-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القدم والدماغ مرة أخرى

القدم والدماغ مرة أخرى

لا أفهم إلى حد الآن، ما الجدوى الإعلامية من تنقُّل الصحافة إلى المطار لاستقبال وفود لاعبي الكرة القادمين من شتى أنحاء العالم، ليلعبوا مباراة كرة ودية، لا يغطيها نفس الصحافيين بسبب حكاية “الاحتكار” و”الحصري”؛ فاللاعب مكانه فوق الميدان أو من خلال حوار صحفي طويل، أما أن يبتسم اللاعب لهذا أو يُسلّم على ذاك، أو يردّ بذاك الأسلوب “المطاطي” الذي ترجم به اللاعب إسلام سليماني حكاية القدم والدماغ، فلا أجد له أيَّ جدوى إعلامية، حتى ولو كان هذا القادم النجم “بيلي” في خريف عمره.

بعيدا عن مناقشة ما دار بين المدرِّب جمال بلماضي والإعلاميين خلال الندوة الصحفية، وهو مسلسلٌ مملّ يتكرر في كل مرة، وما دار بين لاعب المنتخب الجزائري إسلام سليماني وأحد الصحافيين، فإن الخطأ بدأ في المبالغة في تغطية بعض الأحداث التي لا تبدو مهمة في عالم الكرة نفسها، لأن منتخب الجزائر لكرة القدم، خارج من إخفاقين كبيرين، جردّا لاعبيه من النجومية، وأحسن ما يمكن أن يقدَّم له، هو تركه يبني نفسه من جديد في صمت، إن نجح في ذلك، لأن الاهتمام بهذا الشكل المبالغ فيه، بحركة “رياض” وتنهيدة “إسماعيل” ومشية “إسلام”، قد يجعل من شرّب عشاقَ الكرة -وهم بتعداد الشعب كله- المرّ، يظن بأنه قد سقانا من ماء الكوثر.

لا مقارنة هنا ما بين اهتمام الصحافة والسلطة والناس عموما، بلاعب الكرة، أكثر من العالم الذي يُفني عمره في الجامعات والمخابر، لأن الآفة موجودة في كل بلاد العالم، إذ أمضى لاعب “البيسبول” أو الكرة الأمريكية مايك تراوت عقدا ماليا لبضع سنوات بقرابة نصف مليار دولار، بينما لا يحصل العالمان الأمريكيان ديفيد جولياس وأرديم باتابوتيان المتحصِّلان على جائزة نوبل في الطب للسنة الماضية، إلا عشرين ألف دولار شهريا مجتمعين، كما اهتم الأرجنتينيون بوفاة لاعبهم مارادونا وبانتقال ميسي من برشلونة إلى باريس إلى حدّ الهوس، ولم يشيّع إلا القليلُ منهم عالمهم الكبير في الكيمياء لويس لولوار الحاصل على جائزة نوبل في الطب عندما ودّع الحياة الدنيا، ولكن الأمر صار يحتاج إلى اتحاد الأمة لوضع كل مُناسبٍ في مكانه، وتقويم التعليم وبناء مؤسساتي، حتى لا يرى الصحافي نفسه “راكضا” في المطارات أو في الجنائز بحثا عن ابتسامة أو دمعة، ولا يرى لاعبُ الكرة نفسه نجما حقيقيا أو نيزكا لا علاقة له بالأرض، ولا يبقى الناس قضاة يحكمون على الأطباء والمهندسين والفلاحين والصحافيين كما شاءوا، خلف نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي، التي اجتمع أهلها على شجب الصحافي الذي حاول الحديث مع إسلام سليماني، وعلى شجب سليماني بعد تصرُّفه مع الصحافي، فكانت النتيجة خاطئين ومتهمين من دون رشيد ولا ضحية، وطبعا من خلفهم جيش من الخطائين بين أسوار التواصل الاجتماعي، من دون توبة ولا غفران.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!