جواهر
لأنها كانت تدرّس القرآن واللغة العربية

المجاهدة سيداتي آسيا.. جلادها الفرنسي تعمد سحلها والأديبة جبّار اتخذت اسمها!

بلال بلغدوش
  • 2810
  • 12
ح.م

في لقائنا بالمجاهدة آسيا بن مقدم أو كما يحلو لسكان مدينة شرشال في ولاية تيبازة أن ينادونها “سيداتي آسيا” كونها كانت معلمة بالكتاتيب القرآنية التي أسستها جمعية العلماء المسلمين، ربت أجيال كثيرة منذ ولوجها عالم التعليم سنة 1951 إلى أن تقاعدت سنة 1994، شد انتباهنا المزج المقدس بين رسالة التعليم بالواجب الوطني الثوري، إذ تعد أحد العناصر النشيطة في شبكة الشهيدة لالة يمينة، كما تعد من الصديقات الحميمات للأديبة آسيا جبار لدرجة أنها اختارت أسمها لشهرتها الأدبية العالمية.

آسيا بن مقدم مجاهدة من مواليد 17مارس سنة 1935 بمدينة شرشال وهي أم لخمسة أبناء منهم بنتين تقفوا أثار أمهم في التعليم وهما أمال أستاذة في مادة التاريخ والجغرافيا ووفاء أستاذة في اللغة الإنجليزية، كما لم تخفي أنها كانت صديقة حميمة للأديبة العالمية آسيا جبار منذ كن في صفوف الكشافة الإسلامية وكونها كانت جارتها بعين القصيبة لدرجة أنها أتخذت اسمها “آسيا” كاسم لشهرتها الأدبية لأن اسمها الحقيقي هو فاطمة الزهراء إملحاين، وتضيف إلى أن الكاتب والسفير والوزير الأسبق للشباب والرياضة بوشامة كمال درس عندها سنة 1956 وتعلم أولى خطوط الحروف العربية وحفظ الآيات القرآنية، شأنه شأن الروائية والكاتبة الصحفية نورة صاري التي درست عندها هي الأخرى ككل الإطارات التي سكنت بيوت شرشال العتيقة.

وفي حوار مع “الشروق” حطتنا المجاهدة والمعلمة وسط أجواء وظروف تاريخية من خلال سيناريو شهاداتها عن نضالها الممزوج بالتعليم والواجب الثوري منوهة بجيلها الذي أدى الرسالة التعليمية بالمخاطرة وتقديم النفس والنفيس لإنجاح الثورة الجزائرية من أجل مستقبل أفضل وكيف كان التعليم القلعة الأولى لضمان استمرار المقاومة من أجل كسر قيود الاستعمار، مشيرة إلى أنه كان صراعا بين المدارس القرآنية الباديسية والمدارس الرسمية الفرنسية التي كانت تحارب وتعارض تواجدها، فيما كانت المدارس القرآنية من جهتها تحافظ على الهوية الوطنية الإسلامية بكل مقوماتها.

وتبين الكنية التي أكتسبتها المجاهدة آسيا بن مقدم والمتمثلة في “سيداتي آسيا” الأثر والبصمات الإيجابية التي تركتها في الوسط الشرشالي، هذه المربية التي كانت معلمة بالمدرسة القرآنية “الراشدية” المتواجدة بالحي الشعبي عين القصيبة وسط المدينة منذ سنة 1951 والتي أسستها جمعية العلماء المسلمين وكان المسئول عن المدرسة بالمدينة أنذاك “علي شنتير”، كما أشارت في حوارها معنا أنها تأثرت منذ صغرها بالنضال من اجل الوطن وأرجعت ذلك إلى بداية إدراكها للوضع العام قبل الثورة وكيف بدأت تتشبع بالروح النضالية الوطنية وقالت أن من حسن حظها أنها ابنة عم الشهيد “محمد دزيري” المعروف بجنونه على الوطن إلى أن كني “بالدزيري” في شرشال وخالها عبد الله حمداني اللذان يعتبران من الشهداء المباشرين لنضالهم منذ أحداث أول ماي سنة 1945 التي جرت بشرشال من أجل المطالبة بالإستقلال، وخلال الثورة النوفمبرية ناضلت المعلمة كامرأة في العمل الثوري رفقة أبنتي عمها زهية وزبيدة بن مقدم وتعاهدوا على الجهاد حتى النصر أو الاستشهاد، خضن عملهن بلباس “الحايك بالتنقيبة” كما يعرف محليا وكان هذا اللباس التقليدي يساعدهن على إخفاء الهوية الحقيقية الخاصة بهن ما سهل عليهن التنقل بسهولة.

وفي ذات اليساق تقول المجاهدة المعلمة أنها اتخذت المدرسة مكان لتبادل البرقيات والرسائل الخاصة بالثورة فيما بعد من خلال تلقي سيداتي أسيا لتلك الوثائق من أصوار بيوت العائلات الثورية أمثال لالة يمينة عوداي التي كان يفصل بين منزلها والمدرسة حائط فقط، بينما أكدت “سيداتي” أنها من بين اللائي فكرن بمبادرة تخصيص صندوق التضامن أثناء الثورة بمدينة شرشال لجمع الأموال وكل ما يلزم للمجاهدين المرابطين بالجبال، وفي سنة 1957 تم القبض عليها من طرف السلطات العسكرية الفرنسية وقامت بتعذيبها على مستوى سجن بوزريعة بالعاصمة 15يوما بنهارها ولياليها، تقول “أنا وأختي فتيحة عذبنا ورأينا أبشع الإهانات وأنا لم أتجاوز 22سنة من عمري سيما وأن السلطات العسكرية الفرنسية التي اعتقلتنا تدرك أنني معلمة للغة العربية والقرآن الكريم وحتى يتمكنون من أن يسقطوا احترامي ويحبطون من عزمي ويدمرون معنوياتي قاموا في البداية بتجريدي من ملابسي وسحلي”، وأردفت تسرد بأنها لن تنسى جلادها الذي يكنى “باراسكنديلو” وهو أخطر وأعنف عنصر من وحدات القوات الخاصة للعسكر الفرنسي والذي عذبها من دون رحمة، وعقبت بالدارجة “حلفت كلمة ما تسمعها فرنسا” والحمد لله ربي وفقني لمقاومة التعذيب.

وفي اليوم 15 من يوم الاعتقال تؤكد البطلة أنها لن تنسى اليوم الأخير في غرفة التعذيب عندما أتى عندها الجلاد وقال لها “استعدي لحفر قبرك بيديك”، حينها تعرضت لاضطراب نفسي وشرعت في الصراخ حتى سمعها كل السجناء وبدؤوا بالنشيد أنشودة “من جبالنا”، حتى جاء عندها أحد حراس السجن وهو يهودي الديانة وقال لها “أسكتي يا ابنتي غدا سيتم إطلاق سراحك” وهذا لتهدئة الأوضاع بالسجن الذي زلزل بالأناشيد تضامنا معها سيما وأن السجناء سمعوا صراخ وأنات من صوت امرأة تخضع للتعذيب.

وبعد إفتكاك الإستقلال وطرد المستدمر الفرنسي واصلت سيداتي آسيا رسالتها في جهادها الأكبر إلى غاية سنة 1994 أين تقاعدت عن العمل كأستاذة بمتوسطة المسماة على مسئولتها في العمل الثوري الشهيدة يمينة عوداي.

مقالات ذات صلة