-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المشروع الاستعماري من الجزائر إلى فلسطين.. نقاط التشابه والاختلاف

محمد شعبان صوان
  • 518
  • 0
المشروع الاستعماري من الجزائر إلى فلسطين.. نقاط التشابه والاختلاف

ونحن نعيش اليوم ذكرى ثورة الجزائر في الفاتح من نوفمبر، نرى بعض التشابهات وبعض الفروقات عن معركة فلسطين ضد نفس فكرة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الذي يستهدف إزاحة السكان الأصليين وإحلال المستعمرين الغرباء محلهم:
أولى نقاط التشابه أننا في الحالتين الفلسطينية والجزائرية أمام نفس التبريرات التي عرضها المعتدون، فاحتلال الجزائر كان لتمرير خطط داخلية تتعلق بتثبيت الملكية الفرنسية مرة ثانية بعد عصر الثورة، فكانت مغامرة خارجية أيسر الطرق لحشد الرأي العام، ولإسكات أوروبا أعلنت فرنسا الأهداف التقليدية المعادية للإسلام: القضاء على القرصنة (وهي التسمية القديمة لمصطلح الإرهاب المعاصر)، ووقف التجارة بالعبيد المسيحيين (وكأن قوانين حرب الثلاثمائة سنة كانت وقفاً على المسلمين منذ كارثة سقوط غرناطة)، وإيقاف دفع الجزية من السفن الأوروبية للجزائر، ولما عرض هرتزل مشروعه على طغاة أوروبا لاسيما بريطانيا، لوح بكون كيانه المرتجى رأس جسر الحضارة في وجه الهمجية، مع أن القضية كلها كانت تخليص أوروبا من مشكلة داخلية على غرار المشكلة في فرنسا من قبل، والآن هي فائض السكان اليهود غير المرغوب فيهم، ونفس التبرير يسوقه الكيان الصهيوني اليوم بالإعلان عن الحرب ضد الإرهاب الإسلامي، والتشابه الثاني هو الممارسة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية التي تهدف إلى وضع فئة سكانية محسوبة على أوروبا محل السكان الأصليين الذين ينتمون إلى المشرق الإسلامي، فهذا الاستعمار ليس المقصود منه النهب المالي والاقتصادي وحده على غرار الاستعمار البريطاني في الهند ومصر، حيث كان الهدف هو استغلال الموارد المحلية لتشغيل قطاعات الاقتصاد في المركز البريطاني، وفرض التخلف على الاقتصاد المحلي والفقر على السكان الأصليين ليزدهر اقتصاد بريطانيا، أما في الحالة الجزائرية ثم الحالة الفلسطينية فقد جلبت أفواج من أوروبا أساساً لتحل محل الأهالي المحليين، ونوعية المستوطنين هي التشابه الثالث، وفي الجزائر عملت الآلة العسكرية الفرنسية بكل قوتها على استبعاد الجزائريين من جنة الإعمار التي كانت تدعي بناءها في الجزائر، وهي كانت تبنيها بالفعل ولكن لفئة المستوطنين وحدهم، الذين كانت قلة منهم فرنسية والبقية من شذاذ آفاق أوروبا، وعلى حساب الجزائريين ومعاناتهم، هذه المعاناة هي التشابه الرابع، ولعل الاستشهاد بكلام مؤرخين أجانب يزيد توضيح الحال الذي عاشت فيه الجزائر مع وجوب التركيز على المقارنة بما يحدث في فلسطين اليوم مع شذاذ آفاق أوروبا اليهود الصهاينة:

وحشية الاستعمار
يقول المؤرخ البريطاني يوجين روجان إن العالم العربي لم يشهد استعماراً استيطانياً كالاستعمار الفرنسي في الجزائر، إلا في فلسطين، وقد واجهت فرنسا مقاومة الأمير عبد القادر بسياسة الأرض المحروقة في المناطق الداخلية بهدف إضعاف التأييد الشعبي للأمير(نفس الممارسة الصهيونية حالياً وبنفس الدافع، وهو نفس دافع الولايات المتحدة عندما دمرت وحاصرت العراق)، وقام الجنرال بيجو بإحراق القرى وإفزاع الماشية ودفعها للهرب وإتلاف المحاصيل واقتلاع البساتين وقتل الرجال والنساء والأطفال وعدم قبول الأسر(أليس المشهد مقارباً لما في غزة اليوم؟)، مما أدى إلى تحطيم اقتصاد الريف، وكان للحرب آثار مدمرة على الجزائر إذ راح ضحيتها مئات الآلاف من الجزائريين (نفس الأثر للحرب على فلسطين منذ النكبة سنة 1948 بل مما قبل ذلك زمن الانتداب البريطاني)، وصارت الجزائر جزءاً من فرنسا (كما صارت فلسطين إسرائيل)، ولكن سكانها غير الأوروبيين أصبحوا رعايا وليسوا مواطنين وكان الفرق هائلاً بين الطرفين في مجال الحقوق السياسية والواجبات والمزايا الاقتصادية والأوضاع الإدارية والقانونية، (نفس الوضع في فلسطين وهو مجال بحث غير مطروق عند أنصار التغريب المغرمين بتشريح التاريخ الإسلامي وذم الرعوية للدولة الإسلامية التي تختلف جذرياً عن رعوية الدول الاستعمارية التي تعني التمييز بلا شك والتي شرعها وبررها في الحالة الجزائرية فيلسوف الديمقراطية أليكسيس دي توكفيل الذي ساند وحشية الجنرال بيجو أيضاً).
