-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدرسة والدين

جمال ضو
  • 109
  • 0
المدرسة والدين
ح. م
بن غبريط وبن زاغو

منذ أيام نشرت جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية مقالا للكاتب ندير إيدير عنوانه “لنتوقف عن أدلجة المدرسة”، حيث اتهم فيه الأحزاب الإسلامية والجمعيات والشخصيات التي لها نفس التوجه بأنها تشن حملة من منطلق إيديولوجي ضد الإصلاحات التي تقودها وزيرة التربية وفريقها، وأوضح في نفس الوقت أن السيدة بن غبريط لم تقم بشيء سوى أنها أخذت على عاتقها تطبيق التوصيات النهائية للجنة بن زاغو، ومن بينها إدخال الفرنسية من السنة الأولى، وطالب الكاتب بأن يتوقف الجميع عن التدخل في الشأن التربوي وأن يترك الأمر للمختصين في البيداغوجية حتى لا يبقى أبناؤنا رهينة لنفس الأفكار.

المتأمل في مقال الكاتب يجده يقطر إيديولوجية، وللأسف لم يسأل الكاتب نفسه هل الاختصاص في البيداغوجية وعلوم التدريس هو حكر على فئة ذات توجه وأفكار وخيارات لغوية معينة أم أن مجاله مفتوح لمختلف التوجهات والآراء؟ وهل أطلع الكاتب عما كتبه اثنان من أهم المختصين الفرنسيين الذين أحضرتهم الوزيرة بخصوص اللغات الأجنبية ومكانة الإنجليزية (انظر مقال”ما رأي الخبيرين الفرنسيين؟” في الشروق أونلاين https://www.echoroukonline.com/ara/articles/494813.html) ؟ أم أن المختصين الجزائريين ومن أوكل إليهم شأن التربية يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟

أخيرا نقول، إن الصراع الفكري أو الإيديولوجي أمر لا مفر منه في جميع المجتمعات، ويشتد هذا الصراع في أوساط المجتمعات أو الأمم التي ترزح في التخلف والتبعية، حيث تكون هذه الأمم عادة فاقدة لبوصلة الخيارات الحضارية الكبرى، وتجني نتائج هذه الصراعات غير المحسومة وتغيب إرادة الشعب، كما أن المدرسة لا يمكن فصلها عن هذه الصراعات مهما حاولنا، ولكن لا يحق لمن يريد أن يختطف المدرسة إيديولوجيا ولغويا أن يصف معارضيه بمحاولة أدلجة المدرسة، في ظل تغييب تام لرأي المجتمع  بكل مكوناته، وخاصة إذا كان هذا الاختطاف يأتي من فريق مارس الوصاية وفرض المناهج والخطط التربوية لأزيد من عقدين وأوصل المدرسة والتعليم إلى وضع مأساوي 

إن الوصف الذي دأبت على استعماله الأقلام والأصوات المدافعة عن لجنة بن زاغو وخيارات السيدة بن غبريط لإرهاب مخالفيهم هو أنهم إسلاميون أصوليون وبعثيون تحركهم الإيديولوجية، بما يمثله هذا الوصف من اختزال وتحريف لقضية انهيار التربية والتعليم منذ أن عرفنا إصلاحات بن زاغو، والجدير بالإشارة أن بوادر السقوط الحر للتعليم بدأت في الواقع منذ أن تولى بن بوزيد مقاليد التربية، وعلى الرغم من كل هذا لم نكن نسمع صوتا أو نقرأ حرفا لهذه الأقلام، بينما ارتفعت أصواتهم اليوم دفاعا عن خيارات لجنة بن زاغو وبن غبريط… والتي هي في واقع الأمر مجرد خيارات إيديولوجية محضة وضيقة لا علاقة لها بالدراسات العلمية والبيداغوجية، إنها خيارات لا تراعي المصالح الاقتصادية ولا متغيرات العصر، كما لم يقدم أصحابها حججا علمية مقنعة ولم يفتحوا نقاشا مجتمعيا بل اكتفوا بالقرارات السرية والضبابية وأصبح المجتمع الجزائري والرأي العام يعيش على وقع التسريبات. 

بالرغم من كل هذا فإننا سنذهب بعيدا ونقبل أطروحة الصراع الإيديولوجي الذي يروج له هؤلاء، ولكن لا بد هنا للرأي العام غير المطلع بشكل كاف أن يتعرف على التوجهات والآراء الفكرية ” الإيديولوجية” لمن أوكل إليهم الإشراف على تربية أبنائنا وتعليمهم.

وحتى نضع  القارئ في الإطار الحقيقي لهذا الصراع، أشير إلى أن العنوان “المدرسة والدين” الذي اخترناه  والذي يوحي بالإيديولوجية، ما هو إلا عنوان لمقالة مطولة كتبتها السيدة نورية بن غبريط سنة 2001 ونشرت في كتاب ضمن مقالات أخرى أصدرها معهد دارسات وأبحاث العالم العربي والإسلامي بمرسيليا، تتحدث الوزيرة في هذا المقال عن دور الدين وعلاقته بمخرجات المدرسة الجزائرية والإرهاب والخيارات التربوية لجزائر ما بعد الاستقلال وتقدم تصورات في هذا الشأن.

