العالم
المستشار السابق لحركة النهضة التونسية مقداد إسعاد لـ"الشروق":

الغنوشي رفض ترشيح مورو للرئاسيات وهكذا عمل على إفشال رسالته للجزائر

عبد السلام سكية
  • 7649
  • 7
ح.م

يشرح المستشار السابق للشيخ راشد الغنوشي، الأستاذ مقداد إسعاد، رهانات الدور الثاني من الانتخابات التونسية بين الأكاديمي قيس السعيد و”السجين” نبيل القروي، ويعتقد أن هوية نزيل قرطاج ليس محسوما لحد الساعة، رغم تقديم عددا من الأحزاب والشخصيات دعمها لسعيد. ويقدم إسعاد في هذا الحوار مع “الشروق”، بعض خبايا بيت النهضة، وهو الذي عمل مستشارا لزعيمها الشيخ راشد الغنوشي، حيث يؤكد أن الغنوشي رفض ترشيح مورو، وعمل على إجهاض نشاط له في الجزائر وباريس.

عدد من الأحزاب أعلنت مساندتها للمترشح للرئاسيات الأستاذ قيس سعيد، هل يمكن الجزم بحسم هوية نزيل قرطاج في الدور الثاني؟

لا، نتيجة الدور الأول للانتخابات الرئاسية جاءت مفاجئة خاصة بما يخص الأستاذ قيس سعيد، إذ رغم الاحترام الكبير الذي يتمتع به لدى عامة الناس وليس المثقفة فقط والظهور له في وسائل الإعلام التي أبرزته كمحلل للأحداث السياسية خاصة من زاويتها القانونية إلا أن تصدره للمتنافسين مثل مفاجأة أكيدة لدى الرأي العام والمختصين أيضا. ذلك أنه لم يقم بحملة انتخابية أصلا، لم ينفق مالا وأعلن أنه لا يأخذ شيئا من المال العام أيضا، بمعنى أنه انتصر بالصمت. وقد تمثلت حملته المتواضعة في زيارات غير كثيرة لجهات تونس، قال عنها إنه جاء ليسمع من الشعب تطلعاته وهمومه، هذا أما مشروعه الانتخابي فقد أعلن عنه أنه ليس غير ما يصوغه الشعب بنفسه، مؤكدا بذلك ما كان يردده دوما عن الدستور بمقولة شهيرة: “الدستور هو ما كتب الشعب على الحيطان وفي الشوارع”.

لا يمكن الجزم بمن سيكون ساكن قرطاج، هذا إذا تغافلنا عن التهم الموجهة لمنافسه الموقوف في سجن المرناقية. وهي تهم ثقيلة تجاوزت الفساد وتبييض الأموال ووصلت إلى الخيانة العظمى. لو أخذنا هذه الحقيقة بعين الاعتبار لجزمنا بأن قيس سعيد هو الرئيس. إذا اكتفينا بحظ كل منهما لدى الناخبين لا يمكننا الجزم بمن سيفوز، القروي حضر لحملته من زمان، دخل كل بيت ويحظى بدعم شعبي في الأوساط الفقيرة، تصدر في الكثير منها نتيجة التصويت في الدور الأول. ولم يكن هذا مفاجأ لأحد وقد خطط لما أراد رجل الأعمال القديم هذا من زمان العهد البائد وهو المتملق لزين العابدين بن علي، اتبع استراتيجية اعتمدت على كسب قلوب الفقراء بتوزيع مساعدات ضرورية مختلفة متبعا ذلك بدعاية قوية مستعملا قناة نسمة التي أنشئت قبل الثورة وبقت تعمل بعدها خارج القانون مستغلة ضعف الحكومات المتعاقبة للبقاء.

الخلاصة، أن الانتخابات الرئاسية ودون اعتبار للوضع القانوني للقروي، غير محسومة، وقد اصطف وراء كل من المترشحين نوع من المساندين، للأستاذ قيس سعيد الشباب والمثقفون والأحزاب المحسوبة على الثورة، ولخصمه الأحياء الشعبية وكبار السن والمنظومة القديمة عامة.

