-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" رافقت الأطباء والممرضين لمناطق الظل بمدينة بوسعادة

القوافل الطبية ترافق جهود الدولة في التغطية الصحية

روبورتاج كريمة خلاّص / صور الشروق
  • 294
  • 0
القوافل الطبية ترافق جهود الدولة في التغطية الصحية

تعرف ثقافة القوافل الطبية نحو مناطق الظل انتشارا خلال السنوات الأخيرة، بفضل مجهودات العديد من الجمعيات والشركات الصيدلانية والمؤسسات الاستشفائية، التي تحشد جهودها لدعم جهود الدولة في توفير التغطية الصحية عبر ربوع الوطن، لاسيما في القرى والمداشر المعزولة، وهو الدور الذي لطالما ركّز عليه رئيس الجمهورية في توجيهاته للارتقاء بنشاط المجتمع المدني، الذي نجح إلى حد كبير في مرافقة المواطنين محدودي الإمكانيات خاصة خلال شهر رمضان.

وتوفّر القوافل الطبية المجانية بمشاركة الأطباء والممرضين والمستلزمات الطبية والأدوية إضافة نوعية للرعاية الصحية لمواطنين لا تسمح لهم إمكانياتهم بالتنقل مسافات بعيدة للاستفادة من الفحص الطبي، حيث يستقبلها المواطنون في المناطق التي تحط بها الرحال بفرح كبير، آملين في الحصول من خلالها على متابعة دقيقة لوضعهم الصحي خاصة الفئات المعرضة للخطر.

وفي كل مرة تكشف هذه القوافل عن أمراض عديدة مزمنة ومستعصية، يجهل أصحابها إصابتهم بها، فيفاجؤون بالأمر، لتبدأ بعد ذلك رحلة العلاج.

“الشروق” رافقت القافلة الطبية التي حطّت منذ أيام بمدينة بوسعادة ودائرة بن سرور للكشف عن أمراض المسالك البولية، ووقفت على الحاجة الماسة للمواطنين لهذا التخصص الطبي بولاية المسيلة وغيره من التخصصات الأساسية، على غرار أمراض القلب والصدر وطب النساء والتوليد وغيرها من التحاليل الطبية الأخرى ذات الصلة.

ولفت محدثنا، أن المواطنين كانوا بالمئات ينتظرون وصول الأطباء الوافدين إلى مدينة بوسعادة في إطار القافلة الطبية التي نظمها مخبر “فراتر رازس”، بالتنسيق مع جمعية “إدراك للعلوم الطبية”، شباب وشيوخ وكهول، نساء ورجال وحتى أطفال يرغبون في الحصول على فحص طبي من قبل مختصين يعدون عملة نادرة في المدينة، فيضطرون إلى التنقل مسافات بعيدة نحو ولايات بسكرة أو سطيف أو برج بوعريريج، غير أنّهم يتخلون بعد ذلك عن مواصلة العلاج، نظرا لإمكانياتهم المحدودة.

طلبة في الطب والصيدلة يبدعون في خدمة المرضى

أفاد رئيس جمعية “إدراك” للعلوم الطبية زكريا بن سعدون، في تصريح لـ “الشروق”، أنّ جمعيته نظمت القافلة بالتنسيق مع السلطات المحلية والمؤسسة العمومية الاستشفائية لبن سرور والمؤسسة الاستشفائية العمومية لبوسعادة، في إطار تحسيسي تشخيصي للكشف عن أمراض المسالك البولية وسرطان البروستات، بمشاركة وتأطير أطباء مختصين في أمراض المسالك البولية قدموا للمنطقة من الجزائر العاصمة.

واستفاد المواطنون، حسب المتحدث، من فحوصات طبية متخصصة بالاستعانة بجهاز “الايكوغرافي”، وتقديم مجموعة من الأدوية للمرضى، كما تم توفير تحاليل مجانية متخصصة للكشف عن الانتفاخ الحميد للبروستات، حيث تم تسجيل أكثر من 250 مواطن في قوائم الجمعية في بن سرور والبلديات والقرى المجاورة لها، على اعتبار أن بن سرور من مناطق الظل، إضافة إلى نحو 180 مواطن في مدينة بوسعادة.

