منوعات

الفنان المغربي عبد الهادي بلخياط للشروق

الشروق أونلاين
  • 5336
  • 0

كان صعود الفنان المغربي عبد الهادي بلخياط أكبر مفاجأة رحب بها الجمهور برياض الفتح، في إطار الأسبوع الثقافي المغربي، حيث حصد تجاوبا مميزا قال بعده “أنا الان مستعد للغناء على مدار أسبوع دون توقف، لأنني بقدر ثقتي في ذوق الجمهور الجزائري بقدر تخوفي من رد فعله، فكان لقائي به تاريخيا. وكان لقاؤه بالشروق كذلك، لأنه خاض في الممنوع والمرغوب في هذا الحوار المطول الذي خص الشروق بتفاصيله.
عندما حضرت إلى الجزائر عاما قبل الإستقلال أحسست بعمق القواسم المشتركة، خاصة وأن دول المغرب العربي كانت تحت وطأة الإستدمار الفرنسي لاقتصادياتها. واليوم ها هي الجزائر عروسا للثقافة العربية، وها هو إحساسي ذاته بروابط محبة لم يغيرها الزمان السياسي، لأنه رابط تاريخي لا يمكن لأي ممحاة القضاء عليه مهما تفننوا في سحرها.


لقد سعيت طوال هذا المشوار إلى المحافظة على الأغنية المغربية والقصيدة التراثية بكل جمالياتها وإيحاءاتها الموسيقية، رفقة كتاب مميزين أمثال أحمد الطيب العالج، فتح الله المغاري، علي الحساني، لأن الألوان المغاربية ثرية بموروثها وأوزانها. بصراحة أنا ضد التيار الشرقي، ولا أنكر أنني قصدت مصر سنة 1965 ومكثت بها حوالي ثلاث سنوات، لكنني حاولت الإستفادة من خبرة الملحنين دون أن أنصهر في الأغنية الشرقية، كما حصل مع السواد الأعظم من المطربين الذين انسلخوا من هويتهم المغاربية.


بالنسبة لي الأمر يتعلق قبل كل شيء بالهوية الموسيقية المغاربية، كل مجتمع له أصوله، تقاليده وثقافته، فلماذا لا نتكتل، كما يفعلون هم في المشرق أو الخليج ونسعى إلى استغلال الإعلام لنشر الأغنية المغاربية. فالمتتبع للفضائيات يلاحظ لا محالة “اللوبي المشرقي” وتسخير الإستثمار في الموسيقى والإعلام، سأظل ضد هذا التيار بدول المغرب والحمد لله إصراري على تأدية الأغنية المغاربية كان إيجابيا و”الصنارة”، “عوام الصبر” و”كيف ندير يا سيدي” لاتزال راسخة الى اليوم، ويتناقلها الجيل الجديد، فأنا الى جانب عبد الوهاب الدكالي واسماعيل احمد والمعطي بلقاسم ساهمنا في ترقية الأغنية المغربية، الى أن أضحت في فترة ما الأغنية الشرقية، لكن لم يكن لدينا سند مادي أو معنوي للمواصلة، رغم أنني تمكنت وقتها وبمجهودي الخاص ان أكون أول عربي غنى بالأولمبياد سنة 1973 قبل أن يصل اليها المشرقيون.


بالنسبة لي التفسير الوحيد لما يحدث هو الإنبهار الذي تمارسه علينا الصورة القادمة من هناك، والتي لم يستطع شباب اليوم، مقاومتها فانساقوا وراء تأثيرها دون لحن أو كلمة يعني فوضى بدون روح. ألا يمكن، برأيك، استغلال الحد الإيجابي في السيف “الفيديو كليب” في الأغنية المغاربية لمواجهة موجة القنوات الموسيقية؟ عندما كنت أقصد في وقت سابق الملاهي الليلية كنت أيضا أنبهر بالمجون والميوع واليوم يفاجئني استقبال هذه الملاهي في بيوتنا وترحيب أطفالنا بالإنحطاط الأخلاقي. للأسف لا يمكننا مواجهة هذه الموجة لأن رجال الأعمال المغاربة لازالت طموحاتهم منحصرة داخل جدران بيوت اللهو والكازينوهات. إذن من سيبيع صورة الطرب المغربي، فالفنان مجرد من إرادته أمام المادية التي أصبحت توفرها روتانا وأخواتها.