هل توافق على القراءة المتداولة أن تونس بين مشروعين، مشروع استمرارية الثورة، وآخر تقوده الدولة العميقة؟

مقداد

لا، لو قلبت السؤال لأصبت، تونس بين مشروعين، مشروع بقاء الدولة العميقة في مقابل مشروع انتصار الثورة. ذلك أن الثورة لم تنتصر لتستمر. أنا أعتبر الثورة أخفقت مباشرة بعد ميلادها، ويمكن حصر حياة الثورة في الأشهر الأولى لفترة ما سمي بالمرحلة الانتقالية، وتوقفت مع الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2011، أو لنقل انحرفت بسبب الاستقطاب الحزبي الذي أضعف الإدارة والقضاء وفتح الباب أمام الفساد ليفلت من العقاب ويزيد تفشيا.

أما الجواب عن السؤال في تقابل مشروعين في تونس بين ثورة ودولة عميقة، فالأمر ليس بذلك الوضوح، وتفسيره لا يعود إلى غموض الأستاذ سعيد الذي يمثل الثورة في أعلى مظاهر نصاعتها، وإنما في صورة منافسه الذي يعد غامضا جدا وبعلاقات مشبوهة يكتشف شعب تونس يوما بعد يوم منها شيئا مخيفا، وهو ما يجعل المنظومة القديمة نفسها غير مرتاحة له وتتوجس من الاصطفاف وراءه، فرئيس الحكومة يوسف الشاهد وقد حلم بكرسي قرطاج وسعى له سعيه، لا يزال معاديا للقروي. هذا الأخير لا تسانده المنظومة القديمة إلا بقدر خوفها من انتصار الأستاذ قيس سعيد والثورة، وهو الذي بحسب تصريحاته القليلة سوف يكون معاديا لها بشدة.

هذا، أما الأحزاب المعارضة للمنظومة القديمة فهي داعمة للأستاذ سعيد، بعضها عن قناعة ومبدئية وبعضها لحسابات انتخابية كالنهضة. هذه الأخيرة تساند قيس سعيد دعاية لتعطي لنفسها فرصة للفوز بكتلة وازنة في البرلمان، وهي موضوعيا معارضة لمرشح الثورة ومتوجسة من راديكاليته، تستفيد النهضة من تبنيها لقيس كما استفادت من ترشيح مورو الذي لم تسعى لانتصاره رغم الاستفادة من ترشحيه لدعم حملتها للتشريعيات وهو هدفها الصحيح.

بعد تصدر قيس سعيد الدور الأول، بدأت بعض الأصوات تنقل شيئا من أفكاره، لا سيما مراجعة قانون الأسرة، هل رصدت تحركات للتيار التغريبي ضده، والزعم بأنه حامل لمشروع ظلامي على حد زعمهم؟

أعرف الأستاذ جيدا، أحسبه راديكاليا بالمعنى الإيجابي، ثابت على مواقف له نابعة من قناعة له وفهم للمجتمع التونسي. أنا مذهبي السياسي في التغيير هو الواقعية في مقابلة المثالية، وأحسب أن الأستاذ سعيد أيضا من أتباع المدرسة الواقعية، وواقعيته لا يأخذها من مراكز القوة واللوبيات المدعومة داخليا وخارجيا كما يفعل بعض ممن يحسبون على الثورة والذين حكموا بعد 2011 مثل النهضة، بل من واقع شعب تونس. شعب تونس هي بوصلته مهما كانت الصعوبات الخارجية. وهو رجل صلب المراس ولم يدخل معمعة الحكم، ولا شك أنه لما يدخلها سيكتشف الصعوبات الكثيرة، وسيعرف الشعب التونسي الأستاذ وهو في المحك كيف يتصرف للدفاع عن قناعات وخيارات الشعب. لا شك أن الأستاذ قيس رجل مستنير بعيد عن الظلامية، ولا شك أيضا أن القوى الخارجية وحتى التغريبية الداخلية تفهم ذلك لكن جميعهم لا يريد لتونس أن تصمد وتثبت وتستحضر كل مرة هويتها وهي تبني حياتها ومستقبلها.

ما العلاقة التي تجمع المرشح قيس سعيد وحزب التحرير، هل يعاب إقامة تحالف أو قرب بين تشكيلة سياسية أو ناشط سياسي مع حزب التحرير؟

حزب التحرير سياسيا ينتمي إلى المدرسة المثالية. وهي مدرسة أعرفها أنها من ذاك النوع من النشطاء الذين لا يبلغون ما يعلنون من أهداف، يتعبون الشعب ويتعبون لكنهم لا يغيرون شيئا.

