جواهر
وجهات نظر

” الكوزينة “أكبر من صراع العميان

أماني أريس
  • 2591
  • 38
ح.م

ليس من العدل أبدا أن نصنف الطّبخ في خانة الوسائل التي تشبع حاجتنا البيولوجية والمتمثلة في الجوع، وليس من العقل أن نضعه محل مقارنة لئيمة ودونية بينه وبين بقية المجالات، فالطبخ وإن كان سبب اختراعه الأول هو تحسين نكهة وطعم ما يقتات عليه الإنسان، فإنّ سبب تطوره إلى أن أصبح علما وفنّا مستقلا بذاته هو الروح التواقة للجمال، ولعل المتأمل في تفاصيل سماطه سيفهم البعد الروحي الجمالي للطبخ بما فيه الأكل..في تلك الأواني والأطباق المشكلة والمزخرفة على اختلاف خاماتها، وفي ترتيبها وتنسيقها، وأخيرا فيما تحمله من طعام وشراب يحاكي الطبيعة في مزاجيات عناصرها الأربعة، وفي ألوان وشذى مروجها وبساتينها المتضوعة.

وليس ذلك فحسب لو انتقلنا إلى مسقط رأس هذا “الفنّ” وتطفّلنا على صاحبه؛ سنشهد ركحا تجتمع فيه الفنون السبعة بالتشكيل والصوت والحركة، ومن منّا لا ينتشي برائحة الطعام الشهي، ولا يستطيب بصوت القدر في ملحمة الطهي، ثمّ لا تعتقدون أنني أفصل بين المُنْجَز والمُنْجِز لأنني أرى من أودعه الله هوى الطبخ يتماهى كليا معه، ويعطيه من روحه قبل أن يعطيه من مهاراته، وللأمانة لست أمّ الفكرة، فقد سبقني أهل الخبرة بالقول ” الطّبخ يْدِينْ ”

واسمحوا لي أن أتولى الدفاع عن الطّبخ وأنطق رسميا باسمه كونه عملا مقدّسا لا يفي بالحاجة البيولوجية فحسب؛ بل يحقق اللذة المشروعة للإنسان والتي تضخّ فيه طاقة ايجابية تزيده قوة ونشاطا. مثلما يقول الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف : “نحن لا نعيش لنأكل بل لنعرف ما هو إحساس تناول الطعام.” فيما يقول الحكيم زوربا اليوناني بطل رواية كازنتازاكيس إن الطعام يحول البعض إلى آلهة والقصد أنه يرتقي بهم إلى أسمى درجات النشاط والإبداع.

ولست أبالغ إن قلت أن أحقر عبارة سمعتها مؤخرا هي عبارة ” بلاصتك في الكوزينة ” والأحقر منها ردّ طائش يتعالى عن الكوزينة! ولو كان أصحابها يدركون قيمة الكوزينة لما استعملاها موضوع صراع قديم متجدد بابتذال وإسفاف.

وكردّ عمن يتحيّنون الفرص للتعبير عن عقد النقص والتفوق والتسلط، وتضيق صدورهم من وجود المرأة في مواضيع السياسة وكرة القدم والفضاء، أقول لهم إنني لا أومن بالتخصص بقدر ما أومن بالتكامل وكيفما تحققت هذه الغاية فثمّة الحقّ، وعبثا نجاريكم في محاولة سحب الزمن من تلابيبه وإعادته إلى عصور لا تفقه فيها المرأة غير شؤونها المنزلية مع كل احترامي واعتزازي بالشؤون المنزلية.

مقالات ذات صلة