-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفرصة الجيواستراتيجية الثالثة.. ينبغي اغتنامُها!

الفرصة الجيواستراتيجية الثالثة.. ينبغي اغتنامُها!

يبدو أن العالم يمر اليوم بلحظة تحول جيواستراتيجية كبرى تخدم إلى حد بعيد دول الجنوب. حدث تحولٌ جيواستراتيجي كبير بعد الحرب العالمية الثانية عندما كانت معظم هذه الدول مُستعمَرَة، وأدرك ساسة تلك الحقبة بُعدَ هذا التحول الكبير، وحَدَّدَ زعماء حركات التحرر الوطنية في القارات الثلاث لأنفسهم هدفا أساسيا تمثَّل في التحرر من ربقة الاستعمار التقليدي، وهو الأمر الذي حصل بالفعل. وكانت الجزائر سَبَّاقة بنضالها السياسي، ثم ثورتها التحريرية في هذا الأمر. وتمكَّن قادتها السياسيون والعسكريون في تلك الفترة من تحقيق أهدافهم كاملة، إلى درجة أن الجزائر كانت في بداية ستينيات القرن الماضي النموذج الحي لكثير من الشعوب للتحرر واستعادة السيادة الوطنية والشروع في بناء الدولة الوطنية الحديثة.
وبعد نحو ثلاثين سنة من هذا التاريخ، ومن دون الخوض في تفاصيل التجربة التي خاضتها بلادنا بما لها وما عليها، جاءت لحظة تحوُّل ثانية جيواستراتيجية بعد إعلان النظام الرأسمالي انتصاره على الاشتراكية السوفياتية سنة 1989، واعتراف الاتحاد السوفياتي سابقا بذلك والشروع في إعادة هيكلة نفسه بنفسه. وكان السؤال المركزي في تلك الفترة هو: كيف نُصحِّح المسار التاريخي لتجربتنا في ضوء هذا التحوُّل؟ ويبدو أن الخيار هذه المرة لم يكن صائبا، وأن الطبقة السياسية التي كان بإمكانها القيام بالخيار الاستراتيجي المناسب، لم تكن مُهَيَّأة لهذا الأمر، ولم يستطع أيُّ فصيل منها بلورة رؤيته المستقبلية للبلاد في ضوء إدراك واضح لطبيعة التحوُّل الحاصل أنذاك، فكانت فوضى الأطروحات والبدائل، وكان الصراع… واغتنمت القوى المتربِّصة شرا بالبلاد الفرصة وحدث الذي حدث في العشرية السوداء.
وما كان للأمر أن يطول، بعمر الدول والشعوب، حتى ارتسمت في الأفق سنة 2022 لحظة جيواستراتيجة ثالثة، بعد فشل القوى الغربية في فرض هيمنتها على العالم من خلال محاولة نشر النموذج الليبرالي والنيوليبرالي بجميع الوسائل بما في ذلك ما سُمّي “الربيع العربي”. وبَرزت الصين كرائدة لهذا التحول الجديد، وتَعزَّز موقفها بروسيا كحليف قوي أعاد تجميع قواه كوريث شرعي للاتحاد السوفياتي السابق، وتَحلَّقت حول هذا المحور مجموعة “البريكس” التي ضمت، إضافة إلى الثنائي الاشتراكي سابقا، الهند والبرازيل وجنوب افريقيا. وجاء الشروع في العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا في 24 فبراير 2022 كرمز لإعلان بداية انتقال هذا التكتل من وضع الدفاع إلى الهجوم ضد الغرب. ووَجَدت القوى الليبرالية التي هيمنت على العالم (منذ معاهدة واستفاليا 1648) نفسها، لأول مرة في وضع الدفاع بدل الهجوم، وفي حالة انحسار للنفوذ بدل التمدد، وزادها ارتباكا انشغالُها بأوضاعها الداخلية، وصعوبة التصعيد تجاه خصوم يمتلكون السلاح النووي هذا المرة ومستعدُّون لاستخدامه، ولم يبق أمامها من سلاح فَعَّال سوى الحرب بالنيابة (لأنها لم تعد تملك القوى البشرية التي تدفعها إلى أتون المعركة)، أو العقوبات. وأفرطت في استخدام هذا السلاح الأخير حتى بات مُبتَذَلا وبلا معنى.. وهنا لاحت فرصتنا الثالثة؛ فأيٌّ من الدول الغربية الآن، التي كانت مُتنمِّرة على بقية الشعوب المستضعَفة، بقادرة على العودة إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ، ولا حتى مواجهة دول صغيرة هي من الضعف بمكان في إفريقيا وآسيا. وتَجلت هذه الصورة في أوضح معانيها فيما آلت إليه السياسة الفرنسية في افريقيا… ولعل هذه النقطة بالذات هي أكبر مكاسبنا اليوم للاستفادة من لحظة التحول الجيواستراتيجة الثالثة هذه. أَنْ نُعيد رسم سياساتنا الداخلية والخارجية بالكيفية التي نريد. إنها فرصة تضاهي تلك التي جاءت لقادة الحركة الوطنية قبل سنة 1954.. ينبغي أن نكون في مستواها. وإذا ما كُنَّا كذلك فإن السبع سنوات القادمة ستكون كافية لننسى الجزائر التي لم تعرف كيف تستخدم كافة إمكاناتها، ونتأكد من أننا يمكن أن نجعل بلدنا من هنا إلى سنة 2032 يدخل نادي مجموعة العشرين.. لا يوجد ما يمنع ذلك.. كل العوامل مهيَّأة ومساعِدة على ذلك.. لنتوكل على الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!