الجزائر
"الشروق" تلتقي آخر العائدين من معتقل العار

المحققون المصريون أشد تنكيلا من الأمريكان في المعتقلات

الشروق أونلاين
  • 35284
  • 27
حسان زميري / تصوير: يونس أوبعيش

قصة حسان زميري هي خلاصة للظلم القادم من بلد العام سام، والتي جسدت عبثا طمس أمريكا للحقيقة، مثلما هو في قصة الفيلم الأمريكي الهارب”فوجيتيف”، فعندما يكذب الطفل الصغير كذبة فإنه يختبئ في شقة لعدم المواجهة، وعندما يكذب البيت الأبيض كذبة ويصدقها، يريد أن يطمس معالمها كاملة في سجن العار بكوبا.

حسان زميري من مواليد سنة 1967، العائد للجزائر من معتقل العار منذ قرابة شهر، بداية مغامرته كانت أيام شغفه بالسفر إلى أوروبا وسنه لا يتجاوز 23 سنة، بالضبط سنة 1991، حينما غادر باتجاه إيطاليا شهر أوت، ولم يمكث سوى ثلاثة أشهر ليقرر الترحال باتجاه فرنسا أين بقي لمدة ثلاثة سنوات، ليفضل الهجرة نحو أمريكا الشمالية بالضبط كندا، وبجواز سفر مزوّر وهناك عاش حسان 7 سنوات وتزوج، سنة 1995، من امرأة كندية نصرانية أسلمت لاحقا، أنجبت له فيما بعد الطفل عبد الكريم الذي لم يره وتركه جنينا قبل أن يزج به في عالم مجهول، وهي قصة مثيرة تحتاج إلى إخراج سينمائي، ويقول المتحدث في لقاء مع “الشروق” دام قرابة ثلاث ساعات في بيته العائلي بحسين داي بالعاصمة، أن أمنيته الوحيدة التي يتوق إليها اليوم، هي لقاء ابنه الذي صار عمره 8 سنوات.

بداية رحلة المتاعب، سنة 2001، حينما قرر حسان الذهاب إلى أفغانستان تحت ظروف قاهرة بعد تصنيفه كشخص مشبوه من قبل السلطات الأمنية الكندية، وبأنه ينشط تحت إمرة “جماعة إسلامية مسلحة”، ويؤكد أنه حقيقة جمعته صداقة بكل من أحمد رسام المتهم بمحاولة تفجير مطار لوس أنجلس، وكريم المغربي الذي كان في حرب البوسنة ضد الصرب، وقد تعرض محدثنا برفقة المغربي إلى التوقيف في سجن شلالات ليغارا على الحدود الكندية الأمريكية، سنة 1998، حيث أرادت السلطات الكندية تسليم المغربي إلى البوسنة، واتهمتهما أيضا بمحاولة الدخول إلى أمريكا بصفة غير شرعية، مشيرا إلى أنه كان غير ملتحي حينها.

وسجن حسان لمدة 10 أيام سنة 2001، عند توقيفه بمقهى “تيم هارتون”، تزامنا مع لقاء جمع الدول الأمريكية للقارتين الشمالية والجنوبية بمدينة كيبك، حيث حققت الاستخبارات الكندية معه عن قضية، مفادها محاولة أحد أصدقائه قتل الرئيس الأمريكي بوش، وهي الأسباب التي دفعت حسان لمغادرة كندا، بعد خروجه من السجن بعد تدخل زوجته لدى وزارة الهجرة، حيث أن القاضي برأه، لكن الاستخبارات رفضت تسريحه في الأول. وسبق أن أوفد حسان زوجته للجزائر، سنة 2000، للاطلاع على الوضع، وتقربت زوجته من عائلته بحسين داي وأعجبها الوضع، بعدها جهز المعني نفسه للتوجه إلى الجزائر، غير أن الاستخبارات الكندية علمت بقراره فاستدعوه وحذروه من ذلك وهددوه باختلاق له مشاكل مع الاستخبارات الجزائرية، وبأنه يشتغل مع الجماعة المسلحة، على حد تعبيره، ليغير وجهته بعد الالتقاء بشخص حدثه عن

“وجود أمن في أفغانستان كدولة إسلامية يطبقون الشرع ويرحبون بالعرب أحسن من دولنا هناك”، وحينها خير حسان زوجته بين المشي معه أو الافتراق وقبلت بالذهاب، ومرض عند وصوله واشترى بعدها سيارة وصعب عليه شراء بيت.