ويقول المؤرخ السوفييتي فلاديمير لوتسكي إن الفرنسيين استخدموا أشد الأساليب وحشية لإرهاب الشعب الجزائري، وأبادوا القبائل الموالية للأمير عبد القادر عن بكرة أبيها (هل نتذكر هنا الإبادات الصهيونية منذ النكبة والعدوان الثلاثي ثم النكسة وغزو لبنان وحصار بيروت ومجازره وحروب المدن الفلسطينية بعد الانتفاضات المتوالية؟)، ويستشهد بشهادات عاصرت الأحداث أكدت أن الفرنسيين قاموا بقطع آذان الأسرى وسبي الزوجات والأطفال والاستيلاء على القطعان، وعرضوا النساء في المزاد العلني كالدواب، وقطعوا رءوس الأسرى لتلقين العرب درساً في احترام السلطة، “وأدى نير المستعمرين إلى كارثة اقتصادية تامة في الأرياف الجزائرية، ففي غضون الأعوام 1868-1870، عمت البلاد المجاعة واقتات الناس الحشائش وفي حالات كثيرة كانت تلاحظ حوادث أكل لحوم البشر، ورافقت المجاعة الكوليرا التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الضحايا”، وفي عام 1866 كان عدد الجزائريين مليونين و652 ألفاً فهبط العدد أكثر من نصف مليون بعد ست سنوات أي مات خُمس مجموع السكان من المجاعة والأمراض والأعمال الوحشية التي ارتكبها الاستعمار.

معضلة الاندماج
ولم تشمل الديمقراطية الفرنسية الجزائريين إذ لم يستهدف التمثيل الجماهير الإسلامية (نفس الوضع في فلسطين اليوم حيث الديمقراطية للصهاينة حصرياً)، وبعد ثورة 1898 المطالبة بالاستقلال الذاتي مُنح المستوطنون مزيداً من الحقوق والحريات وبقي الجزائريون في وضع اجتماعي متدن، ووافقت هذه الحالة مصالح الحكام في فرنسا، ويتحدث روجان عن جعل قانون صدر في سنة 1865 الجزائريين رعايا وليسوا مواطنين فرنسيين، وكان على من يريد أن يُبحث منحه المواطنة أن يتخلى عن هويته الإسلامية ويقبل بالعيش وفق قوانين الأحوال الشخصية الفرنسية، ورغم بريق المواطنة لم يتقدم للحصول عليها من ملايين الجزائريين سوى ألفي شخص في مدة ثمانين عاماً (نفس وضع الخونة في فلسطين).
ويشير المؤرخ الاقتصادي شارل عيساوي إلى أنه في سنة 1912 كان خُمس المستوطنين الأوروبيين في الجزائر من الفرنسيين في الوقت الذي كان فيه أربعة أخماسهم من إسبانيا وإيطاليا ومالطا وبقية السواحل الأوروبية المتوسطية، (وهو ما يذكرنا بتساهل الكيان الصهيوني في توثيق الهوية اليهودية للمستوطنين الأغراب الذين يجلبهم من خارج فلسطين من روسيا إلى أثيوبيا، أو تساهله في تهويد شعوب بعيدة من أمريكا الجنوبية في سبيل ملء فراغه السكاني وحل مشكلته الاستيطانية).
