-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العنصرية والبداوة

عابد شارف
  • 5847
  • 0
العنصرية والبداوة

من يتصفح تاريخ ليبيا الحديث لا يجد مرحلة خالية من التوتر في العلاقات بين بلد الزعيم معمر القذافي وباقي بلدان المعمورة. وكانت كل مرحلة تتميز بتوتر حاد بين طرابلس وهذا البلد أو ذاك، رغم أن ليبيا لم تكن مخطئة بالضرورة وفي كل مناسبة. لكن الحصار الذي كان مفروضا على هذا البلد الشقيق، حسب المصطلحات الرسمية، وضعه في مأزق أدى به في نهاية المطاف إلى محاولة تطبيع علاقاته مع الغرب مقابل تنازلات كبرى.

  • ووجد معمر القذافي نفسه يتجول في باريس ويستقبل زعماء الغرب من نيكولا ساركوزي وطوني بلار وسيلفيو برليسكوني وغيرهم، إلى درجة أن تساءل الكثير: هل ستتحول ليبيا إلى بلد عادي، وهل سيصبح معمر القذافي يوما رئيسا عاديا؟
  •  
  • لكن ما حدث منذ منتصف الشهر في العلاقات الليبية السويسرية أكد أن الأشياء لم تتغير في بلد الكتاب الأخضر. وبعد أيام قامت مصالح الأمن باعتقال ابن الزعيم الليبي بتهمة الاعتداء على أعضاء من خدمه، لجأت ليبيا إلى وسائل لم يكن في حساب السويسريين أنها مازالت قائمة في بداية القرن الجديد. وقد تم تنظيم مظاهرات شعبية تشبه المسيرات العفوية الجزائرية، للتنديد بتصرف مصالح الأمن السويسرية، والإهانة التي ألحقتها بابن الزعيم الليبي.
  •  
  • وبعدها قررت ليبيا قطع تزويد سويسرا بالنفط الليبي كطريقة للثأر بعد الإهانة الكبرى التي أصابت الابن المدلل للقائد الليبي. في الأخير بحثت مصالح الأمن الليبية فوجدت اسمين يحملان جنسية سويسرية، وتم وضعهما في السجن، وهي الطريقة التي تكرّس الصورة التقليدية للعرب: إنهم بدو، لا يعرفون الحضارة والمعاملات، يتجولون في شوارع باريس بجمالهم ويسكنون الخيمة في شارع الإيليزي. إضافة إلى ذلك، فإنهم لا يعرفون الدولة العصرية، ولا يعترفون باستقلالية العدالة، ويعتبرون أن قادتهم وأبناء قادتهم فوق القانون.
  •  
  • وبعد قرار وضع المواطنين السويسريين الاثنين في السجن، عادت إلى الأذهان صورة أخرى، وهي أن العرب أو المسلمين يستعملون الرهائن في كل زمان ومكان، سواء كانوا ينتمون إلى جماعات مسلحة متطرفة أو إلى السلطة. ويكون استعمال الرهائن وسيلتهم المفضلة منذ القرون الوسطى إلى يومنا هذا، ولا فرق لديهم بين من يوجد في السلطة ومن يدّعي أنه يناضل من أجل قضية. ألم تقم إيران باختطاف الدبلوماسيين الأمريكان واحتجازهم لمدة طويلة رغم أن كل الأعراف الدبلوماسية ترفض مثل هذا التصرف؟
  •  
  • ألم يقم حزب الله والتنظيمات الفلسطينية باختطاف رهائن والتفاوض لإطلاق سراحهم؟
  •  
  • بالمقابل، جاءت التعليقات لتؤكد أن سويسرا بلد القانون، وبلد مسالم، يعرف كيف يستقبل الأجانب، خاصة منهم الأثرياء. كما أنه بلد يحسن التعامل مع ضيوفه، ويوفر لهم الأمن والأمان، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، أقوياء أو ضعفاء. وبما أن سويسرا بلد لا يقبل الظلم، فإنه يرفض لهؤلاء البدو القادمين من الصحراء أن يستوطنوا بعاداتهم البدائية، التي تسمح لهم بالاعتداء على خدمهم، مع أنه من المعروف أن الأثرياء العرب والمسلمين لا يعتدون إلا على خدمهم من العرب الضعفاء المساكين الذين ضاقت بهم الدنيا في أوطانهم فرحلوا إلى أوربا للحصول على لقمة العيش وعلى حد أدنى من الكرامة التي يرفضها لهم حكامهم
  •  
  • كل هذه الصور فرضت نفسها بعد الأزمة التي نشبت بين ليبيا وسويسرا. هذا الواقع، ولا مفر من الواقع. إنها صورتنا، نحملها مثلما نحمل هويتنا. وتحمل أوربا صورة العالم المتحضر الذي يتعامل معنا مثلما يتعامل العالم (بكسر اللام) مع طفل جاهل.
  •  
  • ورغم كل هذا، يبقى في قضية ابن القذافي نقطة واحدة لعلها تشرح كل ما يحدث، حتى وإن كانت لا تبرره. ولنفترض أنه مكان ابن القذافي، كان مرتكب الخطأ ابن الرئيس الأمريكي جورج بوش أو ابن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. هل يضعه البوليس السويسري في السجن لمدة يوم بتهمة الاعتداء على خادمه؟ هل أن دعوى بالاعتداء تدفع القضاء إلى وضع رجل في السجن في سويسرا لمدة يومين، قبل المحاكمة، لو كان المتهم ابن الوزير الأول البريطاني أو رئيس الحكومة الإيطالي؟ ألم يتصرف البوليس السويسري بطريقة غير مقبولة، إن لم تكن تحمل نوعا من العنصرية، مما دفع حاكما عربيا إلى تصرف غير مقبول؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!