الأستاذ قيس سعيد واقعي كما قلت لكنه يلزم نفسه بثوابت، ما يجعله صعب المراس أمام أولئك الذين يرفضون لتونس أن تخط هي لنفسها طريق بناءها، هو أن التقي مع حزب التحرير ففقط حول احترام هوية شعب تونس كما هو، لكنهما يفترقان قيس يريد حكمه بما يريد الشعب وحزب التحرير يحكمه بما يريد الحزب، وشعار قيس سعيد “الشعب يريد” واضح. لا شك أنه سيجد نفسه في خلاف شديد مع حزب التحرير في الكثير من المواقف خاصة العملية منها، ما يجعلني أجزم أنه لا تلاقي هام بين التيارين. وسيبقى حزب التحرير دوما على هامش الحياة السياسية في تونس، وفي غيرها من البلدان

بالنظر إلى ظروف ودوافع ترشيح مورو للرئاسيات كيف ستنعكس الخسارة على الواقع التنظيمي والرصيد الشعبي للحركة؟

ترشيح الأستاذ عبد الفتاح مورو، جاء متأخرا جدا. كانت حركة النهضة تبحث عن توافقات مع باقي القوى. موت الرئيس الباجي رحمه الله وتقديم موعد الانتخابات الرئاسية زاد في إرباكها كما أربك القوى الأخرى. وضد توجه رئيس الحركة راشد الغنوشي وبعض مقربيه قرر مجلس الشورى ترشيح مورو. هذا ما جعل الغنوشي في مأزق وهو يرفض ترشيح مورو لسببين أحدهما شخصي والثاني من واقع تونس عامة. أما الشخصي فهو في حال ترشيح مورو يكون الغنوشي قد أقر بأنه ليس له شعبية في تونس وإلا لترشح هو كرئيس كما ينص عليه القانون الداخلي للحركة. ونذكر أن مورو صرح بهذا علنا في إحدى قنوات التلفزة في تونس وأكد بوضوح أن ترشيحه هو للرئاسة أصبح ضروريا في غياب شعبية رئيس الحركة. أما السبب الثاني فهو الخط الأحمر الذي يضعه أقوياء الخارج على النهضة أن لا تطلب منصب رئاسة الدولة، فكيف لو رشحت لها معمما؟

استحسنت ترشيح النهضة لمورو، جمعتني بعدها لقاءات مطولة وعلى انفراد بالأستاذ مورو، واتفقنا على يترشح مستقلا تسانده النهضة مشكورة وبعض الأحزاب والمستقلين. وأيضا أن نحول هذا الترشح إلى منبر لبعث رسائل داخليا وخارجيا وخاصة لفرنسا والجزائر. طلب مني أن أعمل على المضامين وكلفني بترتيب الزيارتين لباريس والجزائر في إطار الحملة الانتخابية، اتفقنا أن الهدف ليس فقط الجالية في البلدين بل نظامي الحكم والطبقة المثقفة. كتبت الخطابات باللغتين، وتواصلنا مع الجهتين، حجزنا القاعات وأحضرنا الدعوات. كانت الصورة والديكور أقوى من الكلام. الشيخ مورو بجبته وعمامته يكلم الغرب بلغة موليار من جامعة السوربون بحضور رجال الفكر والفن والسياسة حول حتمية تغيير منطلقات العلاقات المغاربية الفرنسية، وهي تخصصي الأكاديمي – من الأرضية الاستعمارية إلى الاحترام المتبادل، فنحن في زمن أصبح للضعيف إمكانيات كثيرة لتبليغ صوته، خاصة إذا امتلك جالية مغاربية بستة ملايين نسمة في فرنسا وحدها. كان ذلك مقترحي: أدخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. مما كتبت: يا أقوياء العالم ارفعوا من أمامنا نحن الإسلاميين هذه الخطوط الحمراء، تريدوننا أن نكون ديمقراطيين فأين سنتعلم ذلك في الكتب والسجون؟

هذا، أما الجزائر فالرسالة الموجه إليها من نوع آخر لكنها أيضا في منتهى القوة وفي وقتها وهي ضرورة الإسراع في الخروج من المرحلة الانتقالية في أسرع وقت حتى لا تفوت هذه الفرصة الذهبية على المنطقة المغاربية بعد سقوط كثير من الأقنعة واللوبيات الفاسدة وتتهيأ تدريجيا إلى تغيير بدأ ممكنا واعدا ومطلوبا.