و”إدراك” جمعية تضم طلبة جامعيين في الطب والصيدلة وطب الأسنان وطلبة متخرجين، يساهمون في توفير قوافل طبية وحملات تحسيسية لفائدة سكان المنطقة، بالتنسيق مع السلطات المحلية والمخابر الطبية التي يقصدونها ويطلبون دعمها، وهي كما لا تتردد في الأمر، على حد تعبير محدثنا.

الكشف عن أمراض مستعصية وتوفير الأدوية والعلاج

وسبق للجمعية، استنادا لتصريحات بن سعدون، تنظيم نشاطات للكشف عن أمراض مختلفة مثل سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم وارتفاع الضغط الدموي والسكري ومرض “سيلياك” وأمراض العيون، مع توفير نظارات طبية وغيرها من الأدوية والمستلزمات، بالإضافة إلى أبواب مفتوحة وأيام تحسيسية ودورات تكوينية لطلبة الطب في عدة تخصصات، وغالبا ما يتم اكتشاف الحالات في وقت متأخر، لذا تحرص الجمعية على إيصال الخدمات العلاجية للمريض والتكفل به في الوقت المناسب.

وساهمت الجمعية بقوة خلال جائحة “كوفيد 19″، بضمان تحاليل طبية للحالات المشكوك فيها، حيث كانت من بين الجمعيات الست التي تم اختيارها من قبل وزارة الصحة والاتحاد الأوروبي “بنود” لتأطير جائحة كورونا.

وأضاف بن سعدون، أنّ “الهدف من هذه القوافل والحملات هو الاكتشاف المبكر والمتابعة الطبية للحالات، بحكم الاختصاص وتواجد اغلب أعضاء الجمعيات في مستشفيات عبر الوطن وفي العاصمة، نحاول توفير متابعة للمريض فيها.. ولأن المنطقة نائية ومواطنوها محدودو الإمكانيات يتم التنسيق مع مختلف الشركاء من مخابر صيدلانية أو أطباء خواص أو مراكز تصوير إشعاعي، من أجل توفير الأدوية أو المستلزمات الطبية وكذا الفحوصات والتصوير الطبي، فالمريض رغم اكتشاف إصابته إلاّ أنه لا يستطيع التكفل بما تبقى على عاتقة، لذا نحرص على توفير التكفل والمتابعة.”

ووجّه رئيس جمعية “إدراك”، نداء للسلطات الصحية من أجل توفير أطباء مختصين في المنطقة التي تعاني نقصا في بعض التخصصات، لاسيما في جراحة المسالك البولية، إذ يوجد طبيبان فقط بالولاية وهو عدد غير كاف لتغطية احتياجات المواطنين.

القوافل الطبية المجانية تدعم عمل القطاع العمومي

بدوره قال بلعربي سفيان أستاذ مساعد ورئيس وحدة بمصلحة أمراض المسالك البولية بمستشفى بني مسوس، والذي شارك في قافلة “فراتر رازس” نحو ولاية المسيلة: “نحن في القطاع العمومي نشجّع هذا النوع من القوافل، فالقطاع العمومي وحده لا يمكنه ضمان التغطية الصحية للمواطنين في كل المناطق، لذا نحتاج دوما إلى شركاء يقدّمون الدعم للمرضى وأحيانا الأدوية، رغم أن هذه الأخيرة معوّضة من قبل الضمان الاجتماعي، إلا أنّ المرضى لا يحوزون على بطاقة شفاء لأسباب لا نعرفها”.

وأوضح البروفيسور بلعربي، أنّ 80 بالمائة من المعنيين بالكشف خلال القافلة رجال، حيث كان المرض الأكثر انتشارا هو انتفاخ البروستات الحميد، مع حالات قليلة لسرطان البروستات وإصابات بحصيّات المثانة وحصيّات الكلى.

وأضاف بلعربي: “أغلب حالات سرطان البروستات كانت معروفة وخضع أصحابها للعلاج في القطاع الخاص بحكم انعدام مختصين في القطاع العمومي بالولاية، أمّا انتفاخ البروستات فأكثر من نصفهم يجهلون إصابتهم بالمرض، أما النصف المتبقي فهم مرضى تخلوا عن المتابعة، حسب شهاداتهم وهو ما يوضحه وضعهم الصحي بسبب إمكانياتهم المحدودة أو انعدام المختصين.. لكن الحمد لله أن أغلبهم في حالة غير معقدة لا تحتاج إلى تدخل جراحي، إضافة إلى حالات قليلة جدا تتعلق بنقص الخصوبة أو التشوهات الخلقية.”

