لمفهوم‮ ‬المسؤولية‮ ‬والأمانة‮ ‬والتضحية‮ ‬بعيدا‮ ‬عن‮ ‬قمة‮ ‬العصا‮. ‬أليس‮ ‬بإمكاننا‮ ‬أن‮ ‬نصحح‮ ‬الاعوجاج‮ ‬الذي‮ ‬بداخلنا‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬ننعت‮ ‬الآخرين‮ ‬أو‮ ‬العصا‮ ‬بالاعوجاج؟

يبدو‮ ‬أن‮ ‬مشكلتنا‮ ‬ليست‮ ‬في‮ ‬اعوجاج‮ ‬العصا‮ ‬فقط،‮ ‬إنما‮ ‬في‮ ‬من‮ ‬يحملها‮ ‬أيضا‮… ‬وخاصة‮ ‬أولئك‮ ‬الذين‮ ‬يهشّون‮ ‬بها‮ ‬على‮ ‬الناس‮..‬

مقالات ذات صلة