-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الـتمثيل النيابـي عـندنا: من مهمة وطنية إلى مطامح سياسية إلـى خطط استثمارية!!

علي بن محمد
  • 4456
  • 5
الـتمثيل النيابـي عـندنا: من مهمة وطنية إلى مطامح سياسية إلـى خطط استثمارية!!

تعـيش دوائر النظام الحاكم، في كل مرافقها، منذ الآن، حالة استثنائية من التوتر والتشنج، سواء منها التي تـُصْدر الأوامر، أو التي تتلقاها، ثم تراقــَبُ وتـُجازى، إيجابا أو سلبا، على مقدار ما سيكون لها من النجاح أو الفشل في تطبيقها.. كما تعيش الأوساط الحزبية أيضا، حالة شبيهة من الترقب والتوتر، منذ ما يزيد عن شهر.. والكل، أولئك وهؤلاء، في مثل الحالة النفسية التي تكون فيها الفتاة الـِبكـْر عندما يقترب موعـد زفافها إلى فتى أحلامها، وفارس يقـظـتـها ومـنامها.. فـهي كلما اقترب اليوم الموعود منها، واقتربت هي منه، تشابكت في نفسها العواطف، واختلطت في ذهنها المواقف، وامتزجت في مخيلتها مشاهدُ باسمة من السعادة المأمولة، بمناظر عابسة من مغامرة الزواج، ذات العواقب المجهولة.. ولذلك تـُرى عينـُها مبتلة في أغلب أوقاتها، تارة تتلألأ فيها دمعة الفرح المرسومة، وتارة تترقرق بين جفنيها عَـبْرة الخوف المكتومة..

 تلك حال المصالح، ما ظهر منها وما استتر، وتلك حال الأحزاب عندنا، أكابرها والأصاغر، منذ أن آذنت صفارة الحَكـَم الأول في البلاد بانطلاق قطار التحضيرات المختلفة لميعاد الانتخابات العامة، يوم العاشر من شهر مايو القادم. وهو موعـد حاسم في نظر السلطة حتى قال عميدها، في مبالغة لا تفسير لها، إلا الأحوال النفسية التي ذكرناها، إنه بمنزلة نوفمبر الثاني!!. ونوفمبر لمن لا يعرفه، أو لمن يكون نسِـيَه، هو الشهر الذي انطلقت الشرارة المقدسة في اليوم الأول منه، ثم ظل لهيبها يقوى، ويشتد، ويَعظـُم، حتى تحول إلى حريق هائل هـز أركان الاستعمار الفرنسي هـزا عنيفا… ولكن الذين عينوا أنفسهم وُكلاءَ لنوفمبر لم يستطيعوا لا أن يُشـيّـدوا الجزائر التي حلمت بها قوافل الشهداء، ولا أن يُقـْدِموا على كل ما عمِلـه ذلك الوحش الاستعماري اللعين من قبيح الأعمال، وما ارتكبه من شنيع الجرائم المادية والمعنوية.. فيجْعَلوه هباءً منثورا… أما تشبيه ميعاد يوم إجراء استشارة انتخابية شكلية، كيفما سيكون الجديد فيهاـ هذا إن وقع فيها أي جديد؟ ـ فلا عجب فيه، إذ لا غرابة في أن يُطـْـِريَ كلُّ بائع بضاعـتـَه المعروضة، ويَكيـل كـلّ دَلالٍ لسلعته المنشورة ما شاء من النعوت والأوصاف.. أليس من أمثالنا الشعـبية الشائعة قـولُ العـامة، “بيّاع الفول، دايما يقول: فولي طياب!”…. وإنما العجب والغرابة كلاهما في شطط التشبيه، وجُرأة المقارنة، ممن صدرا عـنه، هو بالذات!

