الرأي

  القاتل والمقتول في “التغبية”!

جمال لعلامي
  • 644
  • 3
ح.م

قطاع التربية أصبح قطاعا مريضا بتفريخ الاحتجاجات والإضرابات، التي لا تريد أن تنتهي بسبب التوتر المزمن بين الوزارة الوصية والنقابات، وللأسف، فإن هذه الفتن المستيقظة والمتجددة مرارا وتكرارا، تضع دائما التلاميذ كرهائن في المصيدة، بعدما أريد لهم كذلك، أن يلعبوا دور فئران التجارب، التي إن لم تنجح التجربة “ماتوا” والسلام!

فعلا، لقد أثبتت أغلب التجارب التي اجتاحت المدرسة و”المظلومة التربوية”، أن التلاميذ “ماتوا” والسلام، بفعل المناهج المستوردة والبرامج الدخيلة والمزاجية، وبسبب الإضرابات الأبدية، وبسبب الإيديولوجية، ومنطق كل وزير يعيّن على رأس القطاع، وبسبب غياب وتغييب لغة الحوار بين الشركاء و”المتخاصمين”، وبسبب تتفيه دور المعلم الذي كاد أن يكون رسولا!

حتى الإصلاحات التي هبّت رياحها في كلّ فصول السنة، على المدرسة الجزائرية، لم يجن منها التلاميذ والأساتذة سوى الأوراق المتناثرة والأرقام المزيفة والامتحانات الهلامية والمحافظ الثقيلة والبرامج التي حوّلت التربية إلى تغبية، وقتلت التعليم أو تكاد!

الحقيقة أن الوزراء المتعاقبين، معهم النقابات وجمعيات الأولياء، لم يفتحوا الملف مثلما يجب، ولم يتطرقوا إلى عصب المشكلة الأمّ، فاختفت الحلول وتأخرت المفاتيح، بعدما غرقوا طوال السنوات الماضية في فنجان “الحقوق الاجتماعية” والأجور والسكن الوظيفي والترقية والتكوين وصندوق الخدمات، دون التطرق بعمق إلى شكل ومضمون البرامج التي هي أساس المنظومة، إن صلحت صلحت المدرسة، وإن فسدت فسد البلد!

ألا تعتقدون أن المدرسة هي أيضا أحد أسباب “الفساد” و”الانحراف”، الذي يضرب المجتمع، أخلاقيا واجتماعيا وعائليا واقتصاديا؟.. دون شك، فإن الإجابة تكون بنعم، لمن أراد أن يضع يده على الجرح، فبالتربية والتعليم تستقيم الأمم، وتبني الشعوب وقارها وحضارتها واقتصادها ومؤسساتها، لكن للأسف، ضربوا لنا مدرستنا فأصابونا في كامل جسدنا!

المطلوب، الآن، وقبل الغد، الجلوس إلى طاولة واحدة، بين مختلف الشركاء والأطراف، لانتشال المدرسة من الأزمة، وإخراج الأساتذة والتلاميذ من الضياع، وإعادة المنظومة التربوية إلى مهمتها النبيلة وأهدافها، ولن يتحقق ولو جزء من ذلك، إلا إذا خلصت النوايا، وصدقت الرغبة والإرادة في تغيير واقع مرّ، لا يُمكنه بوضعيته الهشّة حاليا، أن يشارك في تأسيس الجزائر الجديدة!

المدرسة هي رقم فاعل وأساسي، في التغيير المنشود، ولا يُمكنها أن تكون مفعولا به أو فعلا مبنيا للمجهول أو حتى المعلوم، إذا أراد هؤلاء وأولئك، نجاح المهمة التي تبقى تشاركية، لا تقتضي تهميش أو إقصاء أو تملّص أيّ طرف، من أجل مدرسة قائمة على ديننا وهويتنا وتاريخنا وحضارتنا وإيديولوجيتنا ووطنيتنا وحدتنا الشعبية والترابية، وهذا هو المطلوب والمرغوب!

مقالات ذات صلة