الجزائر
العدالة تنطق بالأحكام في قضية جمال بن سماعين

القصّة الكاملة.. من القتل والحرق إلى الإعدام

إلهام بوثلجي
  • 5937
  • 0

سلطت محكمة الجنايات الابتدائية الدار البيضاء بالعاصمة الخميس أقصى العقوبات في حق المتهمين المتورطين في جريمة قتل جمال بن سماعيل وصلت للإعدام، وهذا بعد أكثر من يومين على المداولات المغلقة لهيئة محكمة الجنايات بإشراك المحلفين.

وأصدرت المحكمة في السياق حكم الإعدام في حق 49 متهما في قضية القتل والتنكيل التي راح ضحيتها جمال بن سماعيل بعد إدانتهم بجنايات القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب والتحريض عليه، مع إضرام النار في حقول مزروعة أدت إلى وفاة عدة أشخاص، وإنشاء وتأسيس والانضمام لجماعة أو منظمة تستهدف ارتكاب أعمال تخريبية وجنح التعدي بالعنف على رجال القوة العمومية ونشر خطاب التمييز والكراهية.

فيما تم إصدار أحكام متفاوتة في حق عدد من المتهمين المتابعين بنشر خطاب الكراهية والمساس بوحدة الوطن وعقابهم بالسجن ما بين 5 سنوات و10 سنوات، وإدانة متهمين آخرين بجنحة التجمهر بعقوبات ما بين عامين وثلاث سنوات حبس نافذة، فيما نال 17 متهما البراءة، مع إيداع الحبس متهمين اثنين تمت إدانتهم بـ10 سنوات سجنا نافذا .

إدانة فرحات مهني غيابيا وأربعة من مساعديه بالسجن المؤبد

وفي ذات السياق، أدانت هيئة محكمة الجنايات الابتدائية دون إشراك المحلفين غيابيا، فرحات مهني رئيس حركة الماك الإرهابية، بالسجن المؤبد، لمتابعته في قضية مقتل جمال بن إسماعيل في أوت 2021 بالأربعاء ناث ايراثن بولاية تيزي وزو، ونفس الحكم لنائبه الأمين العام لذات المنظمة الإرهابية المتواجد في حالة فرار “بلعباس إبراهيم” ومتهمين آخرين منتمين لذات التنظيم، مع تأييد الأمر الدولي بالقبض الصادر ضدهم، حيث تمت إدانتهم بجناية القيام بأفعال إرهابية وتخريبية، تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان وخلق جو من انعدام الأمن من خلال الاعتداء المعنوي والجسدي على الأشخاص، وجناية تعريض حياة الأشخاص وأمنهم للخطر والمساس بممتلكاتهم، وجناية المشاركة في القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، كما تمت متابعة مهني ومساعديه بجناية المؤامرة التي يكون الغرض منها ارتكاب الجنايات، وجناية الاعتداء الذي يكون الغرض منه التخريب في منطقة أو أكثر، وجناية إنشاء وتأسيس وتنظيم وتسيير جماعة أو منظمة الغرض منها ارتكاب أفعال تخريبية، وتمت الإدانة بعدما التمس ممثل النيابة العامة في نفس الجلسة توقيع عقوبة السجن المؤبد في حق المتهمين المتواجدين في حالة فرار .

تعويض 2 مليار سنتيم لعائلة المرحوم جمال

أما في الدعوى المدنية التي تمت مباشرتها بعد النطق بجميع الأحكام في الدعوى العمومية، فقد ألزمت محكمة الجنايات جميع المتهمين المدانين في قضية قتل جمال بن سماعيل بدفع مبلغ 2 مليار سنتيم تعويضا لذوي الحقوق عائلة المرحوم، كما أقرت المحكمة بتعويض مالي قدره 300 مليون سنتيم للضحيتين كل من صاحب سيارة “كليو كومبيس” التي تعرضت للتحطيم ومرافقه اللذين كانا برفقة جمال بن سماعيل من أجل مساعدة المتضررين من الحرائق في المنطقة وتمت مطاردتهما من قبل المتهمين قبل أن يتمكنا من الفرار بمساعدة الشرطة فيما كان قدر جمال الموت بتلك الطريقة البشعة.