وقد تعرضت الوزيرة إلى نقاط كثيرة في مقالها، من بينها نقطتان رئيسيتان، النقطة الأولى هي عملية سبر للآراء قامت به رفقة فريق وسط عينة من حوالي 1700 تلميذ من تلاميذ القسم النهائي الثانوي، كانت الأسئلة الموجهة للتلاميذ تقريبا إيديولوجية محضة، هدفها معرفة التوجهات الفكرية للتلاميذ وخياراتهم الدينية وموضوع الحجاب، بل إن أحد الأسئلة كان: “هل تؤدي الصلاة أم لا ؟”. وكانت النتيجة آنذاك أن 65% من تلاميذ القسم النهائي يؤدون الصلاة، (النسبة لدى الإناث 70 % والذكور 54%)، هذا بالإضافة إلى أسئلة عن الرموز التاريخية والثورية والثقافية لدى التلاميذ، وهنا نتساءل حقيقة عن مدى أهمية سؤال الصلاة في بلد يفترض فيه أنه مسلم، وما علاقة هذا بمستوى التعليم؟ ومن يسعى لأدلجة المدرسة؟ 

النقطة الثانية، والتي قد تمثل صدمة كبيرة للقارئ غير المطلع هي ما جاء في نفس المقالة حول القيم والأخلاق والخيارات التربوية لما بعد الاستقلال، حيث قالت الوزيرة ما نصه: ” في سنة 1995، أقر المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بأحقية المدرسة الاستعمارية في إدخال تدريس الأخلاق ضمن المنظومة التربوية، حيث يتم تدريس القيم الأخلاقية مثل الأمانة، وقيمة المجهود الشخصي، والتسامح، واحترام الآخر، واحترام الملكية العامة، وواجب حماية الملكية العمومية، واحترام القانون، كما يجب الإشارة إلى أن موقف المجلس الاقتصادي يأتي في سياق يقوم فيه الإسلام السياسي بممارسة عنف أعمى ضد المجتمع، كما أن الظاهرة يتم النظر إليها بشكل واسع على أنها نتيجة للخيارات البيدغواجية لمدرسة بعد الاستقلال.” 

إن الوصف الذي دأبت على استعماله الأقلام والأصوات المدافعة عن لجنة بن زاغو وخيارات السيدة بن غبريط لإرهاب مخالفيهم هو أنهم إسلاميون أصوليون وبعثيون تحركهم الإيديولوجية، بما يمثله هذا الوصف من اختزال وتحريف لقضية انهيار التربية والتعليم منذ أن عرفنا إصلاحات بنزاغو، والجدير بالإشارة أن بوادر السقوط الحر للتعليم بدأت في الواقع منذ أن تولى بن بوزيد مقاليد التربية، وعلى الرغم من كل هذا لم نكن نسمع صوتا أو نقرأ حرفا لهذه الأقلام، بينما ارتفعت أصواتهم اليوم دفاعا عن خيارات لجنة بن زاغو وبن غبريط… 

نشير إلى أن السيدة الوزيرة كانت آنذاك عضوا في هذا المجلس.

وهنا تتضح رؤية السيدة الوزيرة، حيث تعتبر أن الفضل يعود للاستعمار الفرنسي ومدرسته في إدخال القيم النبيلة والأخلاق إلى المدرسة وزرعها في المجتمع الجزائري، بينما خيارات ما بعد الاستقلال لم تؤد إلا إلى تخريج إرهابيين يمارسون عنفا أعمى ضد المجتمع، وهنا يحق لنا أن نتساءل فعلا حول نظرة السيدة الوزيرة للاستعمار، وما إذا كان أبناؤنا يوما سيدرسون بأن أجدادهم أخطئوا عندما رفعوا السلاح وأخرجوا المستدمر الفرنسي الذي كان حريصا على نشر كل قيم التسامح والأمانة واحترام القانون في أوساط المجتمع الجزائري!

أخيرا نقول، إن الصراع الفكري أو الإيديولوجي أمر لا مفر منه في جميع المجتمعات، ويشتد هذا الصراع في أوساط المجتمعات أو الأمم التي ترزح في التخلف والتبعية، حيث تكون هذه الأمم عادة فاقدة لبوصلة الخيارات الحضارية الكبرى، وتجني نتائج هذه الصراعات غير المحسومة وتغيب إرادة الشعب، كما أن المدرسة لا يمكن فصلها عن هذه الصراعات مهما حاولنا، ولكن لا يحق لمن يريد أن يختطف المدرسة إيديولوجيا ولغويا أن يصف معارضيه بمحاولة أدلجة المدرسة، في ظل تغييب تام لرأي المجتمع  بكل مكوناته، وخاصة إذا كان هذا الاختطاف يأتي من فريق مارس الوصاية وفرض المناهج والخطط التربوية لأزيد من عقدين وأوصل المدرسة والتعليم إلى وضع مأساوي. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!