الجزائر
أرقام مرعبة للأطباء والرجال يمثلون 65 بالمائة من الأسباب

العقم…وباء يرعب الجزائريين

الشروق أونلاين
  • 49207
  • 0
الشروق

صنفت وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات العقم كمشكل صحة عمومية، نتيجة تفشي ظاهرة عدم الانجاب لدى الجزائريين، بنسبة تتراوح ما بين 20 و25 بالمائة، والمشكل حسب المختصين، هو وجود مصلحة عمومية واحدة على المستوى الوطني لمواجهة هذه الظاهرة، ما شجع “سماسرة العقم” على استغلال مآسي الأزواج من خلال إطلاق وصفات سحرية عند ممتهني الطب البديل واعتماد العيادات الخاصة على أسعار خيالية دفعت مواطنين إلى بيع ممتلكاتهم من أجل حلم الانجاب …

 

مصلحة عمومية واحدة مقابل عشرات العيادات ومئات “السماسرة” 

 جزائريون يبيعون ممتلكاتهم من أجل حلم الانجاب 

 تراهم مُضطرين لا مُخيرين بين أمرين أحلاهما مرّ، إما  الوقوف في طابور لانتظار الموافقة على ملف إجراء تلقيح صناعي مجاني بمستشفى بارني، قد يرهن حظوظ الانجاب بعد تقدم الزوجة في العُمر، أو الدفع لعيادات خاصة جزائرية أو أجنبية… هو حال 20 بالمائة من الأزواج الجزائريين المصابين “بسرطان الروح” حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية. الظاهرة تطرح العديد من التساؤلات، لم لا تُعمّم الدولة تجربة   بارني” على جميع مستشفيات الوطن؟ في ظل توفر الكفاءة التقنية والبشرية، ولٍم يغيب التنسيق والتكامل بين القطاعين الخاص والعام؟ وأين دور الضمان الاجتماعي من كل هذا؟ 

تستقبل وحدة الانجاب الطبي المُدعم بمستشفى نفيسة حمود “بارني” سابقا أكثر من 150حالة يوميا، لأزواج يعانون العقم من 48 ولاية، غالبيتهم عائلات متوسطة الحال، لم تقدر على توفير تكلفة تلقيح صناعي بعيادة خاصة، والوحدة تم إعادة افتتاحها في جانفي 2014، بعدما أغلقت في التسعينات بعد هجرة مُنشئها الدكتور “فتوكي” إلى أوروبا، دون توريث التقنية لأجيال من الأطباء، ما دفع الأزواج للتوجه إلى تونس ودفع أكثر من مليونيْ دينار تونسي، وقرابة 5 آلاف أورو في بلجيكا و3500 أورو في فرنسا… 

قصدنا مستشفى بارني صباحا، الحركة كانت عادية… إلّا أمام بوابة مركز الانجاب الطبي المدعم، جمع كبير من الرجال ينتظرون قرب البوابة، فيما اكتظت جموع النساء داخلا، والجميع ينتظر دوره للظفر بموعد لإجراء تلقيح صناعي، وآخرون جاؤوا لاستكمال بقية عملية التلقيح. عائلة (موساوي ) جاءت من ولاية غيليزان، الزوجة في 28 من عمرها لديها مشكل في البويضات ما منع اكتمال عملية حملها، ولا حل إلا التلقيح الصناعي، لكنها لم تظفر بموعد بعد، أما الحاجة (مريم) من العاصمة كانت مرفوقة بكنّتها التي حضرت مع زوجها لأخذ عينات لإجراء تلقيح، تقول “زوجة ابني حالفها الحظ أخيرا لأجراء العملية، لكن ابنتي لم تُنجب منذ 16 سنة كاملة، ومنحها بارني موعدا بعد عامين وأثناءها فاجأها سنّ اليأس….”.   

