الفرح الدامي؟
خمسة آلاف شرطي في حالة طوارئ، تحسبا لموعد يوم الثلاثاء، وثلاثة آلاف رجل إسعاف من أفراد مصالح الحماية المدنية، وأربعة آلاف دركي ومروحيتان، وحالة طوارئ في مستشفيات البليدة والعاصمة، وعتاد وكاميرات مراقبة، وما خفي أعظم… بالحساب الرياضي البسيط، الرقم غير بعيد عن عدد المناصرين الذين سيحضرون لقاء المنتخب الجزائري ضد بوركينا فاسو، في ما سميناه عرسا كرويا.. وبالحساب الاقتصادي والأمني والصحي، الأمر لا يختلف كثيرا عن الكوارث الطبيعية أو الحروب الصغيرة أو الأوبئة الفتاكة التي تعصف بالأمم.
وعندما نعجز عن بيع خمسة وعشرين ألف تذكرة لدخول لعبة كرة، اختصرنا فيها وطنيتنا بقراءة نشيد قسما ورفع العلم الوطني، ويعجز المناصرون عن الوقوف في طابور لأجل ما يسمونه واجب تشجيع منتخب بلادهم، ويرفعون سعر التذكرة في السوق السوداء إلى أزيد عن ثلاثمائة بالمئة عن سعرها الحقيقي، فإننا سنكون متفائلين، لو قلنا إنه بإمكاننا أن نقدم للمواطنين حقوقهم، ومتفائلين جدا، لو قلنا بأن المواطنين بإمكانهم أن يؤدوا واجباتهم في الأمور الجادة، بعد أن عجزنا في أمور اللعب.
هل رأيتم في حياتكم فرحا، ممنوع فيه دخول القصّر والأطفال؟ هل سمعتم عن سقوط خمسين جريحا قبل أن يبدأ العرس؟ كان يمكن أن نلعب بالإجابات يمينا ويسارا، ونعتبر الأمر عاديا أو نتحدث عن نقص خبرة المسؤولين، لو لم يكن العالم بقاراته الخمس مفتوحا أمامنا، ونتابع على مدار السنة تلك المقابلات الكروية التي يفوق فيها الحضور المائة ألف مناصر، حتى في الدول التي منها انطلق العنف الكروي القاتل. ونشاهد كيف تدخل العائلات أسبوعيا في نظام سلس، تساهم فيه الدولة دون ازدحام أو جرحى، ولا نتحدث عن هذه “الجيوش” وهذا “الشلل” الذي ضرب الجزائر قبل موعد الثلاثاء.
لقد نجحت الجزائر في بناء ملعب كرة يتسع لمائة ألف متفرج، قبل مرور عشر سوات على استقلالها. ونجحت في تنظيم مباراة كرة بعد ثلاث عشرة سنة من الاستقلال بين المنتخب الجزائري والمنتخب الفرنسي ضمن نهائيات الألعاب المتوسطية، حضرها زهاء المائة ألف متفرج من دون أن يقع جريح واحد، قبل دخولهم وأثناء متابعتهم للمقابلة وبعد إعلانهم فرح الانتصار. ونعجز الآن بعد أكثر من نصف قرن، عن تقديم ملعب أخضر لائق، ومشهد جميل لمناصرين يتزينون بالأخضر، لأجل المشاركة لرابع مرة في عرس الكرة العالمية. ولا نظن أن مقارنة الحاضر بما مضى، أو بما يحدث لدى الجيران، هو جلد للذات أو تشاؤم أو نظرة سوداوية إلى واقعنا، وإنما تنبيه إلى أننا نسير بسرعة البرق.. ولكن إلى الخلف.
يأمل الجزائريون أن يتأهلوا إلى كأس العالم، كما تأهل الكولومبيون والهندوراسيون واليابانيون والبوسنيون والنيجيريون بفرح وبسلام، وذاك أقل ما يتمنونه، فقد غلبت الكرة السياسة وامتزجت بالمجتمع، وصارت وسيلة الفرح الوحيدة التي تجمع الجزائريين.. ونخشى أن تضيع؟