الرأي

المؤسسات البحثية العالمية تحكم سلبا على عهدات الرئيس

محمد سليم قلالة
  • 5812
  • 20

التقييم هو جزء من صناعة الرؤية المستقبلية للبلد، ولكي يكون كذلك ينبغي أن يتم بموضوعية ومن غير انحياز، خاصة ونحن اليوم نعيش في عالم مفتوح لم تعد فيه أدوات التقييم حكرا على أحد، ولم تعد هناك قدرة لأي بلد أن يزعم أنه متقدم وهو غير ذلك، أو يقال عنه متخلف وهو غير ذلك. زمن التعتيم من خلال الإيديولوجيا أو عبر وسائل الإعلام المغلقة والموجهة يبدو أنه ولّى وإلى غير رجعة، وقد أصبح بإمكاننا اليوم أن نتبع آخر مؤشرات التطور في العالم من غير رقيب، بل نستطيع أن نقارن بينها ونخرج بالنتائج الموضوعية التي لا يمكن أن يرقى إليها أدنى شك.

كما لا يمكننا أن نكذّب ترتيب الدول من حيث الإنتاج الصناعي أو العلمي أو مساهمتها في التجارة العالمية أو حتى وضعية فريقها لكرة القدم، لا يمكننا أن نكذِّب أيضا تقييم مراكز بحث وجامعات لواقع التنمية أو التطور أو الإنتاج العلمي في أي بلد من البلدان. ولعل هذا ما يجعلني أتوقف بمرارة أمام بعض ممن يغالطون اليوم الرأي العام عن جهل أكيد، بالحديث عن الإنجازات المبهرة التي تستحق الشكر والثناء من غير تواضع ولا حتى اعتراف بأن ما تم لحد الآن هو دون المستوى بكثير، دون مستوى الجودة والتكلفة وحتى تطلعاتنا لبناء بلدنا بطريق أحسن.

العالم اليوم لا يُصنّفنا من خلال تصريحات أشباه مناضلين يعتقدون أنهم يحسنون صنعا ببلدهم وهم يمجّدون في عهدة رئيس أو مرحلة سابقة فقط لكي تستمر، إنما من خلال أدوات قياس مطبقة على الجميع وقابلة للحساب والتدقيق والاختبار. وأنا أحيل في هذا المجال إلى أكثر من مؤسسة بحثية في العالم ترصد مؤشرات التطور لكافة البلدان وفي كافة المجالات لعلنا نستفيد من رأيها أو نخرج ببعض الخلاصات للنظر إلى المستقبل.

من بين المؤسسات البحثية الأكثر مصداقية في هذا المجال: مركز البحوث الدورية بسويسرا والمعروف بـKOF  يستند على 24 متغيرا يعطيها قيما من 0 إلى 100 لحساب مكانة دولة معينة ضمن العولمة. ولديه تقييما لـ181 دولة منذ سنة 1970 إلى اليوم. وتشمل المتغيرات التي يعتمدها كافة جوانب التطور (الاقتصادي، المالي، العمالة، الانتاج العلمي، الاندماج السياسي… الخ) لأجل معرفة ثلاثة توجهات رئيسة تتعلق بمواكبة العولمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وتوجد مؤسسة أخرى ذات مصداقية في هذا المجال ولو بعدد أقل من المؤشرات وهي مؤسسة كيرني الأمريكية A.T Kearny التي وضعت مقاييس لتقييم مكانة الدولة ضمن العالم سنة 2000  مع تحيين لها سنويا إلى غاية 2007، وتعتمد هذه المؤسسة على 4 متغيرات رئيسة للقياس: الاندماج الاقتصادي، الاندماج الاجتماعي، التشبيك التكنولوجي، الالتزام السياسي. مع العلم أنه يتفرع عن كل متغير أساسي من هذه المتغيرات عدد كبير من المتغيرات الفرعية يزيد عن العشرة في بعض الأحيان.

كما توجد مؤسسة هيريتاج الأمريكية Heritage Foundation المعروفة بأنها أكبر مخبر أفكار أمريكي منذ سنة 1973 إلى جانب مؤسسة راند وفورد وغيرها، تقدم هي الأخرى تقريرا سنويا عن الحرية الاقتصادية في العالم مستخدمة 10 متغيرات هي: حقوق الملكية، التحرر من الفساد (سيادة القانون)، الإنفاق الحكومي، حرية الأعمال (كفاءة الحكومة)، الحرية النقدية، حرية التجارة، حرية الاستثمار، الحرية المالية (الكفاءة التنظيمية)..