إن   المُلاحِظ   الـنزيه،   المنصف،  المتجرد من الأهـواء، يستطـيع أن يشهد بكل موضوعية، أن الانتخابات القادمة لا تحظي، في أوساط الشعب، إلى حد الآن، بذلك الاهتمام الكبير الذي تحلم به السلطة الحاكمة، وتـُصوِّره لها وسائطها الدعائـية.. وذلك على الرغم مما يـبذله القائمون على تلك الوسائط من تسخين مُـبَـكرـ ولكنه دائب، وكثيف، ومتواصل، وحماسي.. ـ لكل ما في حوزتهم من “الـبناديـر”، المسموعة منها، والمرئية، المقـرُوءَة.. بَـيْـد أنهم نـَسـُوا أن أمهر، وأقـدر المغنين لا يستطيع أن يغني طويلا في قاعة فارغة، لا يُـصْغي إليه فيها إلا جدرانـُها الصُّمّ، وستائرها الخـُرْس المُغـْـبَرّة.. والحق أن الناس عندنا قد اكتسبوا مناعة كلية من تصديق الوعود التي تطلقها السلطة، بالقناطير والأطنان، في كل موسم انتخابي، وفي كل مرة يحتاج فيها الحُكم إلى تزكية، ولو كانت افتراضية، لمخططاته الانفـرادية، أو إلى إضفاءٍ للمشروعية الشعبية، ولو جاءت غـَصْبا، على إصلاحاته الوهمية

ظل المواطنون يُـوعـدون، في كل مرة، منذ نصف قرن، منذ خمسين سنة، عَــدًّا ونقـدا، بأن هذه المرة “هي الصح”..! وأن هذه المرة هي التي سـتأتي بالفـرَج، وهي التي ستـُحل فيها المشاكل، وهي التي ستزول فيها الظـُلمة، وتنجلي الغـُمّـة، وفيها تستعـيد الأمة قدرا من مصيرها المغصوب، ومالها المنهوب، ويتحرك للمسير، في الاتجاه الصحيح، قطارُها المعطوب… ولكن “المرة القادمة”، لا تلبث، حين تـُقـْدِم، أن تـَظهَر على حقيقتها.. ويكتشف الذين صدّقوها في كل مرة أنها، للمرة الألف، مُجرّدُ وَعْدٍ قــُلـَّب، وبَـرْق خـُلـَّب، وسراب خداع..

 فإلى متى تظل العلاقة بين السلطة والمواطنين يَحْكمها قانون المراوغة المعهودة

من هذا الطرف الحاكم، والثقة المفقودة، والـِريـبَة المشهودة، لدى ذلك الطرف المحكوم.. لـُغة الحكام، في كل مراتبهم، هي لـغـة الالتـفاف على الحقائـق الناصعة، تلك التي هـمْ أوّل من يعرفها على وجه اليقين. وكلامُهم هو كلامُ الاستخفاف بعقول المواطنين الذين خبَروا أساليب التعبير عـند حكامهم، على امتداد عشرات السنين من الغش والتمويه، حتى صاروا يعرفون ما تـُبْطِنه كلُّ لفظة من النوايا المُبَـيَـتة للناطقين بها، وما ترمي إليه كل عبارة يتفوهون بها من الغايات الخفية، الدانـية منها والقصِـيّة.. وقد صاروا يتخذونها في مجالسهم، وحيثما التقى نَفرٌ منهم، موضوعا للمَزح والتنكيت. فمتى يُـطـَلـِّق حكامنا، حين يكلمون شعوبهم، قواميس اللـَّفِ، ومعاجم الاستخفاف؟..

أما الأحزاب، وما أدراك ما الأحزاب؟!، فقد بدأنا حديثنا هذا بذكر ما نتوقع من الأحوال النفسية لناسهم، وهم مُقدمون على خوض امتحان عسير، الناجحون فيه ثابتو الوجود، لخمس سنوات مضمونة.. ويمكن أن تكون أكثر من ذلك، “إذا توفرت شرائط الانسجام”.. (كما يقول طلاب الهوى في الأركان المخصصة لذلك، في صفحات البعض من جرائدنا المحلية، العاكفة دوما على تقليد سفاسف نظائرها على الضفة الأخرى من البحر الذي يفصلنا عنهم، ولكنهم، مع ذلك، أقربُ إليهم من حبل الوريد..)

