-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العنقيس.. عميد الطقطوقة الشعبية راح الغالي راح وقصة المندول المكسور

فاروق كداش
  • 991
  • 0
العنقيس.. عميد الطقطوقة الشعبية راح الغالي راح وقصة المندول المكسور

نبدأ قصيدنا بسيرة عميد من أعمدة الشعبي، أحد أكثر الفنانين الذين جددوا فيه وأخرجوه في قالب قريب إلى القلب.. مشواره فن وموسيقى وبحث في الكلمات، وأسلوبه كعمالقة الفن، لم يكن قابلا للتقليد، وصوته الرخيم الشجي لم يكن ليسقط في الميزان.. الشروق العربي، تتذكر عميد الشعبي الراحل بوجمعة العنقيس، الذي كان يحلم بأن يحذو حذو العنقى، لكنه حلق بجناحيه ليشتهر العنقيس بشعبي خاص به.

ولد صاحب رائعة “راح الغالي راح”، محمد بوجمعة أرزقي، في 17 جوان 1927 بالقصبة، في زنقة النخلة (شارع النخيل) في بير جباح، في كنف عائلة كبيرة ومتواضعة للغاية، تنحدر من قرية آيت أرهونا، في بلدة تقزيرت، كان والده ساعيًا لدى صانع العطور الفرنسي الشهير آنذاك لورانزي.

زاول محمد دراسته الابتدائية في مدرسة إبراهيم فاتح، حيث تحصل على شهادة التعليم الابتدائي عام 1939. كان يبلغ من العمر 11 عامًا حين ولج ميدان العمل، مع عمه حسين بوجمعة، صاحب محل للألبان. بعدها، اشتغل مع سيد أحمد سري، وهو عاشق آخر للموسيقى في الكتابة العامة لمحكمة الجزائر.

ترعرع محمد على حب الموسيقى، وكان حلمه يكبر معه كي يضع قدمه في موسيقى الشعبي، محبوبة الجماهير في القصبة والعاصمة والجزائر بأسرها. كان الحاج محمد العنقى هو قدوته في الشعبي. لذا، اختار لنفسه لقب العنقيس، تكريما لعميد الشعبي بلا منازع.

خلال فترة الحرب العالمية الثانية، صقل العنقيس موهبته وطورها وتعلم العزف على المندولين، ثم الجيتار وصدح بقصائد عمالقة الفن. عام 1945، شكل منعطفا في مسيرته الفنية، إذ حصل على شرف الانضمام إلى فرقة جديدة، كانت تضم اسمين لامعين في الشعبي، هما العنقى ومريزق.

لإطلاق اسمه في ميدان الشعبي، شرع العنقيس في غناء المديح الديني، وأعاد في بداياته قصائد الشيح سعيد المداح، الذي كان جاره في حي نوتردام دافريك، أو السيدة الإفريقية.

في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ اسمه يسطع في الشعبي.. هذا النجاح النسبي، دفعه إلى تقديم توزيعات جديدة للأغاني، وكذلك الخوض في غناء الطقطوقة، أو الأغنية القصيرة.

لكن، بعد تجربة سيئة مع المدير الفني لدار النشر فيليبس، وهو الزرناجي الشهير بوعلام تيتيش، قام العنقيس بكسر رمز حيه للموسيقى، وهو موندوله العزيز، ويقرر التوقف عن الغناء بعد رفض بوعلام تيتيش أغانيه..

اشتغل بعدها حارسا في حي كليما دو فرانس، حتى اندلاع ثورة التحرير في نوفمبر 1954. وفي أثناء حرب الاستقلال، توقف العنقيس عن الغناء تماما، استجابة لأوامر جبهة التحرير، وعانى مثل الكثير غيره من التعذيب، وتم اعتقاله مرتين في عام 1957 ثم في عام 1960.

العودة إلى الموندول

بمناسبة مظاهرات 11 ديسمبر عام 1961، أطلق العنقيس إحدى أجمل أغانيه، التي انتشرت كالنار في الهشيم في جميع بيوت العاصمة، وهي “جانا الانتصار”، التي كان مؤلفها وملحنها.

وبينما تتواصل الاحتفالات بالاستقلال المجيد، كان بوجمعة العنقيس يبحث عن جمهور جديد هم الشباب. وتعامل مع محبوب باتي، لكتابة وتلحين أغان بلغة جزائرية بحتة، بكلمات خفيفة، بعيدا عن ثقل القصائد الطويل، كانت أغانيه أكثر إيقاعا، وتخاطب عقول الشباب.

اشتهر الثنائي العنقيس ومحبوب باتي بأكثر من أغنية، ضاربة قرابة ستين، أغنية اكتسحت موجات الراديو، من شاكلة “راح الغالي راح”، و”آه يا أنتيا”، و”تشاوروا عليا”.

وفتح العنقيس الطريق واسعا لعشاق هذا الستايل من الأغاني، قروابي، وحسن سعيد، والعشاب وتلميذه الغني عن التعريف، عمار الزاهي، الذي يعد العنقيس شيخه. وعاشت الأغنية القصيرة سنواتها الذهبية، إلى غاية عام 1970، لكنها تراجعت في الثمانينيات، ليتولى الشعبي الكلاسيكي زمام الأمور.. ولمواكبة هذا التغير، عاد العنقيس مجددا إلى قصايد الشعبي، بقالبها الحالي.

خلال التسعينيات، توقف صوت العنقيس عن الغناء لمدة طويلة، في زمن لا مجال فيه للتغني بالحب والحياة وسط الدمار.

ليظهر العنقيس مرة أخرى، عندما تتنفس الجزائر الصعداء، لكن عمره لم يعد يسمح له بأن يعود كما كان من قبل. وقد تم تكريمه في عام 2012 بحضور عائلته وأصدقائه ومعجبيه.

توفي بوجمعة العنقيس في 2 سبتمبر عام 2015 في المستشفى العسكري بعين النعجة، عن عمر ناهز 88 سنة، بعد مشوار طويل ومشرف في خدمة فن الشعبي الأصيل والمحترم، وقد ترك أكثر من 300 أغنية لتسجل في تراثنا العريق.. فمن منا لا يعرف “نوصيك يا حبيبي”، و”يا الغافل”، و”يا ولفي”، والمقنين الزين”، و”انايا بجفاك”.

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!