 

كيف سقط حسان برفقة 60 شخصا في قبضة خصوم بن لادن؟

تلقى الجزائري الفار من كندا عروضا من أجل الخضوع للتدريبات العسكرية وتعذر عليه ذلك بسبب مرضه.. خمسة أشهر بعدها سقطت أفغانستان وكان المعني في كابول، عقب أحداث 11 سبتمبر، فقام بالتنقل إلى جلالا باد، موضحا “وحوالي شهر ونصف بدأت المدن تسقط فقررت إبعاد زوجتي وأنا أمشي لطارابور الجبال، واتجهت زوجتي إلى بريطانيا ثم الجزائر وعادت إلى كندا”، مضيفا “تعرضت زوجتي لمشاكل حين عودتها وهددوها بالسجن فأنا حاقد على كندا أكثر من حقدي على أمريكا”.

بعد شهر في طاربورا، حسان وبرفقة حوالي 60 شخصا تلقوا أمرا من بن لادن يقضي بالانسحاب والخروج إلى باكستان، وفي الطريق رصدتهم الطائرات الأمريكية وقصفتهم وقتل ما بين 30 إلى 40 شخصا، ومشي الجرحى باتجاه قرية منحها بن لادن أموالا لإخراج الفارين إلى باكستان، وهنا يضيف حسان

“غير أن أصحاب القرية قبضوا أموالا من المنافقين أيضا للوشاية بنا فرحبوا بنا ومنحونا الأكل والشراب، وفي اليوم الرابع، جاء جماعة الشاه مسعود والرباني المضادين لبن لادن، وقالوا لنا نأخذكم لعيادة القرية والجرحى يمشون إلى باكستان، وفي اليوم الموالي، قالوا لا الكل يمشي للعيادة وهناك حدثت الخيانة ونقلنا إلى سجن جلالا باد ومن هناك إلى العاصمة كابول ومكثنا شهرا لدى الاستخبارات الأفغانية”.

وتحت التعذيب الشديد أجبر العرب على الاعتراف بأنهم من القاعدة والأفغان على أنهم من الطالبان، شهر فيما بعد، تسلم الأمريكيون الأسرى من مطار كابول باتجاه سجن باغرام الأمريكي السري، وحوّل 40 شخصا إلى السجن ووجدوا هناك كل من عبد السلام الضعيف سفير طالبان، سالم اليمني سائق بن لادن وابن الشيخ الليبي الذي قتل في ليبيا بعد تسليمه من قبل أمريكا وكان يدير معسكر خلدّان في أفغانستان، وبعد شهر، نقل الموقوفين على متن طائرات عسكرية إلى سجن قندهار، قبل الرحلة الكبيرة، قرابة 4 أشهر فيما بعد، باتجاه سجن غوانتانامو.

وعند وصولهم كوبا نقل الجميع في حافلة جالسين أرضا من دون كراسي وخوذة على آذانهم للسماع وأعينهم مغمضة بالنظارات ومكبلي الأيدي والأرجل، ومترجم عربي يقول لهم “أنتم تحت تصرف القوات الخاصة الأمريكية لا حركة”، اقتادوهم باتجاه معسكر “دالتا” الذي يسميه النزلاء بسجن الشبوك لكثرة أسلاكه الشائكة، وخضعوا للتحقيق: هل تنتمي إلى طالبان؟ هل رأيت بن لادن أو الملا عمر؟ وقد سلمت الحكومة الكندية ملفا عن حسان يزعم تهمة تورطه في تسليم الأموال لأحمد رسام.  

وأفاد حسان بأن وفود المحققين من الاستخبارات الأمريكية إلى الدرك الكندي الملكي والدرك البريطاني الملكي، ينتقلون إليهم، شبه يوميا، للاستفسار عن مدى معرفة النزلاء لأسماء أشخاص مشتبهين، وقال أن الماء المقدم لهم للشرب ممنوع على العساكر حتى لمسه باليد، موضحا أنه لم يكن مع الجزائريين وإنما مع خليجيين ويمنيين، فيما جلس في رمضان سنة 2002، مع 7 جزائريين، 3 فرنسيين و4 بريطانيين، مضيفا بأنه لا يزال فقط 9 جزائريين هناك واحد منهم جنسيته بسنية، وقال أنه سمع عن وجود 25 جزائريا في المجموع، وهو العدد الذي يتداول بين النزلاء هناك، وكشف عن شخص اسمه السعيد برّأته المحكمة العليا، منذ حوالي 5 أشهر، لكنه لا يزال بسجن العار. 