وأما الراسبون في ذلك الامتحان، نعـني بهم أولئك الذين عُـرفوا، في زمن مضى، هُــمْ أو من كانوا في حجمهم، بـ”الصنافـيـر”، فسيجُـرّون أذيال الخيبة المزمنة، والإحباط المستديم، عائـدين إلى جحور الـتـشتِـيَة، والسُّبات الطويل، التي خرجوا منها.. إلى أن توقظهم جـنـِّـيَة المواعيد الانتخابية القادمة بلمسة من عُصَـيَّـتها السحرية. ومع ذلك، فإن المُطـَّلعين يعلمون أنهم لن يكونوا خاسرين بالقدر الذي يظنه من لا يعرفون خبايا العملية، ودهاليزها السرية. فالصنافير أيضا، ومن يليهم من ذوي الأحجام المقاربة، قد ربحوا الكثير!.. أقل مما ربحه، وسيربحه، “الناجحون الكبار”! نعـم، بكل تأكـيد. ولكنهم، هم أيضا، بحساب الربح والخسارة “ناجحون” جـدا، جـدا!! ولولا ذلك لما دأبوا، منذ ثلاثين سنة، (للبعض منهم)، على الترشح لامتحان، هـم أول من يعرف أنه يستحيل عليهم أن يكونوا فيه من الناجحين!..

ولم يكن بالأمر المدهش لمن يتابع التطورات في “الساحة الانتخابية”، (لكي لا نسميها “الساحة السياسية”، فهذه ما زالت مقـيّـدة في سجل الأماني والتطلعات)، أن يرى أولئك الصنافيرَ أولَ من استجاب بالرقص لنغمات الطبول الحكومية التي تـَقـْرَعها، بلا هوادة، أجهزة السلطة الإعلامية، تلك التي كـثـيرا ما تنسى طـبيعة وظائـفـهـا الحقيقية، فـتـتحول، بإشارة من الأوصياء عليها، أو برقابة ذاتية منها، إلى أدوات دعائية، تتجاوز الرداءةُ فيها مستوى السذاجة إلى التفاهة، وتحيل البلد، ومن فيه، إلى موضوع متجدد للتهكم والسخرية..

على الرغم من كل الضجيج المفتعل في وسائل الإعلام التي بدأت الحملة فيها وفي المساجد قبل أوانها، فإن الطرف المتفاعل بقوة معها يتمثل في الأحزاب؛ وقد فعلت الحملة في قواعدها فعل القنابل العنقودية، بحيث لا تكاد تجد واحدا منها لم تتمزق قواعده بمجرد إعلان قائمة المترشحين في أية جهة من جهات الوطن يكون له فيها وجود.. ويبدو أن أريح الجميع هم الذين يـتـلقون الـتـرشـيحات عـبـر الـمـساحــات الإشهارية.. فهل هذه الآلاف المؤلفة من المرشحين، ومثلهم من الغاضبين، والمجتجين، والمنشقين.. هل هؤلاء جميعا دافعهم الوحيد هو الرغبة في خدمة الوطن حتى إن بعضهم ليشترون الترشيح بمئات الملايين، فيما يقال!.. فكيف تحولت مهمة التشريع والرقابة ذات المضامين الوطنية والسياسية السامية إلى مشروع استثماري، وعملية تجارية من النوع القذر؟.. ألم تشجع السلطة هذا التحول المقيت؟ أليس في هذا المظهر الشنيع من انحطاط القيم، أعراض انهيار أخلاقي شامل في وطن أوشكت فيه المصالح الشخصية، والمنافع المادية أن تكون الدافع الأوحد لتحرك أغلب الناس؟..

يـا اللـه! ويا ما أغربَه من مَـنظـٍر تزدحم فيه المفارقات، وتتجاور فيه المتناقضات، وتتعايش فيه بكل تناغم وانسجام.. فلنتأمل هذا المشهد المتميز.. هنا، فوق المنصة تتربع سلطة تداري خوفها الشديد. فتـُلوِّح بعهد جديد، ترفرف أعلام الفرحة فيه من العيد إلى العيد، بشرط أن يشترك الجميع في إعداد الجماهير ليوم الحظ السعيد، بالانخراط التلقائي في كل ما رسمه الحكم العتيد من خطط التعبئة، وبرامج الحشد والتجنيد..