 

أسباب غريبة دفعت الأطباء إلى إعلان حالة طوارئ

أزواج لا ينجبون بسبب التلوث والقلق

 أجمع مختصون في طب النساء والتوليد والمسالك البولية، أن مسببات جديدة لانتشار العقم ظهرت  خلال العشرية الأخيرة، لم تكن موجودة في العقود الماضية، أهمها تلوث المحيط ومصانع الكيماويات وما تطلقه من دخان وأغبرة أثرت حسب رئيس مصلحة جراحة النساء والتوليد بمستشفى بولوغين البروفيسور، خوجة راسيم، على النمو الطبيعي للهرمونات البشرية، وتؤثر حتى على نمو الأجنة في بطن الحامل، وهي من أسباب التشوه الجيني في بعض المناطق، كما دق مختصون ناقوس الخطر من الاستعمال المكثف للمبيدات الحشرية، حيث اعتبر  المختصون أن التعرض للمبيدات الحشرية والمواد الكيماوية يساهم في انخفاض الحيوانات المنوية، ويزيد معدلات العقم بين الرجال، وأهم سبب للعقم حسب الأطباء الجزائريين أيضا هو ارتفاع معدلات القلق، يقول خوجة “القلق من أهم أسباب عدم الانجاب، ولذا أنصح الجزائريين بالابتعاد عن مصادر القلق والتوتر، وممارسة الرياضة خاصة المشي والركض والسباحة، والتنزه في الغابات والمساحات الخضراء لتخفيف التوتر، التقرب من الله بالعبادات والصلاة…”، وحسب خوجة، رياضات المستوى العالي هي ما قد يسبب العقم لأصحابها. كما أشار البروفيسور إلى أن سوء التغذية وتأخر الانجاب لهما دور في الإصابة بالعقم أيضا.


أرقام مرعبة تقابلها إجراءات بدائية

20 بالمائة من النساء و30 بالمائة من الرجال يعانون العقم

 أجمع أطباء التوليد في الجزائر، أن العقم ينتشر وسط الرجال أكثر من النساء، ما خلف جدلا واسعا وكسرا للمعتقدات الاجتماعية التي توارثها الجزائريون، والتي تجعل المرأة الوحيدة والمتهمة الأولى في حالات العقم، وفي هذا الإطار، كشف رئيس مصلحة جراحة النساء والتوليد بمستشفى بولوغين البروفيسور خوجة راسيم، أن 65 بالمائة حالات العقم في الجزائر وراءها الرجال، والغريب في الأمر حسب المختصين، أن نتائج تحليلات العقم أثبتت أن الرجال هم المتهم الأول لانتشار الظاهرة بنسبة 30 بالمائة مقابل 20 بالمائة من النساء، بينت إحصائيات وزارة الصحة معانات امرأة من أصل خمس نساء من العقم والرقم يرتفع لدى الرجال بنسبة رجلين من أصل خمسة، ويواجه الأطباء مشكل امتناع الرجال الأزواج عن إجراء التحليلات الطبية، حيث ما زالت الكثير من العائلات الجزائرية تتعامل مع العقم على أساس أنه من الطابوهات الاجتماعية. 

 

رئيس مصلحة النساء والتوليد بمستشفى “بارني” البروفيسور مقران مجطوح

 مصلحتنا لا يمكنها علاج جميع الجزائريين وعلى الوزارة التدخل

كشف رئيس مصلحة النساء والتوليد بمستشفى نفيسة حمود، البروفيسور مقران مجطوح، الذي كان يستقبل بعض الأزواج حتى بدون موعد بسبب الضغط الكبير، أن المصلحة تسابق الزمن للتكفل بالحالات… “نستقبل يوميا أكثر من 150 حالة، ففي 2014 وصل عدد طلبات إجراء تلقيح صناعي أكثر من 4 آلاف ملف، وليس بإمكاننا تلبية جميع الحالات في وقت قصير… مصلحة بارني هي الوحيدة على المستوى الوطني المتخصصة في المجال”، وعن نسبة نجاح التلقيح الصناعي، “أكد البروفيسور أن النسبة تصل حتى 36 بالمائة، وبشّر الرجال الذين يعانون من المشكل الرئيسي لعدم الانجاب، بإدخال مستشفى بارني تقنية التلقيح المجهري، نتائجها أكثر ضمانا سيتم تطبيقها في الأيام القليلة المقبلة، وإن كانت التقنية موجودة في القطاع الخاص”، وعن سبب عدم تعميم التلقيح الصناعي على بقية مستشفيات الوطن، ردّ مجطوح “السؤال يوجه لوزارة الصحة؟ طالبنا في العديد من المرات بتعميم العلاج، التقنية متوفرة، ولدينا كفاءات بشرية…”، وبدورها أكدت البيولوجية سارة دراجي، أنها تقوم أحيانا بأربع عمليات تلقيح يوميا، وحتى أزواج من جنسيات عربية وأجنبية منهم أتراك، سوريون وماليون يتوافدون على المصلحة. 