وفي استفسار “الشروق” عن أصغر سجين جزائري اسمه، أحمد أعراب، الذي اعتقل بفرنسا، بحسب عائلته، قال حسان أنه لم يسمع به هناك وقال أنه ربما يكون في سجن “بلاك هول” وهو سجن سري، موضحا أنه لم يقدم أي شخص من فرنسا وأن الجزائريين اعتقل 6 منهم بالبوسنة والبقية كلهم بأفغانستان.

 

أغرب الحوادث.. حالات الموت شنقا؟

في سنة 2006، قتل 3 أشخاص سعوديان ويمني شنقا، كانوا مضربين عن الطعام وأوقفوا الإضراب تحت التعذيب، وبعد قرابة شهرين، قالوا بأنهم انتحروا، ويؤكد حسان أنه “كيف ينتحر أحد السعوديين وقد بشر بالخروج”، مضيفا أن شهود عيان شاهدوا دخول العساكر عليهم. وسنة 2007، مات السعودي أبو طلحة في السجن الخامس بالشنق، وبرروا بأن العيادة منحته دواء لم يناسبه، حيث اتهموه بالتحريض على الإضرابات التي لا يحبذها الأمريكان، وسنة 2009، قتلوا “وضاح” اليمني الذي كان أبوه رئيس قبيلة عرض عليه الأمريكان الاشتغال معهم لكنه رفض، وزعموا بأنه شنق نفسه بسرواله، وشهد سجين من هزباكستان أن القضية ليست انتحارا وإنما قتلوه.  

ومن الغرائب أنه بعد الحادثة تلك، بقرابة ثلاث أشهر، شهر جويلية 2009، سلمت السلطات الأمنية المصرية رئيس قبيلة يمنيا كان ضابطا في الاستخبارات اليمنية ورجل أعمال يسمى “عبد السلام الحيلة” تنقل لمصر للقيام بصفقة تجارية فألقي عليه القبض، حسب أقوال حسان، الذي كان معه في أوقات المشي بساحة السجن، وأعلم اليمني عبد السلام في السجن بأن ابنيه 10 و11 سنة وأمهم قتلوا باليمن، واغتنم الأمريكان الفرصة ووضعوا له مقصا تحت غطاء سريره، في فترة الظهر، وسمع حسان كلامه عن لقاء مع 3 مدنيين وضابط استخبارات ومحقق خاص ومترجم، حيث أفاد اليمني أنه وجد المقص به مادة لزجة تحت البطانية، وطلب توضيح من المسؤولين عن سبب وجود المقص رغم أنه ممنوع فقالوا “حصل خطأ”؟. 

وتحدث حسان زميري عن الجزائري “الشيخ صابر” الذي برأته المحكمة ورفض العودة إلى البوسنة التي سلمته، في وقت سابق، ولما رفض كسر له فكه وأخذوه إلى مستشفى بفرنسا، ومن جهته قام حسان بمشاكل مع العساكر قبل أن يخطره الصليب الأحمر بأن لجنة أوباما منحته البراءة بعدما لفقوا له تهمة “مقاتل غير شرعي” ثم تحولت إلى “عدو محارب”، وقال “أنا لم أحاكم أصلا من طرف لجنة أوباما التي كانت تسمى لجة بوش “أورداك” وتم إخطاري في أواخر سبتمبر الماضي”، وسفر مع جزائري من بشار فيما سفر تونسي وأوزباكستاني إلى سلوفاكيا وهوزباكستاني نحو سويسرا.

 

المعركة في كوبا كلها على المصحف الشريف..