وأمام المنصة العَلِـيّة صفوف من الأحزاب، تظهر الغالبية منهم في وضعية التلاميذ المجتهدين، وإن كانوا فيما بينهم يتبادلون الغمزات، واللمزات، وحتى بعض اللكمات، والركلات… بينما يبدو الجالسون في الصفوف الخلفية ذوي ميول واضحة إلى التشويش والمشاكسة.. ولكن اللافت في المشهد أن بأيدي الجميع ألواحا كالتي نراها في المدارس، عند صغار التلاميذ، وبين أصابعهم أعقاب الطباشير.. وفي لحظة من اللحظات ينهمك الجميع في عمليات حسابية بالغة الأهمية.. فيها عمليات الضرب الموجعة، وعمليات الطرح المؤلمة، وعمليات القسمة المثيرة للخلاف.. أما عمليات الجمع، فهي التي تكثر فيها الاتهامات.. الكل فيها يتهم الكل بالسطو، والنهب، والاغتصاب، والاختلاس. وما هي إلا بـُرهة حتى ينفرط عِـقد النظام، وينتقل الجمع من التناوش بالكلام، إلى الاشتباك بالأيدي والأقدام، وتتحول قاعة الاجتماع إلى حلبة للصراع.. ثم يسود الهدوء فجأة، ويخيم صمت القبور، ويلتفت الجميع ناحية المكان المخصص للجمهور في المشهد السريالي، فـيَرَوْا آلاف الكراسي المصفوفة في أجمل هيأة، وأبدع نظام. ولكن الذي يدهش الجميع، أن الجمهور المدعو لمباركة الوليمة لم يحضر.!! والكراسي فارغة ليس عليها إلا أشباح الكوابيس المرعبة، وأطياف الأكياس السوداء، المنتفخة إلى حد الانفجار.. 

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • اBaki

    السلأم عليكم
    يقال أن ملكا كان له وزيرا يجمع له الحشود على حافة الطريق في يوم كل جمعة لكي يصفقوا له عند مروره امامهم ولاكن كانت الحشود تنقص بحيث انه لا يـتيه احد فقرر الملك أن يغير الوزير وقال له يجب ان يكون الطبل كبير جدا حتى يسمعه جميع الناس وعند تنصيب الوزير الجديد اشار عليه هذا الأخير ان يمنحه المال و الوقت لصناعت الطبل فكان له ذلك لاكن هذا الوزير الجديد لم يصنع طبلا ولاكن خدم الناس بتلك الأموال فعادت الحشود فستغرب الملك وقال للوزير انمنى لم اسمع الطبل فقال له الدف المثالى هو خدمت الشعب

  • amel

    السلام عليك سيدي الكريم و بوركت دائما اقولها انك سيدي تنقل ما في صدورنا و لم نجد له فضاءا نعبر عنه نعم التعبير و التصوير لواقع الاحزاب و حتي انك صورت لنا او بالاحري نقلت لنا حالتهم النفسية و طموحاتهم الشخصية البعيدة تماما عن اماني و احتياجات الشعب و عبرت عن موقف الشعب من هاته الانتخابات تعبيرا صادقا و اشكرك كثيرا فقد وفيت كل ما يجري امامنا و ارجو من الله ان يساعدنا علي اختيار اناس و لو باخف الاضرار كما قالها اخي محمد الجزائري و الله يهدي الجميع.

  • محمد الجزائري

    والله ياسيدي إنني أشاطرك الرأي إلى أبعد الحدود، حتى أنني شخصيا حاولت ومازلت أحاول أن أقنع نفسي بأي من التشكيلات السياسية، فلم أجد ما يمكن أن أستقر عليه، كما أنني -وبالرغم من أنني غير متفائل- لكنني قررت أن أنتخب، على أن أختار أي حزب من التي يمكن وصفها بأخف الأضرار.

  • البشير بوكثير

    أحييك أيها الأديب النحرير ، والوزير الأصيل ، والمفكر الألمعي ، والكاتب اللوذعي ، أحييك من أعماق قلبي ونبض شراييني ، ومن حنايا الفؤاد أهديك باقة حبّ من معلّم عشق لغة الضاد ، وهام بها في كل واد. لك حبّي الصادق ، ولساني الناطق ترانيم وفاء لمن صنع مجد التربية والتعليم رغم المطبات والعوائق. تلميذك : البشير من منطقة الإبراهيمي النحرير.

  • سليم

    و الله يا دكتور ان هؤلاء المترشحين الذين يُطلون علينا في ومضات تتكرم بها عليهم قناة اليتيمة لا يمتلكون أدنى جاذبية جمالية لا في الخطابة و لا في الوسامة و إن من أسباب عزوف الناس عن الانتخابات هو هذه الوجوه .