انتشار مخيف لمضاعفات مرض البروستات

ويمس الانتفاخ الحميد للبروستات، حسب البروفيسور بلعربي، 50 بالمائة من الرجال الذين يتجاوز سنهم 50 عاما، وهذه النسبة ترتفع مع ارتفاع سن المريض وتعد ظاهرة فيزيولوجية تبرز من خلال بعض الأعراض وتحتاج في غالب الأحيان إلى جراحة.. أمر غير ممكن في مدينة بوسعادة ما يضطر المرضى إلى التنقل نحو بسكرة أو سطيف أو باتنة من أجل العلاج.

ونصح نفس المختص، بإجراء فحص دوري كل 3 أشهر وتناول أدوية بالنسبة للمصابين بالانتفاخ الحميد للبروستات، الذي لا يتطور أبدا إلى سرطان عكس ما يعتقده البعض.

ولفت محدثنا، إلى تزايد انتشار أمراض المسالك البولية في المدة الأخيرة، خاصة سرطان البروستات الذي يتوقع أن يصبح خلال سنوات السرطان الأوّل لدى الرجل، فهو سرطان يتطور بشكل بطيء جدا ومكلف في العلاج، لكن يمكن تجنبه في حال اكتشافه مبكرا والشفاء منه بنسبة 99 بالمائة.

العزوف عن الخدمة المدنية في مناطق الظل يرهن حياة المرضى

تفتقد العديد من المؤسسات الاستشفائية العمومية بولاية المسيلة إلى المختصين، لاسيما في أمراض القلب والأمراض الصدرية والمسالك البولية وكذا أمراض النساء والتوليد وبعض الكفاءات في مجال مختصين في التصوير الطبي والإشعاعي، وذلك بسبب رفض أغلب الأطباء المحولين إلى المنطقة العمل في إطار الخدمة المدنية.

ويؤكد بن سعدون زكرياء، أنّ الأطباء المحولين يستفسرون لدى زملائهم عن وضع المنطقة فيفاجأون ببعض المشاكل التي توجد بها وهذا ما يدفعهم للتراجع، ومن الأهداف التي تعمل عليها الجمعية “إدراك”، هو الإسهام في تحسين وتسهيل ظروف عمل الأطباء المختصين الذين يلتحقون بالمنطقة من أجل ضمان تغطية دائمة ومستمرة.

وبدوره أفاد عيساوي رضوان مدير المؤسسة العمومية الاستشفائية رزيق البشير بوسعادة، أنّ القافلة الطبية ليست الأولى من نوعها وهي إضافة نوعية، فالجمعيات الناشطة في المجال الطبي والصّحي -حسبه- هي شريك يساهم في التكفل بمرضى منطقة بوسعادة التي تضم نحو 400 ألف نسمة، وهي مبادرة تخلق نوعا من التضامن بين الجمعيات والمؤسسات مع المرضى ومرافقي المؤسسة الاستشفائية.

واعترف عيساوي بوجود نقائص في بعض الاختصاصيين، مستشهدا بالمختصة في طب النساء الوحيدة حاليا والتي ينتهي عقد الخدمة المدنية بها في شهر ماي الجاري، وبعدها ستكون المؤسسة بدون مختصة، بسبب عدم التحاق 5 أطباء محوّلين للمؤسسة في إطار الخدمة المدنية إلى غاية الآن، إذ كان يفترض أن يبدأوا العمل في شهر مارس الفارط.

وأضاف أن أغلبية الأطباء الذين يعملون في المنطقة في إطار الخدمة العمومية يغادرون المنطقة رغم وجود خيارات، إمّا الاستمرار أو التحويل أو الاستقالة وأغلبيتهم يقدّمون الاستقالة ويستقرون في عياداتهم الخاصة خاصة طب النساء، وهو مشكل مطروح في عديد الولايات وليس المسيلة فقط.