وأصدرت المحكمة في الدعوى المدنية حكما يقضي بدفع تعويض مالي للوكيل القضائي للخزينة العمومية بقيمة 5 ملايين دينار جزائري و10 ملايين دينار لاتصالات الجزائر بعد قبول تأسيسهم كأطراف مدنية في القضية.

ستة أيام من المحاكمة وأكثر من 66 ساعة من المداولات

وأسدلت محكمة الجنايات الابتدائية الدار البيضاء بالعاصمة الخميس، الستار على قضية مقتل جمال بن سماعيل بالنطق بالأحكام في حق 102 متهم، توبعوا بتهم ثقيلة تتعلق بجناية القتل العمدي والحرق والتعذيب والقيام بأعمال إرهابية تخريبية تستهدف أمن الوطن والممتلكات والأشخاص والمساس بالوحدة الوطنية.

وقبل النطق بالأحكام سادت حالة من الترقب في قاعة الجلسات التي تم فتحها حوالي الساعة 10.30 استعدادا لإدخال المتهمين القاعة وتلاوة قاضي الجلسة للمداولات التي استمرت من مساء الاثنين وإلى غاية الخميس صباحا.. الكل كان ينتظر في القاعة وخارجها إلى أن تم إدخال الموقوفين تباعا بعد ساعة من الانتظار ونزع الأغلال من أيديهم وسط إجراءات أمنية مشددة.

ولم يكن الجو كسائر أيام المحاكمة فقد عم الصمت وبدت وجوه المتهمين سافرة وشاحبة، إذ سيطر عليهم الخوف وملأت الحيرة الأرجاء قبل أن تدق ساعة الحسم بدخول هيئة محكمة الجنايات للقاعة على الساعة 11.59 دقيقة، ليعلم القاضي هيئة الدفاع بأن عدد الأسئلة فاق 1000 وحينها تنازل المحامون عن قراءة كل الإجابات ليكتفي القاضي بتقديم منطوق الحكم والتهم المدانين بها مباشرة، ليبدأ القاضي في المناداة على المتهمين الذين حصلوا على البراءة وبعدها المتهمين المدانين بجريمة نشر خطاب الكراهية والمساس بأمن الدولة ووحدة الوطن إذ تمت إدانتهم بعقوبة 10 سنوات سجنا نافذة، كما تم إيداع متهمين غير موقوفين السجن، فيما تمت إدانة متهمين آخرين بعقوبات مابين 5و3 سنوات حبس نافذة، ومتهمة بعقوبة عامين حبس نافذ عن تهمة التجمهر.

وتأتي هذه الأحكام بعد أكثر من يومين من المداولات المغلقة لهيئة محكمة الجنايات الابتدائية بإشراك المحلفين، بعدما رفع قاضي الجنايات الجلسة مساء الاثنين للمداولة في أكثر من 1000 سؤال تخص 102 متهم في قضية قتل جمال بن سماعيل صائفة 2021، حيث استمرت المحاكمة ستة أيام كاملة حاول خلالها المتهمون التراجع عن تصريحاتهم أثناء التحقيق، والتنصل من مسؤولية قتل الضحية جمال وادعاء أن ما حدث كان تحت وطأة الغضب والتحريض بسبب الحرائق التي عمت المنطقة وأهلكت الحرث والحيوانات وتسببت في تشريد ووفاة الجيران والأهل.

النائب العام.. مرافعة من أجل القصاص

وكان ممثل الإدعاء العام قد رافع مطولا من أجل القصاص لدم جمال بن سماعيل الذي تعرض للقتل والحرق والتعذيب والتنكيل، إذ طالب بعقوبة الإعدام في حق 72 متهما بتهم جنائية، و10 سنوات سجنا نافذة في حق 23 متهما بجنح.