 

رئيس مصلحة الجراحة والتوليد بمستشفى بولوغين خوجة راسيم:

 90بالمائة من الجزائريين لا يعالجون العقم بسبب غلاء الأسعار

اعتبر رئيس مصلحة جراحة النساء والتوليد بمستشفى بولوغين، البروفيسور خوجة راسيم لـ “الشروق”، أن 10 بالمائة فقط من الأزواج المُعانين للعقم، أجروا عملية تلقيح صناعي، أما البقية فينتظرون، بسبب غلاء الأسعار بالعيادات الخاصة وكثرة الطلبات على وحدة بارني

وهي الظاهرة التي جعلته يتساءل: “لماذا لا تعمم وزارة الصحة التلقيح الصناعي على المستشفيات، فالتقنية موجودة في الجزائر بعد تكوين عدة أطباء بالخارج، وأغلى الأجهزة المستعملة لا تتعدى مبلغ 200 مليون سنتيم، ولا تحتاج إلى مساحة كبيرة، 60 مترا مربعا تكفي.

لماذا تحرم الدولة الفئات المحرومة من إمكانية التلقيح المجاني؟” وأكد البروفيسور أن “العيادات الخاصة تطورت كثيرا، لها تقنيات حديثة في العلاج، وإذا استمر الوضع لن يتبقى للمستشفيات إلا الصحة العمومية”.

وشدد خوجة على الأزواج بالمسارعة إلى إجراء تحاليل بعد سنة من الزواج دون حمل، لأن التأخر يرهن نجاح عملية التلقيح الصناعي لتقدم عمر الزوجة، مضيفا: “التحاليل تبدأ من الزوج أولا قبل زوجته، لأن تحاليل الرجل أبسط”.

 

مديرة مركز طب الإنجاب “تيزيري” بالأبيار نجية بوسكّين:

نعرض عمليات التلقيح الاصطناعي مقابل 12 مليونا

يعتبر مركز طب الإنجاب “تيزيري” بالأبيار في العاصمة واحدا من 12 مركزا عبر الوطن، أنشئ بترخيص من وزارة الصحة، وهو رائد في مختلف عمليات التلقيح الصناعي، فمنذ فتحه عام 2004 ساهم في إدخال الفرحة على 2500 عائلة تعاني العقم… التقينا مديرتيه، البيولوجيّة نجية بوسكّين ودكتورة أمراض النساء والتوليد والعقم والتلقيح الصّناعي أمينة أومزيان، خرّيجة المستشفيات الجزائرية، ولها العديد من التكوينات والمساهمات خارج الوطن. محدثتنا استنكرت ما يشاع عن العيادات الخاصة للتوليد في الجزائر بعدما اعتبرهم البعض احتكروا مجال التلقيح في الجزائر دون القطاع العمومي، فتقول: “بالعكس.. العيادات الخاصة ساهمت في فرحة كثير من العائلات، وجنّبتهم التنقل إلى الخارج ودفعهم أموالا خيالية مقابل عمليات غير مضمونة.. العيادات الجزائرية لها التقنية الحديثة، وعيادتنا تعتبر الأولى مغاربيا”.

وعن الأسعار، أكدت محدثتنا أنها معقولة جدا مقارنة بتكاليف العلاج بالخارج، وتوفير سبل الراحة للمريض. الإشكال، حسب الدكتورة أومزيان، هو عدم التنسيق والتكامل بين القطاعين العام والخاص.. كنا نتمنى أن يعوّض صندوق الضمان الاجتماعي تكلفة عملية التلقيح التي تصل إلى 12 مليون سنتيم، خاصة أن العملية الأولى تفشل غالبا. وتستغرب الدكتورة توجّه الجزائيين إلى أجراء تلقيح صناعي بتونس والمغرب.. في ظل وجود تقنيات أحدث بالجزائر.. في عياداتنا يتم تجميد الأجنة، تجميد النطاف والبويضات. لكن حسبها: “نحن ندفع تكاليف أكبر في استيراد أجهزة غالية، ثم نصدم بغياب خبراء صيانتها”. وختمت حديثها: “القطاع الخاص في التلقيح أزاح عبءا كبيرا عن الدولة، فكثير من أطباء المستشفيات العمومية والبيولوجيين يأتون إلينا للتكوّن والاطلاع على آخر تقنياتنا”. 

