الرأي

العملة الصعبة.. “المعقدة”

تُعرّف العملة الصعبة، التي صارت جزءا من أسرار الدولة والشعب أيضا، اقتصاديا، بأنها العملة التي يضع فيها رجال المال والأعمال ثقتهم، فهي تابعة لدول مستقرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وعمود فقري لحكومات تمنحها مناخ التطوّر، ليس أمنيا، وإنما عبر جامعات ومعاهد قوية، حتى تواصل استعبادها لبقية العملات المحلية، واستعمارها لبلدان خرجت منها الجيوش العسكرية واستبدلت الأعلام الاستعمارية بالمحلية، ولكن العملة الصعبة ظلت كاتمة لأنفاس الدول الضعيفة، التي تسمّيها الصعبة، ولا تكاد تسمّي عملتها المحلية بأي اسم صعب أو سهل ممتنع كان.

فلا أحد همّه الانهيار المؤلم الذي يعرفه الدينار الجزائري، سواء ارتفع سعر النفط أو انخفض، ولا همّه تيهان الاقتصاد الوطني، ولكن حملة مداهمة آنية وعابرة قام بها رجال الأمن إلى ساحة “السكوار” بالعاصمة، حيث تباع العملة الصعبة التي عقّدت الجزائريين، كانت كافية لأن تتحوّل إلى حدث كبير، لم يشغل المواطنين فقط، وإنما شغل كبار الدولة من رجال نافذين وأثرياء، يعتبرون الثراء بالعملة الصعبة هو أول أهدافهم في الحياة، لأنهم لا يعترفون بكل ما هو محلي، ويخططون دائما وأبدا للإقامة في الخارج، حيث لا عملة تعلو على “الصعبة”.

وقد تكون الجزائر في الوقت الحالي من البلدان النادرة في العالم، التي مازالت العملة الصعبة تباع فيها في الأسواق الموازية، وتكتفي البنوك بوضع أسعار العملة من دون التعامل بها، وهي أيضا من البلدان النادرة التي تمنح لمسافريها منحة سياحية، قد لا تكفي لوجبة عشاء في بعض البلدان، ثم توقفهم في المطارات والموانئ إن أرادوا نقل مزيد من العملة في السرّ والكتمان، لحفظ كرامتهم في الخارج، وكل الجهود المبذولة أو على الأقل بعض النوايا الحسنة لتطوير الاقتصاد الجزائري، بقيت مرهونة بفوضى البنوك أو ربما اللا بنوك، التي تعيشها الجزائر، من خلال صعوبة الدفاع عن الدينار الجزائري الذي ينهار من سنة إلى أخرى، أو العجز في التعامل مع العملة الأجنبية التي بلغت درجة التقديس لدى بعض الناس.. بل لدى بعض المسؤولين.

هل ربحت الدولة معركتها، بحجزها للملايين بالعملة الصعبة، في عمليات المداهمة في العاصمة وفي غيرها من المدن، وهل ستربح الحرب كاملة؟ سؤال يبدو فيه أكثر المتفائلين، غير مقتنع، بأن لمعركة “السيكوار” مثيلاتها من المعارك، لأن العملة الصعبة تزداد شدة وصعوبة كلما حاولت دولة ضربها، فكل وسائل قمعها، وطرق مراقبتها، إنما هي مقتناة بـ”العملة الصعبة”، والجزائري يُدرك بأن أول ما يفعله في الصباح من فطور مكوّن من حليب وسكّر وقهوة وقمح، إنما هو من هبة العملة الصعبة، التي لم يحدث في العالم وأن طاردتها الدول بالعمليات البوليسية وإنما بتقوية اقتصادها، كما حدث في تركيا وفي الصين وفي ماليزيا، وكلها دول بدأت عملاتها تنتقل من السهل إلى الصعب، وقد تخسر العملة الصعبة معركة، ولكنها دائما تربح الحرب، لأن الدولة التي أعلنتها، كل رجالاتها هم تجارها ومكتنزوها وناصروها، ومن غير المعقول أن يحارب الشخص نفسه؟

مقالات ذات صلة