-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نجمة الكوميديا التونسية لطيفة القفصي لمجلة الشروق العربي

الفنان الحقيقي لا يشبع من التمثيل.. ولذلك طموحاتي لم تنته بعد

طارق معوش
  • 1057
  • 0
الفنان الحقيقي لا يشبع من التمثيل.. ولذلك طموحاتي لم تنته بعد
تصوير: إسلام بوراس

لطيفة القفصي، ابنة الجنوب التونسي، التي عرفت كيف تفتك لنفسها موقعا بين الرجال في عالم الفن، زمن السبعينيات، حين لم يكن مجال للمرأة لأن تكون سيدة نفسها، في بدايات انفتاح البلاد التونسية، وتحررها شيئا فشيئا من عقلية الارتهان لتقاليد المجتمع المحافظ آنذاك.. هذه الممثلة العتيدة، ذات نصف القرن فنا، عرفت كيف تثري حوارا جانبيا مع مجلة الشروق العربي، بتونس. ندخل في حياتها الخاصة، وفي أعمالها، بعد رحلة العمر، كما يحلو لها أن تسميها مع فنون الدراما.

الفنان الحقيقي لا يشبع من التمثيل.. ولذلك طموحاتي لم تنته بعد

الشروق: لطيفة القفصي تمكنت من كسب قلوب الملايين من المشاهدين، رغم سنك المتقدمة نوعا ما، من خلال أعمالك، كمسلسل نسيبتي لعزيزة، في الوقت الذي يمنح فيه التلفزيون الفرصة للشباب والجميلات. ما قولك؟

– بعد ابتسامة عريضة ترد… ألا ترى بأنني أجملهن وأصغرهن ثم تنفجر ضاحكة.. سيظل الجمال مهما اخترع من مواد أو وسائل تجميل جمال القلب وصفاء الروح. وأنا صادقة مع نفسي ومع عملي، أحب أن أكون دائما قريبة من الشخصية التي أمثلها، التي تبدأ مباشرة بعد قراءة السيناريو. فأضع مجموعة من الاحتمالات للحالة التي يجب أن تكون عليها الشخصية، وأبدأ بالتقمص، حالة بعد أخرى. وفي الأخير، أختار التي أحسست داخلها بأنني ذات الإنسانة التي صورها الكاتب، التي يريد المخرج أن يراها أمام الكاميرا.. ولا أخرج من الشخصية حتى وأنا خارج التصوير. لا تتغير سوى ملابسي، وأبقى على صلة معها، إلى أن نعود إلى التصوير في اليوم الثاني. وأما عن دوري في مسلسل “نسيبتي لعزيزة”، فإن نوعية الشخصية استهوتني كثيرا، لأنني وجدتها في كل حالاتها قريبة جدا من واقعنا الاجتماعي. وهي التي يمكن أن تنطبق في الكثير من الحالات أيضا على المشاكل الاجتماعية الجزائرية. وقد سعدت كثيرا بالتواصل الذي حدث بين المتفرج وشخصية “ماما جمعة”، بعد عرض العمل بكل أجزائه، الذي أصبح أهم مسلسل تونسي. وهذا، بالطبع، يعود إلى مجموعة كاملة من الفنانين، وليس إليّ فقط. وعندما تجتمع الرغبة والإرادة في تحقيق الذات، تكسر القاعدة التي تحدثت عنها.

الشروق: طموحاتك الفنية، لطيفة القفصي، بعد أن تجاوزت 75 عاماً.. طول العمر، إن شاء الله..

– الفنان الحقيقي لا يشبع من التمثيل. ولذلك، طموحاتي لم تنته بعد. فالفنان الذي يصل مرحلة الشبع، يكون قد مات فنيا، وأنا لا أريد أن أصل تلك المرحلة، ولكل مرحلة عمرية أدوارها واختياراتها.. هناك أدوار يستحيل تقديمها في هذا العمر. وفي المقابل، هناك أدوار حان الوقت لكي أقدمها.

ضحيت بعمري من أجل المسرح والفن.. وللأسف، مازلت أعيش على الأمل

الشروق: ما أهم الذكريات، التي لا تزال عالقة بذهن الفنانة لطيفة القفصي، بعد المسيرة المطولة، والحافلة بالأعمال المختلفة…؟

– في الواقع، لكل عمل ذكريات، بحلوها ومرها. ولكل هذه الذكريات قيمة في حياتي. ورغم أن هذه المسيرة كانت وردية في أغلب مراحلها، إلا أنه تعذر علي الزواج، وحرمت من الأمومة، ولكن اللحمة التي كانت تجمعنا كفنانين، خففت عني هواجس هذه النقيصة.. ومن الذكريات الأليمة أيضا، مخلفات الحادث، وآثاره على ساقي، الذي تعرضنا له سنة 1983، بعد عرض مسرحي في «بلاريجيا»، وكنت رفقة الفنان عبد القادر مقداد.

الشروق: لطيفة القفصي التي أحبها الناس كبارا وصغارا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كيف تختار أعمالها؟

– ربما يتبادر إلى البعض أن الفنان تعرض عليه الأعمال دوما، فلا يكون صاحب اختيار أو مخيرا بقدر ما هو مسيّر، فيكون في موضع المتلقّي دون أن يكون في موضع آخذ القرار.

هذا غير صحيح تقريبا، لأغلب الفنانين، فما بالك بلطيفة القفصي، المرأة التونسية الأولى، التي تخوض رحلة الفن والركح. في المسرح، وفي بداياتي مع فرقة مسرح الجنوب بقفصة، كنت المرأة الوحيدة. ولذا، كانت كل النصوص تكتب على” قياسي”، إن أردنا التوصيف. وكل الأدوار التي مثلتها، كانت عزيزة على قلبي، ولا يحق لي أن أقول عنها إلا أنها كانت رائعة. وللأسف، في الوقت الحالي، الفن أصبح وجعا لي، لما نراه اليوم من أعمال قليلا ما تكون هادفة وذات معنى.