وتحدث نفس المسؤول، عن نقص في مختصي جراحة الأعصاب، إذ تتوفر بوسعادة على طبيبين فقط، وهو عدد لا يغطي حاجيات المنطقة التي تشهد حوادث مرور كثيرة باعتبارها بوابة الصحراء ونقطة عبور.

واستشهد محدثنا في هذا السياق بإجراء 550 عملية جراحية في مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية خلال الثلاثي الأول من عام 2023 وهو رقم عال جدا.

مواطنون ومرضى بصوت واحد.. نريد تكفلا طبيا دائما

أعرب المواطنون والمرضى الذين تحدثنا إليهم في بن سرور وكذا في مدينة بوسعادة، عن رغبتهم في الحصول على علاج وتكفل دائم وليس مناسباتيا، حيث قال أحدهم: “نحن نفتقد للعديد من الاختصاصات ونتنقل لمسافات طويلة للحصول على الفحص الطبي.. نشكر منظمي القافلة، لكننا نريد تكفلا دائما ومختصا”.

وأفاد آخر، أن إمكاناته المادية لا تسمح له بالتنقل في كل مرة نحو ولاية سطيف، التي أجرى بها عملية البروستات في أول مرة وهو ما جعله يتخلى عن العلاج، ليتفاجأ أثناء فحص القافلة بتطور وضعه الصحي نحو الأسوأ وهو ما قد يحتاج تدخلا جراحيا مجددا، مناشدا السلطات لتوفير مختص في المسالك البولية في القطاع العمومي للتكفل بحالاتهم الصحية.

وعبر مرضى آخرون، في حديثهم لـ”الشروق”، عن عميق سعادتهم بهذا النوع من القوافل التي توفر عليهم التنقل والمال، حيث سمعوا عنها وسجلوا بها، وهي فسحة أمل بالنسبة لهم تعينهم على مجابهة المرض في ظل ظروفهم المادية المحدودة التي تكفي بالكاد لتغطية احتياجات أسرهم، ما يرهن صحتهم ويجعلها في آخر الأولويات.

أطباء يكتشفون حالات مرضية متقدمة

وأثنى الدكتور بن ضياف محمد مراد، مختص في المسالك البولية بعين بسام بولاية البويرة، على الدور الهام للقافلة التي أدّت مهمتها بنجاح وسمحت باكتشاف العديد من الحالات المرضية والوقوف على النقص المسجل في مجال الاختصاصيين، والذي أرجعه في الأصل إلى نقص حاد في المختصين في المسالك البولية على المستوى الوطني، وهذا ما يبرر تفضيل المختصين على قلتهم الاستقرار في المدن الكبرى في وجود بقية التخصصات المرافقة للكشف والمتابعة مثل السكانير والتحاليل وطب القلب، داعيا إلى “إنشاء  قطب للأطباء المختصين الذين نحتاجهم في التشخيص والعلاج”.

وأضاف الدكتور بن ضياف، أن “هنالك ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بأمراض المسالك البولية والبروستات وهذا بفضل الكشف المبكر، وهذا النوع من القوافل التي ترفع معدلات الكشف المبكر، فالمواطنون أصبحوا يفحصون أكثر من السابق ويقبلون على القوافل المجانية في كل مرة”.

“فراتر رازس” يعد بسلسلة من القوافل في الأشهر المقبلة

ووعد مخبر “فراتر رازس”، بإطلاق سلسلة من القوافل الطبية المجانية التي ستجوب مختلف مناطق الظل بولايات الشمال والجنوب خلال الأشهر المقبلة، حيث أفادت الدكتورة بن قارة مصطفى أميرة مديرة التسويق والبيع بمخبر “فراتر رازس”، في تصريح لـ”الشروق”،  أن المبادرة تندرج ضمن  القيم الأساسية للشركة في مرافقة المرضى في الجزائر وستتبع بمبادرات مماثلة عبر مختلف ولايات الوطن تشمل مناطق معزولة، حيث تحرص على توفير كامل الدعم للمريض الجزائري ومرافقة جهود السلطات الصحية في ضمان التغطية الصحية للمواطنين، مع توفير أدوية للتكفل بالمرض وعلاجه وتحاليل طبية وأشعة.

وسبق للشركة تنظيم العديد من القوافل في تخصصات طبية متنوعة، بالتنسيق مع أطباء وجمعيات محلية تنشط في المجال الصحي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!