تلفزيون الواقع هو رهان لابد منه في المغرب العربي، ربما سيكون اللحاق بركب لبنان مثلا مستحيلا، فقد جاءني الى المغرب أحد الإخوة قروي وتحدثنا عن المشروع. هي خطوة جريئة، لكن الإمكانيات المالية التي انطلقت بها التجربة محدودة وعليه النجاح سيكون صعبا للغاية في ظل المنافسة الشرسة مع الدول الرائدة في هذا الميدان. يعلق المسؤولون فشل برنامج “ستار أكاديمي مغرب” على حبل الأطلال ولعبة “الإتحاد المغاربي عبر الموسيقى. وبلخياط على أي حبل يعلق هذا الفشل؟ لا يمكن أن ننكر بأن برنامج ستار أكاديمي استطاع فعلا أن يجمع الجزائريين والمغربيين والتونسيين تحت سقف واحد، وهو ما فشلت السياسة في تحقيقه في أكثر من منبر، بالنسبة للفشل ما يهم هو الخطوة الأولى لإنعاش الأغنية المغاربية وعلينا وضع استراتيجية البداية، وعلى ذكر السياسة لابد من وجود عقلاء في كل زمن لتحقيق الوفاق بين الشعوب التي كانت ولاتزال تكن لبعضها كل الحب والإحترام، وأحب أن أشير الى أن خطوة منع الإختلاط أسست لإعلام مغاربي محافظ.


أنا من جيل آمن بالأصالة والطرب الجميل ولم يعر للماديات أي اهتمام أما اليوم، فشركات الإنتاج هي التاجر الحاكم في الأغنية ومن ثمة المجتمع. ولهذا فالأغنية كالسينما والمسرح إذا ابتعدت عن هموم الناس وتقاليدهم فقدت رسالتها شكلا ومضمونا. أنا لست ضد أغنية الراي كموسيقى وريتم، لكن ككلمة نظيفة تخدم الريبارتوار الموسيقي المغاربي، لأن تسيء إليه، كما تفعل اليوم، وبالمناسبة أقول لهم “دندن بما تشاء ولكن أعطني كلمة تُصلح شعبا وأمة..


“يضحك.. هناك مثل شهير يقول “تمسك غارق بغارق” إذا كان التعاون من أجل الشهرة، فكلا الطرفين مدة صلاحيته منتهية، لأن أغنية الراي لا تعمر طويلا في سوق موسيقى الفوضى التي كثر جديدها وغاب إبداعها. نحن أدينا واجبنا بضمير وأختم في هذا المقام بالقول “الزمان كأهله وأهله كما ترى”. ما تعريف عبد الهادي بلخياط للأغنية “العالمية”؟ لم نعتمد كثيرا على الإعلام في إيصال رسائلنا الفنية؟ اليوم هناك، حمى تسابق على المنتوج الموسيقي من يبيع أكثر دون الإهتمام بالمشتري والإعلام يفرضها عليه فرضا من خلال حملة الدعاية والإشهار، أغنية الراي تسوق الكلام الفاحش لتدمير صورتنا في العالم. ثم يقولون بفضلنا وصلت أغنية الراي الى العالمية. خالد أو مامي مثلا أصبحا معروفين عالميا، لكن أين الكلمة التي تعكس هويتنا، أنا أسميها “موسيقى الهومبورغر” لا يعجبني منها الا الإيقاع الجميل.


ربما، رغم أنهم استعانوا بالتراث على غرار قصيدة “النحلة”، لكن أحيانا يكتبون الأغنية المغربية المعاصرة التي تتشابه مع أغنية الراي كثيرا.


أغنية الراب أشاع المهووسون بها أنها قدمت من أمريكا، في حين أنها لون من ألوان الموسيقى الإفريقية، هم يقولون أي كلام بدون معنى. نرجع الى أزمة النص التي أصبحت لسان حال الموسيقى في العالم العربي، أتذكر وأنا في سن السابعة بعض أغاني الراب الهادفة ولازلت أحفظها الى اليوم، لكن هل تحفظون أغاني هذا الزمن؟ لابد من إعادة النظر في المضامين والرسائل الموجهة للمجتمعات، فمن العيب الإساءة للأذواق العامة بكلمات بذيئة لا محل لها في ثقافتنا الإسلامية والعربية.


للأسف الشديد هذه الملتقيات أو “التهريجات” ينقصها الإنتقاء الواعي من الكم الفني المتواجد في الساحة وتنظيمها كعدمه، لأنها لم تصنع الفضاء المطلوب للإحتكاك وتبادل الخبرات، هو ضخ للأموال دون فائدة، حيث يغادر الفنان مباشرة بعد حفله بحجة أن موعد الطائرة حان دون أن يستمع لزميله.


الموهبة الفطرية تحتاج الى صقل واطلاع وفضول في اكتشاف الآلات والخامات الصوتية، لكن التكوين دون ولع أو موهبة لا يؤدي الا للرداءة، لأن تعلم العزف على آلة من أجل الخبز ولقمة العيش لا يبعث على التفاؤل وهو ما يجري الآن.


“البوهالي” و”شوفو لهوى ما يدير فيا” هما آخر ما سجلت وأهديهما لكل من حافظ على أذنه سليمة للإستمتاع بكل ما هو سليم

حاورته: آسيا شلابي/ تصوير علاء بويموت

مقالات ذات صلة