 

وصفات سحرية للعلاج مقابل مليونين

الطب البديل وجهة الفقراء لعلاج مشاكل الإنجاب

يلجأ العديد من الأزواج المصابين بالعقم إلى الطب البديل، بعد أن فشلوا في الإنجاب بالطرق العلمية الحديثة ولم يظفروا بمواعيد في المصلحة الوحيدة الموجودة على المستوى الوطني بمستشفى نفيسة حمود (بارني سابقا)، لإجراء عملية التلقيح الاصطناعي،   فضلا عن تأكيد الأطباء أن نسبة نجاحها لا تتجاوز 30   بالمئة، فيما هناك بعض مراكز العلاج بالأعشاب الطبية تعلن عن نجاح أدويتها الطبيعية بنسبة 100 بالمئة، من بينها مركز بغدادي المعروف على المستوى الوطني بنجاحه في علاج العديد من الأمراض واتصلت به “الشروق”، حيث تبين أنه يستقبل مئات المكالمات اليومية عبر جميع ولايات الوطن أغلبيتها من المصابين بالعقم.

وفي نفس السياق أكد لنا رئيس المركز، بوعلام بغدادي، أن الأعشاب الطبية التي يقدمها للأزواج المصابين بالعقم تنجح فعاليتها وينجبون أطفالا. وهناك حالات لا تنجح، لأنه، حسبه، علاجه ما هو إلا سبب فقط للشفاء، والشفاء الكلي يكون من الله عز وجل، لأن هناك من قدر الله له أن يعيش عقيما مدى حياته. أما تكلفة العلاج المقدم للزوجين فتقدر بـ19500 دينار جزائري..

 

 دعا إلى الابتعاد عن اليأس، جلول حجيمي:

أزواج تمكنوا من الإنجاب بعد 20 سنة من العلاج والثقة في الله

نصح الأمين العام للتنسيقية الوطنية لأئمة وموظفي الشؤون الدينية، الشيخ جلول حجيمي، الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب بالصبر والبحث عن علاج، فمسألة العقم في الإسلام لديها صيغتان، الأولى بالبحث عن الأسباب الصحية للمرض، فالأخذ بها واجب وتركها معصية، فإذا بحث المريض عن أسباب علته ولم يجد النتائج فيرضى بحكم الله، لقوله عز وجل: ((ويجعل من يشاء عقيما)).

ودعا حجيمي الأزواج، الذين يعانون من العقم، إلى عدم اليأس، والتداوي بالحلال، والابتعاد عن الحرام، خاصة أن ديننا الحنيف أوجد العديد من العلاجات كالتداوي بالرقية الشرعية، التي هي، على حد قول الشيخ حجيمي، ساعدت أزواجا في الإنجاب حتى بعد 20 عاما من العقم. وهناك أدعية يستحب ترديدها كالآية الكريمة بعد بسم الله الرحمن الرحيم: ((رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين)). والتداوي بالصدقة فهي تنزع البلاء وتطيل العمر بالنسبة إلى من لا يجد سببا علميا لعلاج العقم، مع التوجه إلى الله بالدعاء فهو العبادة وبالأخص في الأيام المباركة والتي يستجاب فيها الدعاء.


العقم من أسباب حدوث الطلاق والخلع بين الزوجين

صرح الأستاذ حسان براهيمي أن قانون الأسرة الجزائري يتيح للزوج أو الزوجة طلب الطلاق أو الخلع دون تعويض في حالة أثبت طبيا أن أحد الزوجين مصاب بالعقم التام، لكن مؤخرا ظهر اجتهاد قضائي يعتبر أن تطليق الزوج زوجته العاقر يعد طلاقا تعسفيا، لأن العقم لا يد لها فيه وهو سبب خلقي لا تتحمل مسؤوليته، ونفس الشيء بالنسبة إلى الزوجة التي تخلع زوجها. وحسب المحامي براهيمي تبقى النسبة ضئيلة جدا في المحاكم لكون الرجل عادة عندما يتيقن من عقم زوجته يقوم بالتعدد بموافقة الزوجة العاقر وفي حالة عقم الزوج تحافظ الزوجة عليه وتعتبر ذلك قدرها ومكتوبها من الله عز وجل لارتفاع نسبة العنوسة في الجزائر.

مقالات ذات صلة