الشروق: إذا خلّف هذا الحب الخاص للمسرح والفن “وجيعة “وأنت تعترفين بها ضمنيا، ما الذي يحز في نفسك؟

– الليعة والوجيعة، كما نقول في لهجتنا التونسية، تأتي عندما تضحي بكل شيء من أجل حبيبك، فيكون “نكّارا” للمحبة، مع أنني لا أرى نفسي أحمل هم الحب لرجل، لكن، عندما أحببت المسرح والفن ولأجله ضحيت بكل شيء، ومن ذلك، أن أكوّن أسرة، ويكون لي أطفال، أجد نفسي بعد هذه السنين الطوال، مازلت أعيش على الأمل..

الشروق: لطالما تقمصت السيدة لطيفة القفصي أدوار المرأة التونسية الأصيلة باللباس التقليدي، هل هو الاختيار الشخصي، أم اختيار المخرجين؟

– سبق أن قدمت أدوارا متنوعة، لنساء متفتحات وسيدات أعمال، ولكن، جل أدواري كانت للمرأة الريفية والمرأة البسيطة، وأحيانا المتسلطة، وفي أحايين أخرى الأصيلة والتقليدية، على غرار مسلسل “إخوة وزمان”، الذي علّم لدى المشاهد، وقدمت فيه دور المرأة البسيطة والمطيعة. أنا لا أحس بأني حوصرت في دور أو شخصية واحدة، قدمت أعمالا مختلفة وأدوارا وشخصيات متنوعة، وهذا، نابع من اختيار شخصي، لأن الممثل عليه أن يجرب كل الأدوار ولا يبقى حبيس الدور الأوحد.

لا يوجد في قاموس الفن فنان “نمبر وان” كلنا فنانون وكل فنان له طريقته الخاصة

الشروق: في رأيك، ماذا ينقص الدراما التونسية لكي تغزو الشاشات العربية؟

– هناك أزمة نصوص وأزمة أموال، لطالما كان مطلبنا أن يكون هناك إنتاج على طول السنة، وليس فقط في شهر رمضان، ولكن لا يوجد تمويل ولا يوجد استثمار في الفن، لأنه لا يحقق الربح المطلوب، وبعد الثورة، قلّت كثيرا الأعمال الدرامية.

الشروق: لديك حضور قوي في السينما التونسية، ما هو آخر أعمالك؟

– آخر أعمالي السينمائية فيلم “البستاردو”، وهو كلمة إيطالية بمعنى “اللقيط”، ذهبنا به إلى الخليج وإلى إيطاليا والمغرب، العمل من إخراج “نجيب بلقاضي” وتمثيل “الشادلي العرفاوي”، “توفيق البحري”..

الشروق: على ذكر السينما.. ما النصيحة التي تقدمها لطيفة القفصي إلى أي فنان يعتبر نفسه نمبر وان في الإيرادات؟

– أولا، لا يوجد في قاموس الفن فنان نمبر وان.. كلنا فنانون. وكل فنان له طريقته الخاصة في تقديم فنه، سواء التمثيل أم الغناء.. ونصيحتي إلى أي فنان يعتبر نفسه نمبر وان، أن يترك الناس تقيّمه، ولا يقيّم نفسه.. دائما،

أتذكر جملة لنابليون، عندما كان مدعوا إلى أحد المحافل، وجلس على أول كرسي عند الباب، فجروا إليه وقالوا: تفضل.. اجلس على المنصة، فرد قائلا: المكان الذي يجلس فيه نابليون هو المنصة.

قيمتك ليست في المكان، لكن قيمتك في داخلك، اترك الناس تقيمك.

الشروق: السينما التونسية ارتبطت كثيرا بالجرأة وبالطابوهات، هل يزعجك ذلك؟

– السينما التونسية تأخذ المواضيع الحساسة والجريئة، وتطرحها بطريقة مختلفة، فيها نوع من التحرر، فهي ليست إباحية، ولكنها ليست مقحمة أيضا، وهذا هو المهم.. المخرجون التونسيون يتناولون هذه المواضيع بكل حرية، وأنا شخصيا لا يزعجني ذلك، لأنني ممثلة، ويجب أن أقدم كل المواضيع وكل الأدوار.. هذه هي السينما في الأخير.

الشروق: في ضوء المتغيرات الحاصلة اليوم في المنطقة، ماذا يتطلب من الفنان والفن عموماً؟

– لا يستطيع الفن أن يكون شرطياً، يجبرك على تصرف أو يمنعك من تصرف. الفن يزرع فكرة، والفن أصلاً متعة للنظر والسمع.. وإذا استطاع أن يتسلل إلى العقل ويشكل متعة عقلية، فذلك أفضل، لكنه يزرع فكرة. فلا نقدر أن نقول إن الفن يستطيع تغيير شيء في المرحلة التي انطلق فيها.

الشروق: ولكن، ألا يجب أن يكون الفن مرآة عاكسة على الأقل لما يحدث اليوم خاصة بفلسطين؟

– ليس فقط مرآة، يجب أن يكون صادقاً، طبعاً.. وبالتالي، من الممكن أن نطلق عليه مرآة! لكن، يجب أن يكون أيضاً في داخله منارة للمستقبل. أما أن يكون مرآة فقط، فنحن كلنا نرى ونشاهد ما يجري. أما الفن، فمهمته أن يتقدم على مسألة المرآة، بأن يكون منارة أيضاً لما يمكن أن يكون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!