وأعاد النائب العام في مرافعته التي هزت أركان قاعة الجلسات السبت الفارط سرد وقائع الجريمة النكراء التي أبكت الجزائريين شهر أوت 2021 مثلما أبكتهم مشاهد الحرائق التي اجتاحت المنطقة، مشيرا إلى أن جمال لبى نداء الواجب لمساعدة إخوانه في منطقة ” الأربعاء ناثيراثن” لكن مخطط الغدر كان ينتظره هناك منذ وطأت أقدامه المنطقة، فوجد-يقول- المتهمين الذين أرهبوه وأطلقوا إشاعة حول تورطه في الحرائق، ليلتف حوله الغاضبون ويتحول مجرى الأحداث من تقديم يد المساعدة إلى محاولة الفرار من غضب الحشود التي أبت أن تصدق توسلاته وصرخاته وهو يقول أنتم مخطئون.

المأساة انطلقت بإشاعة وتحولت إلى جريمة

وهكذا -ي ضيف النائب العام – انطلقت المأساة بمطاردة سيارة الضحية وتحطيمها وتتحول إلى ملاحقة سيارة الشرطة التي كانت تقل إسماعيل هربا من الحشود الغاضبة إلى مركز الشرطة الذي كان مسرحا لبداية جريمة القتل والتنكيل، حيث طارد المتهمون الضحية وتمكنوا من الصعود لمركبة الشرطة وتجريده من وثائقه وهاتفه وطعنه تحت هتافات وصراخ الغاضبين الذين حرضوا على قتله، ثم تولى كل واحد منهم مهمة التنكيل والتعذيب بالركل والقفز وضربه في كل أنحاء جسمه وجره حتى ساحة عبان رمضان لحرقه وتعذيبه بكل الوسائل الهمجية دون رحمة والاستمتاع بتصوير جثته وهي تحترق دون تدخل أي واحد من الحاضرين لمنع ما حدث.

تقرير الطب الشرعي.. جمال حرق حيا!

وبدوره قدم دفاع جمال بن سماعيل الأدلة التي تثبت بشاعة الجريمة المرتكبة في حق شاب تنقل للمساعدة فوجد نفسه محاطا بوحوش بشرية انهالت عليه بالسب والشتم، فيما كان يحاول أن يخبرهم الحقيقة وقال لهم: “يا خاوتي راح تندموا” ليعلق المحامي قائلا: “لكنهم لم يندموا”، إلا أنهم طعنوه وتم جره من “الفيطو” حيث تعالت الأصوات المطالبة بقتله ليجر إلى ساحة الموت ويتم حرقه حيا، وهو ما كشفه تقرير الطب الشرعي الذي أظهره الدفاع، بل وتم ذبحه بعد حرقه بـ”كيتور” كل هذا يقول المحامي والأصوات تنادي بفصل رأسه عن جسده، ليوجه كلامه لهيئة المحكمة:” العبارات لن توفي هذه الجريمة وصفها الحقيقي، حيث وقف مئات الأشخاص ضد شخص أعزل وارتكبوا جريمتهم بالصور والأدلة دون خوف ولا ضمير” وتابع مرافعته”القتلة كانوا يريدون إشعال نار الفتنة في الجزائر ولكن لم يتمكنوا من تقسيم الجزائر” وأردف :” اليوم لست فقط محامي جمال بن سماعيل إني أمثل اليوم 40 مليون جزائري لقد أحرقتم 40 مليون شخص، ونكلتم بـ 40 مليون جزائري و”شويتوا” 40 مليون نسمة”.

وقائع صادمة كشفتها جلسة المحاكمة

بالرغم من لغة الإنكار والتنصل من المسؤولية التي سادت أجواء الاستجواب، إلا أن الحقائق الصادمة التي كشفت عنها هيئة المحكمة جعلت الحضور يصابون بالذهول ويتذكرون المأساة التي جرت صائفة أوت 2021 حين اجتمعت صور ضحايا حرائق الغابات المهولة بمشاهد الجريمة البشعة ضد الشاب جمال بن سماعيل.

وكشفت المواجهات بين القاضي والمتهمين عن ما جرى في ذلك اليوم الأسود الذي حدثت فيه أبشع جريمة لم تشهدها الجزائر إلا في العشرية السوداء، إذ تورط المتهمون في التحريض والاعتداء على الشرطة والسيارة التي كانت تقل الضحية، ومنهم من قتل وسحل ونكل بالجثة، لدرجة أن أحد المتهمين أكل جزءا منها كأنه يتناول الشواء، وكل هذه الجرائم حدثت أمام كاميرا الهاتف النقال وبمشاهدة العشرات من الحاضرين الذين غابت ضمائرهم وإنسانيتهم ولم ينقذوا جمال بن سماعيل من القتلة الهمجيين.

