الرأي

المحرقة التي لا نار فيها ولا نور

تقول آخر دراسة، إن الفرد الياباني يقرأ أربعين كتابا في السنة، ويقرأ الفرد الأوروبي عشرة كتب في السنة، ولا يقرأ الفرد العربي سوى عشر صفحات من كتاب واحد في السنة، وطبعا سنكون متفائلين جدا، عندما نضع الجزائري ضمن أمة اقرأ التي لا تقرأ إلا عشر صفحات، في عالم صار فيه القارئون هم المتحكمين في زمام الأمور، والذين لا يقرؤون لا عمل لهم سوى حرق ما بقي من كراسات.

لسنا في حاجة، لأن يُقدّم لنا أدلة على أن الشاعر السوري الكبير أدونيس بعيد عن الإسلام، وهو نفسه اعترف بذلك دائما، واستهزأ بالحجاب، والرجل الذي حلم دائما بنيل جائزة نوبل في الآداب، وصارت الآن أبعد ما تكون عنه، بعد أن اختار البقاء في صف بشار الأسد، لا تلقى كتبه أي شهرة في الجزائر، ليس بسبب مذهبه الدرزي ورؤيته الإلحادية للأمور، وإنما لأن الجزائريين لا يقرؤون لا الشعر ولا غيره، ولا تهمهم دواوين عنترة بن شداد والبحتري وحافظ إبراهيم ومفدي زكريا، فما بالك بالشاعر أدونيس، ومع ذلك قدّم له عبد الفتاح حمداش رئيس جبهة الصحوة السلفية في الجزائر، إشهارا أعاده إلى الساحة، وقد يستغله في معاودة بعث أمنيته في الحصول على جائزة نوبل في الآداب التي كان في عام 2011 قريبا جدا من الحصول عليها، عندما طالب حمداش بحرق رسائل ودواوين الشاعر السوري بحجة أنه سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين في قصيدة قرأها حمداش عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أصلا ليست من تحرير الشاعر. وإذا كان حمداش الذي عجز عن الحصول على اعتماد حزبه السلفي، قد وجد وقتا لقراءة قصيدة طائرة في الفضاء العنكبوتي، وإصدار حكم الحرق، فإنه لو تصفح كل الكتب الموجودة في المكتبات العربية وفي مدارسنا، فسيحرقها جميعا، بدءا بديوان المتنبي الذي قال: وما مقامي بمصر إلا كمقام المسيح بين اليهود، حيث اتهم بادعاء النبوة وسمي بالمتنبي، وديوان معروف الرصافي الذي تشهى في إحدى قصائده بالغلمان، وديوان أحمد شوقي الذي يقطر بالخمريات، وكتب طه حسين الذي شكك في وجود الأنبياء واعتبرهم صورا لأشخاص من الخيال فقط، في كتابه الأدب الجاهلي، وجبران خليل جبران وروايات أحلام مستغانمي العابرة للأسرّة، وستنتقل المحرقة إلى الكتب العلمية لأن غالبية النظريات الفيزيائية والرياضية والتجارب الكيميائية والعلمية من يهود وملحدين، من مندل إلى بافلوف إلى إنشتاين، ولأن العالم الغربي أنتج ملايين الكتب خلال قرون، فإننا مجبرون على أن نفني أعمارنا في حرق هاته الكتب إذا سرنا على نهج الأستاذ عبد الفتاح حمداش.

 

في عام 1989 عندما أهدر الإمام الخميني دم الكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي، بعد أن أفتى بردّته على خلفية كتابه آيات شيطانية، تحوّل الكاتب في لمح البصر إلى أحد أشهر كُتاب العالم، ونال من الجوائز ما لم يحلم به في حياته، ووجدت فتوى الخميني ودعوته لقتل سلمان رشدي، انتقادا شديدا من كبار رجالات السلفية في المملكة العربية السعودية ومنهم المرحوم ابن باز، الذي رأى في الفتوى بحثا عن شهرة من صاحبها في العالم السني، وإشهارا مجانيا للكاتب الهندي.. ومرّ ربع قرن على حكم الإعدام دون أن ينفذ، وصارت كتب سلمان رشدي تباع قبل أن تطبع، بل وقبل أن تكتب، والذين لم يقرؤوا قصيدة قيل إن أدونيس سبّ فيها الصحابة، بحثوا عنها، والذين لم يبتاعوا كتب أدونيس سيشترونها، ضمن محرقة، الرابح فيها هو دائما المستهدف منها، والخاسر هو أمة تتقن هدر الدم دون إطلاق الرصاص والحرق دون إشعال النيران؟

مقالات ذات صلة