-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفلسفة التي نَعتز بها..

الفلسفة التي نَعتز بها..

يُقسِّم باحثو موقع مَسح القيم العالمية world values survey مجتمعات العالم إلى مجتمعات القيم التقليدية في مواجهة مجتمعات القيم العلمانية، ومجتمعات قيم البقاء في مواجهة مجتمعات قيم البحث عن الذات؟ ويُعَدُّ هذا الموقع من بين أكثر المواقع المُهتَمَّة بالاتجاهات الثقيلة للقيم والأخلاق والدين في العالم، إلى جانب موقعي pewresearch وgallup وغيرها من المراكز البحثية التابعة للجامعات الغربية وما أكثرها.. بدا لي وجيها اليوم أن أطرح هذا الموضوع وأنا أشعر بأن هناك نوعا من التخلي عن الفلسفة والآداب بحجة أهمية وأولوية العلوم التجريبية والدقيقة على غيرها.. والانطلاقة تكون من سؤال أنفسنا إلى أي صنف من المجتمعات ننتمي في مجال القيم؟ وهل علينا تعزيز هذا الانتماء، أم التخلي عنه بحثا عن نوع آخر من المجتمعات؟ وأي نوع من هذه المجتمعات نريد؟ وهل نستطيع الخيار بدون فلسلفة اختيار؟
يَذكُر موقع تقرير “مسح القيم العالمية” ما يلي:
“تؤكد القيم التقليدية على أهمية الدين، والروابط بين الوالدين والطفل، والإذعان للسلطة والقيم العائلية التقليدية. ويرفض الأشخاص الذين يعتنقون هذه القيم أيضا الطلاق والإجهاض والقتل الرحيم والانتحار. وتتمتع مجتمعاتها بمستويات عالية من الفخر الوطني والنظرة القومية.”
في حين أن “القيم العلمانية العقلانية لها تفضيلات معاكسة للقيم التقليدية. تركز مجتمعاتها بصفة أقل على الدين والقيم والسلطة العائلية التقليدية. ويُنظر إلى الطلاق والإجهاض والقتل الرحيم والانتحار بها على أنها مقبولة نسبيًا. (الانتحار ليس بالضرورة أكثر شيوعًا).
أما قيم البقاء “فتركز على الأمن الاقتصادي والمادي. وهي مرتبطة بنظرة عرقية نسبيًا ومستويات منخفضة من الثقة والتسامح”.
أما قيم التعبير عن الذات “فتعطي أولوية عالية لحماية البيئة، والتسامح المتزايد مع الأجانب والمثليين والمثليات والمساواة بين الجنسين، والطلبات المتزايدة للمشاركة في صنع القرار في الحياة الاقتصادية والسياسية”.
فإلى أي مجتمع ننتمي؟
يبدو من خلال منظور هذا الموقع أننا وإِنْ كُنَّا أقرب إلى المجتمع الذي يُسمَّى بالتقليدي (التركيز على الدين، مشاعر الفخر القومي، والرغبة في مزيد من الاحترام للسلطة إلى المواقف تجاه تربية الأطفال… الخ)، مازالت خياراتنا في مجال القيم محل اضطراب، يوجد بداخلنا مَنْحَى نحو العلمانية المغلفة بالعقلانية، (الحفاظ على النظام ومحاربة التضخم، الحرية السياسية، للمشاركة في صنع القرار في الحياة الاقتصادية والسياسية وقبول المجتمعات الخارجية كالمثلية الجنسية وما شابه…)، وتَتَنَامى بيننا قيم البقاء بشكل أسرع (ونحن نطالب بالأمن الغذائي والإسراع في تلبية الحاجات المادية وتحقيق الرفاهية في كافة المجالات).. بمعنى أكثر وضوحا أننا مازلنا نعيش فلسفة في طور التَّشَكل…
لماذا إذن نزعم أو يزعم بعضنا أننا لسنا في حاجة إلى فلسفة وعلينا تقليص العلوم الإنسانية لصالح العلوم التجريبية والدقيقة…؟
لقد سَبَق أن شاركت نهاية هذا السنة الجامعية في دورة تكوينية لطلبة الدكتوراه (تخصصات متعددة) في مجال الفلسفة، باعتبار أنها خيار من الحكومة الجزائرية في مجال التعليم العالي لتمكين باحثينا وأساتذتنا المستقبليين (في جميع التخصصات بما في ذلك العلوم الدقيقة والتجريبية)، من حد أدنى من الرؤية الفلسفية المشتركة للواقع، ولِشَحْذ الفكر النقدي لديهم وتعزيز ثقافة الحوار وتحصينهم في معركة التلاعب بالعقول والمناهج المحتدمة حاليا.. وبدا لي القرار جد استراتيجي وموفق بالنظر إلى الثغرات الكبيرة التي يعرفها بناء العقل الفلسفي لدى نُخبنا، إلا أن حَمْلَة البعض هذه الأيام تجاه العلوم الإنسانية، والفلسفة بشكل خاص، وفرحتهم بضعف مستوى أبنائنا في هذا المجال، جعلتني أعيد التذكير والتأكيد بأننا في حاجة إلى دعم أكثر لفلسفتنا، خاصة وأنه لدينا فلسفة نعتز بها…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!