بالإضافة إلى عشرات المؤسسات البحثية المعترف بمؤشراتها عالميا والمتخصصة أحيانا في قطاع معين كالبحث العلمي أو الصحة أو التعليم التي لا يمكنها أن تُجمع على خطأ أو ندّعي أنها جميعها تقوم بأعمالها لأغراض أخرى، باعتبارنا لسنا أهم من دول كبرى في العالم ذات تأثير كبير تعترف بهذه المؤشرات وتبني عليها مراجعة سياستها في مختلف المجالات كالصين والمانيا واليابان، وغيرها.

فما هي الخلاصة التي خرجت بها هذه المؤسسات البحثية بالنسبة للجزائر؟

بكل أسف، في كل مرة ننظر لبلدنا في مرايا هذه المؤسسات ونقارنها بمن كانوا دوننا مكانة إقليمية، نتأكد بأننا لا نسلك الطريق الصحيح نحو التقدم، بل أننا نجانب السير عبر الطريق السليم في أكثر من محطة.

لنأخذ على سبيل المثال موقعنا بالنسبة لمجموع مؤشرات مؤسسة هيريتاج الأمريكية، ماذا نلاحظ؟

نلاحظ من خلال البيان الإجمالي المرسوم في تقرير المؤسسة أن نتيجة مجموع المؤشرات العشر السابقة تعطينا منحنى تنازليا نحو الأسفل ما بين سنة 2010 و2014 من 56٪  إلى 50.8٪، وهي نسبة دون المعدل العالمي الذي هو 60.3٪ ودون المعدل الإقليمي الذي هو 61.5٪. بمعنى أننا لم نتمكن خلال الأربع سنوات السابقة (العهدة الثالثة) من مواكبة لا التطور العالمي ولا التطور الإقليمي.

وتفصيلا لهذا، تبين المؤسسة أن كل التطور الحاصل في المؤشرات هو دون المتوسط العالمي، فهو 28.7٪ بالنسبة للتحرر من الرشوة والفساد (المعدل العالمي 40٪)، حقوق الملكية 30٪ (المعدل العالمي 42٪)، الإنفاق الحكومي 51٪ (المعدل العالمي 62٪)، حرية العمل 48٪ (المعدل العالمي 60٪)… الخ، كل المؤشرات هي دون المتوسط العالمي ماعدا مؤشر (حرية الأعمال 66٪) الذي يتعدى بقليل (المعدل العالمي 65٪)، وذلك مفهوم لارتباطه بمصالح فئة معينة تستأثر بالثروة وتحتكرها فيما يعرف بالأعمال الحرة… بمعنى أننا مافتئنا نتقهقر في الترتيب العالمي في الأربع سنوات الأخيرة. بل أكثر من ذلك، تبين تقارير المؤسسة أننا منذ سنة 1995 ونحن نتقهقر إلى الوراء في أغلب المؤشرات وبخاصة (التحرر من الرشوة) التي بلغ التقهقر بها ـ.21.3٪ والإنفاق الحكومي ـ 18.5٪ والحرية المالية ـ21.3٪، وكذلك الأمر بالنسبة لحقوق الملكية ـ 18.5٪ ـ الأرقام بالسلب ـ. ولم نسجل سوى ارتفاع واحد محسوس في مجال الحرية الضريبية +31.7٪، والحرية النقدية +8.6٪ والحرية في مجال التجارة +06.6٪، وهي مؤشرات لها علاقة باستفادة فئة أصحاب المال والاستيراد المتعدد المجالات من البحبوحة المالية.

ونتيجة هذه الوضعية التي دامت أكثر من 20 سنة، وتعمقت في السنوات الأخيرة، فلن نفاجأ عندما نجد أنفسنا قد تقهقرنا خلف عدد من البلدان الإفريقية، والآسيوية كان يفترض أننا نتفوق عليها بالنظر لما نملك من إمكانات وقدرات ورصيد مالي.

يؤسفني أن أذكرها لكم في الأسبوع المقبل مع الإشارة إلى تقييم المؤسسات الأخرى لنعرف كم هي الفرص التي أضعنا لأجل إقلاع حقيقي لبلادنا.. وينبغي ألا نكرر ذلك.

مقالات ذات صلة