بقيت هذه الأحلام كلها دون تمكين ومثلت لي وللشيخ مورو، حسرة أن وقفت ضدها الماكينة الحزبية التي كانت ترفض لمورو أن يطير بجناحيه ويتعاون مع إطارات تونس بحرية، خاصة أنه لا يملك لا مالا ولا ماكينة تقوم على حملته، فاستسلم للشيخ راشد يقود حملته بنفسه بواسطة مقربين منه. وهو في نظري السبب الرئيسي في فشل المترشح مورو.

النهضة دعمت سرا في 2014 الباجي على حساب المرزوقي الذي مثل التيار الثوري واليوم تقف مع قيس سعيد على حساب نبيل القروي كيف تفسرون هذا التحول؟

لا بد أولا من فهم النهضة، لها خاصية وهي كبر حجمها التنظيمي وكثرة مواعيدها الانتخابية الداخلية وتشعب أجهزتها، هذا لكنها لا تملك توجها سياسيا معلنا ومعروف. لا تعلم القواعد مثلا قبل الحدث أي موقف ستتخذه الحركة رغم فهم الجميع أن الموقف السليم. ذلك أن الشيخ راشد يملك القدرة على توجيهها حيث أراد بما يملكه من هامش مناورة وما إحتكره من مال الحركة، لا يعلم أحد قيمته ولا مصدره. كتبت في تدوينة لي قبل الانتخابات الرئاسية سنة 2014 تساؤلا مشروعا: لمن يصوت الشيخ راشد؟ أعني الباجي أو المرزوقي. كانت ردود النهضويين عنيفة ضد تساؤلي، واعتبره بعضهم حكم بالنوايا وتجنيا على الشيخ، إذ كيف أكتب ولو تلميحا أن الشيخ راشد يخون المناضل الثائر الدكتور المرزوقي ويصوت لممثل المنظومة القديمة. بعد الانتخابات جاءهم الجواب الشافي الكافي على لسان الشيخ راشد نفسه أنه صوت للباجي، وكفاني مشقة الرد.

ذا أما الإجابة عن السؤال فتكون بعدم تشابه الحالتين لأن نبيل القروي ليس الباجي، وأما المترشح الحالي فهو فاسد بامتياز وليس عليه إجماع حتى لدي المحسوبين على المنظومة القديمة، ويبدو أنه حتى القوى الخارجية لا تراهن عليه ولا تدعمه.

هل تعتقد أن النهضة خططت مسبقا لتحالف رئاسي تمسك بموجبه رئاسة البرلمان من خلال ترشيح الغنوشي؟

نعم لا شك في ذلك، والأكثر من ذلك هي احتوت مع الذين لهم تأثير في تونس وخارجها وفي مقدمتهم فرنسا.

قد يكون في الداخل لم يجد محاورين أو طرفا واضحا من المنظومة القديمة يعوض الرئيس الراحل للتوافق معه، ما جعل الشيخ راشد يقرر الدخول في الانتخابات التشريعية وبطريقة أغضبت قيادات في النهضة وقد فرض نفسه على دائرة تونس 1 وأخذ مكان القيادي عبد اللطيف المكي. النهضة تفهم الوضع جيدا وتريد كتلة في البرلمان تضمن لها رئاسة الحكومة أو على الأقل وزارات سيادية فيها. وضعتها الانتخابات التشريعية في مكان مريح.

قيس سعيد أعلن أن الجزائر ستكون وجهة خارجية له، الرجل لم يخرج عن النسق العام لسياسة رؤساء تونس الذين تكون الجزائر أول محطة لهم، ماذا يعني هذا في مفهوم الدولة التونسية؟

نعم لا بد لرئيس تونس الجديد أن يجعل من الجزائر وجهته الأولى ليس لطلب دعم مالي فالجزائر تألم مثل غيرها من العرب من فساد حكامها وهبوط سعر البترول، لكنه يأتي للأخت الجارة الكبيرة لألف سبب وسبب لا يتسع مجال المقال لسردها. يكفي أن أذكر بما أعرفه جيدا وأعمل له منذ سنوات، وهو أن لكل دولة في محفل الدول دولة أخرى هي الأكثر وزنا في جيوإستراتيجيتها، وأفهم أن الجزائر لها الوزن الأول في تونس أمنا واقتصاديا وثقافة وروابط اجتماعية وغيرها والعكس أيضا فيه ما يقال ويكتب.

مقالات ذات صلة