-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الكمّ الذي أنسانا النوع

الكمّ الذي أنسانا النوع
أرشيف

الملاحظة التي سجلها الوزير الأول، عبد العزيز جراد، خلال زيارته إلى ولاية المدية، عندما قال إنه “لا يمكن للجزائر أن تبني مستشفى متخصصا ومطارا دوليا في كل ولاية”، نتمنى أن تصل إلى غالبية الولاة الذين نسوا العديد من المناطق الحساسة في ولاياتهم، وراحوا يبحثون عن المناطق المسماة بـ”الظل” لأجل وضع مشاريع، بعضها لا يليق بمثل هذه المناطق، لتتكرر الأخطاء القديمة والحديثة التي شوّهت مدننا وقرانا أيضا.

حديث الأرقام السائد لدى المسؤولين، هو الذي عرقل الجزائر في مسارها؛ فقد راهن هواري بومدين على ألف قرية اشتراكية من دون زيادة ولا نقصان، وكان الرئيس السابق بوتفليقة يتبختر في كل عهدة رئاسية بأرقام مليونية من دون أدنى دراسة، فكان يطلق مليونا ونصف مليون سكن ومليونا ونصف مليون منصب عمل.. فلا الأرقام تحققت ولا ما كان مطلوبا منها، وحتى عندما ابتكر الرئيس السابق ما سُمي بـ”محلات الرئيس”، وأطلق في كل بلدية مئة محل تجاري، تساوت بلدية العاصمة بمليون نسمة، مع أصغر بلدية في قلب الصحراء حيث لا يزيد عدد سكانها عن بضعة آلاف، ونخشى أن تبقى الأرقام هي وحدها ما يصنع المشهد الاقتصادي والعلمي والاجتماعي في الجزائر.

نتأسف ونحن نتابع بعض مشاريع مناطق الظل، ونرى الكثير منها يراوح الارتجالية بتعبيدٍ للطرقات وإدخال للغاز الطبيعي، ولا نرى أبدا مشاهد تنموية عميقة، تُخرج فعلا هذه المناطق إلى الضوء من خلال تنمية كبيرة للمناطق الفلاحية والرعوية والصحراوية، وتحويل هذا الجحيم إلى جنة حقيقية، لا أن تُلحَق مناطق الظل بالفوضى التي تعيشها كبريات مدننا من دون استثناء.

لقد افتخر الراحل هواري بومدين دائما بصفر البطالة في الجزائر، ومع مرور السنوات اتضح بأن الصفر كان مجرد فقاعة، لأن العدد أنسانا في النوع، فانهارت كل المصانع التي بناها وملأها بالشباب البطّال، وجفت الأرض التي ملأها بفلاحي القرى الاشتراكية، كما اتضح فشل كل برامج تشغيل الشباب التي كانت تبحث عن الأرقام من دون النوعية، مع كل الحكومات التي تولّت قيادة البلاد.

تمتلك الجزائر حاليا قرابة سبعين جامعة وقرابة مليوني طالب جامعي، وهو رقم كبير لم تصله دولٌ أوربية عديدة مثل بلجيكا وسويسرا والدانمارك واليونان… ومع ذلك تحتل مؤخرة الترتيب في أداء جامعاتها، فكل الولايات تطالب بمعاهد للبترول والطب والصيدلة والهندسة، وللأسف تجد الاستجابة من وزارة التعليم العالي، وتمتلك الجزائر حاليا العشرات من المطارات المسماة بـ”الدولية”، وهي لا تعمل سوى مرة في الأسبوع برحلة تطير إلى باريس أو ليون أو مرسيليا، في عملية حرق حقيقية لقدرات البلاد المالية.

الجزائر الجديدة هي التي تصحِّح الأخطاء القديمة، فقد ورّثت السلطة للشعب أخطاءها فصار ابن الريف يرى التطور والحرية في غاز طبيعي وعمل في الإدارة ودار للشباب، فما تحولت منطقته المظلمة إلى مدينة مضيئة، ولا بقيت كما كانت قرية بريئة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    حين تصبح الديماغوجية وسيلة للحكم ولا تعتمد العدالة بين المواطنين ومختلف الجهات والمناطق التي تطغى عليها المحسوبية بوجود إدارة جاهلة عاجزة عن القيام بواجباتها بل تمتنع عن ترسيم المخططات الوطنية الضرورية التي تضمن تطوير الوطن بأكمله بكل موضوعية واستحقاق في جميع المجالات أوتتصدى للمغرضين الفاسدين.أما عندنا فالكلمة للمهرجين والطغاة والمفسدين والعنصريين الذين يكتسحون الساحات تاركين وظائفهم لفرض آرائهم على مسؤولين لا يتحكمون في ميدانهم إلا لتلبية أوامر أسيادهم حتى ضد مصلحة المجتمع.لذلك ترى كل وزير يخضع للأهواء ولا يلتفت إلى تطوير قطاعه عبر الوطن.كلمة الديمقراطية عندنا مجرد شعار أجوف لا يعني شيئا.