رفض حسان التوقيع على أوراق محتواها “لا تحارب الجيش الأمريكي أو حلفاءه”، على متن طائرة عسكرية إلى الجزائر، معصوب العينين مربوط في الكرسي.. اليدين قابلة للتحرك نوعا ما.. يضحك، ويقول أن الأمل عاد له في الجزائر فقط عندما استقبل بدون سلاسل.. وطمأنته السلطات الأمنية الجزائرية أن ليس لديه شيئا وهو في الجزائر.. وتفاجأ حسان لاكتشافه بأن المصحف الذي أعاده له الأمريكان ممزق في صفحته الأولى، مضيفا الحرب في كوبا كلها على المصحف. وذكر محدثنا عن وقائع تدنيس المصحف الشريف بخيم سجن قندهار، حيث شاهد امرأة عسكرية تفتش أوراق المصحف ثم ترميه، مضيفا، بعد 8 أيام، عرفت أنه لا علاج في كوبا، فإذا تألمت يقطعوا يدك أو رجلك المصاب بالشذايا.  

 

قلنا للوفد الجزائري “جبتوا 404 باشي باش تدونا”

قال العائد من غوانتنامو أن الكل بمعتقل العار يكذب من الجندي إلى الجنرال إلى المحامين إلى القضاة.. وأفاد أن الوفد الجزائري الذي زارهم ما بين أفريل وماي 2006، المتكون من شخصان من وزارة الداخلية وآخر من وزارة العدل، هو الوحيد الذي كان صادقا معهم.. وحينما استفسر الوفد عن كيفية معرفة إن كان هؤلاء النزلاء حقيقة جزائريين.. قال حسان “قلنا لهم ماذا نقول لكم باش تعرفوا.. جبتوا الكاتسونكات باشي باش تدونا معاكم ولا لالا رانا في 25 واحد.. فقالوا لنا همال خلاص أنتم جزائريين”، وأوضح محدثنا أن الوفد ركز على معرفة أسماء أبائهم وأمهاتهم وأين درسوا وأحياء سكناهم، وقالوا لهم نحن مرتاحين لمحادثتكم وجها لوجه، مضيفا بأن الوفد السعودي والمصري قابل رعاياه بالأكياس على الوجه، وأخضعوهم لتحقيق استخباراتي. 

الأخبار في كوبا نادرة، ومن بين ما اطلع عليه حسان عن طريق محقق لبناني اسمه بشير صورا للرئيس بوتفليقة وهو يزور ضحايا زلزال بومرداس سنة 2003، وصور أنترنت عن أحمد رسام مع وفد ألماني رفض التحدث معهم وضغط عليه في سجن انفرادي من قبل الأمريكان وتحدث حينها عن تسلمه 5 آلاف دولار من حسان زميري.

 

رسالتان من رسام ومختار الهواري لتبرئتي.. والمصريون أشد تنكيلا من الأمريكان

وسنة 2007، زاره المحامي في سجن كولارادو، واعترف في رسالة أن ذكر اسم زميري كان تحت الضغط، وأوضح أن من بين 20 تهمة 15 منها تحت التعذيب، وقال زميري أن تلك التهم هي سبب تطليق زوجته، كما أن 200 رسالة بعثها لم تصل لزوجته بمعدل رسالة في سنة ونصف وقطعوا له صور ابنه، أما الرسالة الثانية فكانت من مختار الهواري الوهراني وهو محكوم لمدة 25 سنة في سجن عادي بأمريكا أوقف أواخر سنة 1999، وقال محدثنا بأن نصف المحققين مصريون من استخبارات الجيش لقندهار وباغرام وأصعب أناس يضربون ويشتمون أحيانا وهم أشد تنكيلا من الأمريكان.

 

حلم حسان لقاء ابنه عبد الكريم

يتطلع حسان زميري إلى لقاء ابنه عبد الكريم البالغ من العمر 8 سنوات، حيث تلقى من زوجته 9 صور وشهادة ميلاد ابنه وبصمات الأيدي والأرجل وكوله وعرضه، عند ولادته، واتصل حوالي أربع مرات بابنه منذ عودته وأعلم بالمدرسة التي يدرس بها في كندا، ويرغب حسان في وساطة الحكومة الجزائرية، حيث قال أنه ارتاح لمعاملة السلطات الجزائرية عند وصوله إلى أرض الوطن، وأفاد أن الهلال الأحمر كان أول من أخبر عائلته بوصوله قبل أن يتصل بهم هاتفيا بنقود أعارتهم له مصالح الأمن التي استقبلته.

مقالات ذات صلة