الفقر ينهى عن المنكر
أصاب انهيار أسعار البترول حكومتنا “الرشيدة” بحمى شديدة جعلها تقترب من درجة الهذيان، فتنادى أعضاؤها إلى لقاءات لمواجهة هذا الزلزال “البترولي” وإن استمر ذلك الهبوط فسيتحول ذلك الزلزال إلى “تسونامي” يكشف “عورات” الحكومة التي غطاها ارتفاع سعر البترول الذي يعود الفضل فيه بعد تقدير العزيز العليم إلى ابن لادن وصدام حسين.
تفتق ذهن الحكومة من أخينا عبد العزيز بوتفليقة “ذي الحكمة البالغة، والنظرة البعيدة الذي أنبأنا سي عمارة ابن يونس عنه أنه يسيّر الدولة بـ “عقله” لا بـ “رجليه“؛ إلى من يسيرونها بـ “أرجلهم“؛ تفتق ذهن الجميع عن الفكرة التي تعرفها جميع عجائز الجزائر، اللاتي كرم الله وجوههن فلم تطأ أقدامهن “ليكول” فرنسا، التي أخرجت لنا من كانوا سبب “الاحتباس الحضاري” للجزائر كما عبّر أحد الإخوة، وهذه الفكرة التي جاء بها “الأمخاخ” هي التقشف.
إن الفرق بين تقشف حكومتنا “الرشيدة” وبين تقشف جدّاتنا عليهن الرحمة والرضوان هو أن تقشفهن يكون في ساعة اليُسرة، فإذا وقعت الواقعة، وقُدر الرزق كانت الوقعة ـ نفسيا وماديا ـ خفيفة الوطأة؛ وأما تقشف “الأمخاخ” فإنه لا يكون إلا في صورة إكراه، وبعد أن “يقع الفاس في الراس“، فلا تكون الحكومة فيه “لا مشكورة ولا مأجورة“، بل هي “مجبورة موزورة“.
لقد نبه أهل الذكر والعلم والوطنية إلى أن السياسة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة ـ بتوجيهات من وصفه المتملقون بأنه لولاه لما كانت الجزائر شيئا مذكورا ـ أقرب إلى ما لا يمكن وصفه من عدم الحكمة والرشد، وقد نصح الناصحون المخلصون أولئك المبذرين، الذين وضعوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وقالوا للناصحين ما قال السفهاء من قبل: ما نفقه قليلا ولا كثيرا مما تقولون، وجهلوا ـ كما يقول حكيمنا الإبراهيمي ـ الحازم الأريب من يعتبر ما ليس بواقع واقعا، ويُهيّئ أسباب دفعه قبل المفاجأة“. (الآثار 5 / 232).
جاء في بلاغ حكومتنا “الرشيدة” أن توجيهات الأخ بوتفليقة لها هو “إبلاغ الرأي العام بكل الحقائق بخصوص الوضع الراهن الناتج عن انهيار سعر التبرول، وذلك من أجل دعوة الجزائريين لوقف التبذير“. (الخبر 24 / 12 / 2014 ص 28).
آلْآن، وقد بذّرتم قبل، وتصاممتم عن سماع النصح!!
إن الإسلام الذي تزعمون أنه دين الدولة وتتحاكمون إلى غيره يجعل المبذرين “إخوان الشياطين“. وقد نهى رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي جاء بـ “قل هو الله.. عن التبذير في الماء ولو كان المتوضئ على نهر جار، أم إن قوله هذا وغيره “ظلامية” كما يزعم “المتنوّرون” إن من لم ينه عن المنكر ـ والتبذير من أكبر المنكر ـ فهو آمر به.
إنه لا فضل لكم في التقشف، وما ألجأكم إليه، واضطركم إليه إلا سوء التصرف، و“إن الإفلاس في الرأي ـ كما يقول الإمام الإبراهيمي ـ لشر من الإفلاس في المال” ولكن “المعاني الكبيرة لا تحتملها العقول الصغيرة“.
وصدق الإمام الإبراهيمي ـ مرة أخرى ـ الذي يقول: “إن الفقر ينهى عن المنكر“.
إننا لو كنا “مؤمنين” حقا لاعتبرنا من صدمة الثمانينيات، التي جعلت أسعار البترول تهوي، ولكننا “لُدغنا” للمرة الثانية من الجحر نفسه، ولو عادت أسعار التبرول إلى الارتفاع لعدنا إلى السّفه نفسه.