وبينت المحاكمة أن العنصرية المقيتة كانت محركا للأحداث قبل أن تكون تحت تأثير الانتقام ممن تسببوا في الحرائق التي خلفت دمارا ويتمت وشردت العشرات في المنطقة، ما جعل الجريمة ترتكب بشكل جماعي فليس فقط من طعن وسحل وأحرق هو المسؤول عنها بل المسؤولية الأكبر لمن قام بالتحريض والغضب.

حقائق مخفية عن تورط تنظيم “الماك”

وتميز اليوم الثالث من المحاكمة في قضية قتل جمال بن سماعيل بمواجهات بين هيئة محكمة الجنايات بالدار البيضاء والمتهمين الرئسيين في القضية الذين حاولوا الإنكار تارة وتبرير تصرفاتهم بالغضب مما حصل في المنطقة من حرائق تارة أخرى، إذ كشفت جلسة المحاكمة عن حقائق خطيرة لتغول الحركة الانفصالية “ماك” بالمنطقة وعن تواجد عدد من المنخرطين فيها عند انطلاق الوقائع، إذ تبين خلال الاستجواب أن أحد المتهمين وهو من عناصر الماك هو من قام بالتبليغ عن سيارة الضحية والترويج لفكرة أنه مفتعل الحرائق، ما تسبب في تأجيج غضب المواطنين واندفاعهم لمركز الشرطة.

القاضي وعلى مدار ساعات من الاستجواب تساءل عن سبب نزع هوية وهاتف الضحية من قبل المتهم الذي صعد لمركبة الشرطة وتأزيم الوضع بدل تهدئة الغاضبين، إلا أن الرد من المتهم هو مبرر شعوره بالغضب.

هاتف الضحية.. اللغز الذي أخفاه المتهمون

وتبين أن المتهمين تعاقبوا واحدا تلو الآخر على سيارة الشرطة وصعدوا لرؤية الضحية كل هذا وسط الحشود ودون اعتراض من الحاضرين، لغز حير المحكمة خاصة أن الضحية قال للشخصين اللذين سلباه هاتفه ووثائقه أنهم مخطئون وسيندمون ، فيما حاول المتهم الذي صور فيديو الاعتراف بقتل الضحية وحرقه لأنه أضرم النيران تبرير ذلك بكونه تحت تأثير المخدرات ولم يكن واعيا بخطورة الوقائع.

وجدير بالذكر أن المتهمين يواجهون تهما ثقيلة تتعلق بجناية القيام بأفعال إرهابية وتخريبية، تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب وسط السكان وخلق جو من انعدام الأمن من خلال الاعتداء المعنوي والجسدي على الأشخاص، وجناية تعريض حياة الأشخاص وأمنهم للخطر والمساس بممتلكاتهم.

وتمت متابعتهم بجناية الاعتداء الذي يكون الغرض منه المساس بوحدة التراب الوطني، وجناية المؤامرة التي يكون الغرض منها ارتكاب الجنايات، وجناية الاعتداء الذي يكون الغرض منه التخريب في منطقة أو أكثر، وجناية إنشاء وتأسيس وتنظيم وتسيير جماعة أو منظمة الغرض منها ارتكاب أفعال تخريبية.

وتوبع المتهمون بجناية الانخراط والمشاركة في جمعيات والتنظيمات والجماعات والمنظمات التي يكون غرضها أو تقع أنشطتها، والتعذيب والتحريض عليه، جنحة التجمهر المسلح، وجنحة المساس بسلامة وحدة الوطن، جنحة التعدي بالعنف على رجال القوة العمومية أثناء مهامها، وجنحة تخريب ملك الغير، والتمييز وخطاب الكراهية، وجنحة تلقي أموال من خارج الوطن في إطار جماعة أو تنظيم قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة. والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، تنفيذا لخطة مدبرة داخل وخارج الوطن.

مقالات ذات صلة