الرأي

الفضيحة اللغوية للوزراء!

رشيد ولد بوسيافة
  • 2371
  • 38

“العربية هي أكثر لغات المجموعة السامية انتشارا، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة، هي ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدَّسة، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. العربية هي أيضا لغة شعائرية رئيسية لدى عددٍ من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كُتبت بها الكثيرُ من أهمِّ الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وإثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، تعززت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرونٍ طويلة، وأثرت العربية تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى، كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية والهاوسا والسواحيلية، والإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية…”.
هذا الكلام لم يقله متعصبٌ للغته الأصلية، ولم يصدر عن مجمع للغة العربية أو ما شابه، ولكنه تعريفٌ معتمَد للغة العربية في هيئة الأمم المتحدة، التي خصصت 18 ديسمبر من كل سنة يوما عالميا للاحتفال بلغة الضاد، بينما تُهان هذه اللغة، وتُداس من قبل بعض مسؤولينا ووزرائنا يوميا أمام الكاميرات، بل ويخجلون من الحديث بها مع المسؤولين الأجانب الذين يزورون الجزائر، وآخرها فضيحة الوزير الأول أحمد أويحيى الذي تحدَّث بلغة فولتير في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتحجَّج بعدم وجود مترجم من العربية إلى الألمانية؟!
بعد قرابة ستين سنة من الاستقلال؛ لا تزال اللغة العربية غريبة في عقر دارها، ولا تزال المؤسَّسات الرسمية تستخدم اللغة الفرنسية في المراسلات الإدارية، بعد إجهاض المحاولة الجريئة لتعميم استعمال اللغة العربية في تسعينيات القرن الماضي، حين تحرك اللوبي الفرنكفوني وتظاهر ضد القانون، وتمّ وأد التجربة قبل أن تكتمل، وفتح المجال واسعا أمام اللغة الفرنسية لتعود إلى المواقع التي فقدتها جراء زحف اللغة العربية كمحصلةٍ طبيعة لتعريب المدرسة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
ورغم هذه الرِّدة الرسمية في ما يتعلق بموضوع اللغة العربية، فإن اللغة الفرنسية لا تزال تتقهقر يوما بعد يوم، خاصة مع الثّورة المعلوماتية، إذ بدأت اللغة الإنجليزية تتسلل إلى حياة الجزائريين؛ لتأخذ مكانها كلغة أجنبية أولى قبل الفرنسية، وبدأت مفرداتها تغزو الشارع.
أما النخبة العلمية؛ فقد اختارت منذ مدة طريقها، بعد أن اصطدمت بواقع ضعف الأبحاث والدراسات والمنشورات باللغة الفرنسية، مقارنة باللغة الإنجليزية، ويمكن الوقوف على هذا المتغير بالاطلاع على الأرضية الرقمية للمجلات العلمية؛ إذ يختار الباحثون اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية عندما يتعلق الأمر بملخَّصات البحوث التي ينشرونها، دون الحديث عن التسميات الرسمية للجامعات، التي تعتمد اللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة العربية.

مقالات ذات صلة