-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القرضناش.. الأندلسي الهارب الذي غرس 30 ألف شجرة في عنابة

فاروق كداش
  • 782
  • 0
القرضناش.. الأندلسي الهارب الذي غرس 30 ألف شجرة في عنابة

الكثير من الشخصيات التاريخية التي وطئت أقدامها أرض الجزائر، لم تحظ بالشهرة والشعبية الكافيتين، رغم أنها أسهمت، ولو بقدر ضئيل، في نشر العلم والمعرفة، في العديد من المجالات، مثل الاسم الذي ستروي لكم الشروق العربي حكايته هذا الشهر… حكاية همست بها طيور السنونو، القادمة من الأندلس، إلى طيور المالك الحزين، المضاربة في البونة.

اسمه مصطفي القرضناش، موريسكي، فر من بطش الباي في تونس، خلال القرن السابع عشر، أنامله داعبت الموسيقى وجددت نوبات المالوف، وترك بصمة في الهندسة والزراعة.

القرضناش، حكاية من حكايا بين الضفتين، فقد ولد في بلده كارديناس، الواقعة في غرناطة الفاتنة، واسمه مصطفى بن عبد العزيز، واشتهر بالقرضناش نسبة إلى مكان ميلاده. هرب وأهله من تونس، واستقر في أرض العناب، فلم يبق فيها لاجئا بل أحبها وبادلته الحب، فاستغل معرفته الواسعة من مكتبات غرناطة وإشبيلية وقرطبة، ليصنع ثورة زراعية حقيقية، ويسهم في تنظيم التجارة في عنابة وأعاد هيكلة صنائعها.

وقد ذاع صيت هذا الخبير والمقاول والديبلوماسي في كل ركن من أركان البلدة، وكانت له أراض زراعية مترامية الأطراف، تمتد إلى منطقة “راس الحمراء”، التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بتاريخ الجالية الأندلسية في عنابة والجزائر عامة.

وتتناقل الذاكرة الجماعية لأهل بونة، أن مصطفى القرضناس أمر بغرس 30 ألف شجرة زيتون في المنطقة، وكان له الفضل في انتشار الأشجار المثمرة في كل أرجاء عنابة.

ويقال إن جزءا كبيرا من أشجار الزيتون التي كانت ملكا للقرضناش، حبسها وقفا لجامع سيدي أبي مروان الشريف البوني.

من تونس إلى عنابة.. الهروب نحو الجنة

ولم تتوقف مسيرة القرضناش في الجزائر فحسب، فقد كانت له قبل ذلك حياة دبلوماسية مفعمة بالأحداث في تونس،

حيث كان من أقرب المقربين إلى باي تونس، ما بين عامي 1618 و1654 ميلادي.

وقد سمي القرضناش بشيخ الأسرة الأندلسية، نسبة إلى منصبه في رئاسة الجالية الأندلسية في تونس، وعرف أيضا بالقرومبالي.. وتعود تسميته بهذا اللقب إلى مدينة قرنبالة التونسية، التي يقال إنه هو من أسسها وزينها.

وقد فر القرضناش من بلاط سلطان تونس، علي باي المرادي، بعد أن صارت حياته عرضة للخطر، بسبب المكائد التي حيكت ضده خلال فترة تواجده هناك.

مسيرته المهنية الثرية بالإنجازات، وسيرته العطرة، جعلت منه مثلا يحتذى به.. وقد يكون من القلائل الذين تنطبق عليهم قصيدة الولي الصالح، الشاعر سيدي بومدين شعيب، الذي قال في إحدى قصائده:

تَحْيَا بِكُمْ كُلُّ أَرْضٍ تَنْزِلُــونَ بِهَـــا كَأَنَّكُمْ فِي بِقَاعِ الأَرْضِ أَمْطَـــــارُ

وَتَشْتَهِي العَيْنُ فِيكُمْ مَنْظَرًا حَسَنًـا كَأَنَّكُمْ فِي عُيُونِ النَّاسِ أَزهَـــــارُ

وَنُورُكُمْ يَهْتَدِي السَّـارِي لِرُؤْيَتِـِـه كَأَنَّكُمْ فِي ظَــلاَمِ اللَّيْلِ أَقْمَــــــــارُ

رجل بألف ملكة

وقد أدخل القرضناش التجديد، حتى في طابع الغناء الأندلسي، وجدد نوبات المالوف، وتولى أيضا أمور فدية المسلمين المأسورين عند النصارى، وقنصلية فرنسا بتونس، تحتوي على 30 وثيقة متعلقة بمصطفى کردناس، منها 27 تتعلق بالفدية.. وكان يتولى التجارة مع أوروبا، كبيع السكر وبذور الكتان والشواشي.

سرايا القرضناش

تشتهر مدينة عنابة بسرايا قديمة، في غاية الجمال، يقال إنها ملك للقرضناش. وهي، رغم تعرضها للهدم من طرف العوامل الطبيعية، إلا أن واجهتها بقيت رمزا للعمارة الأندلسية ولقصة صاحبها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!