ويتابع روجان أنه ورغم عدم شمول الجزائريين بحماية القانون الفرنسي فقد كانوا يؤدون الخدمة العسكرية التي أصبحت تجنيداً إلزامياً قبل الحرب الكبرى الأولى (1913) حين جندت فرنسا في الحرب أكثر من 200 ألف مسلم جزائري قُتل منهم ما بين 25-80 ألفاً غير أعداد هائلة من الجرحى، ومع ذلك كانت القوانين المطبقة على الجزائريين تتسم بالتمييز إذ عاقبتهم على أفعال مسموح بها للفرنسيين، كالحرية السياسية في انتقاد الحكومة، وكانت تذكرهم دائماً أن الجزائري مواطن من الدرجة الثانية في وطنه، وقد دفع هذا الوضع المعجبين بالحضارة الغربية للمطالبة باندماج الجزائر في الأمة الفرنسية، وأنكر بعض المتحمسين منهم وجود هوية جزائرية مستقلة عن فرنسا وقالوا: فرنسا هي أنا (هناك ظاهرة مشابهة في فلسطين اليوم نتجت عن الأسرلة حيث يطالب البعض بحق المواطنة فقط في الكيان الصهيوني ويسمي ذلك “معارضة” وهو إقرار ضمني بكون المساواة تعارض توجه هذا الكيان الحصري)، وحتى عندما وصلت الجبهة الشعبية الاشتراكية للحكم في فرنسا (1936) ونادت بعلاقات جديدة مع المستعمرات كان القانون الذي اقترحته بهدف تأبيد الاستعمار الفرنسي (مشروع بلوم فيوليت) لا يتيح المواطنة إلا لعدد ضئيل من الجزائريين لا يزيد عن 25 ألفاً من أصل 4.5 مليون ومع ذلك عارضته جماعة الضغط الاستيطانية والمحافظون مما أدى إلى سقوط المشروع، ثم سقطت حكومة الجبهة الشعبية نفسها.
ثم عادت فرنسا لاستخدام الجزائريين في الحرب الكبرى الثانية وجندت أعداداً كبيرة منهم زادت كثيراً عن مائة ألف، وظن دعاة الاندماج بفرنسا أن هذه فرصتهم للمطالبة بحقوقهم ولكنهم صُدموا لرد الفعل الفرنسي الذي قام بقتل 45 ألف جزائري في أثناء الاحتفالات بانتصار الحلفاء في الجزائر يوم 8/5/1945 وهو ما قاد إلى الثورة الجزائرية سنة 1954 التي ارتكب الفرنسيون أثناءها كثيراً من عمليات الاعتقال والتعذيب الجماعية وواسعة النطاق (سياسة العقاب الجماعي الحالية)، مما أدى إلى تشريد 3 ملايين ريفي جزائري من منازلهم وسقوط مليون ونصف المليون شهيد، وقد كانت مجازر ماي 1945 في سطيف وقالمة وخراطة هي رد “الحضارة” على طلب “المتخلفين” الانضمام إلى صفوفها.
وكان الانسحاب الفرنسي من الجزائر مفضلاً لدى الإدارة الفرنسية على أعباء دمج الجزائر بمستوى الحياة الفرنسية في زمن الرئيس ديغول الذي أقر بالغايات الاقتصادية للاستعمار كما يقول المؤرخ الفرنسي مارك فرو، وكان الفرنسيون قد نسوا غايات آل بوربون من استعمار الجزائر سنة 1830، وحلت لهم الإقامة فيها بعد سقوط الأسرة الملكية بوقت طويل، وفي النهاية بعدما فاقت النفقات الأرباح، ولم تتحقق ذرائع التمدين الذي ظل الأهالي الجزائريون يطالبون به عبثاً، في الوقت الذي كان فيه الخلاف الداخلي الفرنسي مستقطباً بين رفض السلطة دمج الآخرين وإصرار المستوطنين على الاستعمار والاستغلال، وهو نفس الخلاف الذي احتدم لزمن داخل المجتمع الصهيوني بين طرف يفضل التنازل عن أعباء السكان الفلسطينيين لصالح نقاوة الهوية اليهودية وطرف يفضل الاحتلال مع الاستغلال، أي الصراع للاختيار بين الهوية والهيمنة، وهو خلاف تقليدي في المجتمعات الاستيطانية الديمقراطية، وهو صراع يدل على إجماع تلك المجتمعات ذات الديمقراطية الحصرية على احتكار المزايا وعدم مشاركة الآخرين بها، والخلاف هو على طريقة تحقيق ذلك هل بالعزلة أم بالسيطرة، وكان محكوماً باستمرار بحسابات المصالح المادية، إذ تنتصر وجهة النظر التوسعية أمام السكان الأصليين الضعفاء أو القلائل كما حدث في أمريكا، وتنتصر اعتبارات الهوية أمام المقاومة الشرسة كما في الجزائر، وظل الخلاف محتدماً في فلسطين بين أخذ ورد، ويبدو أن وجهة نظر جديدة دخلت على الخط وهي العزلة مع السيطرة على الأرض بعد التخلص من أهلها، وهذه عودة لأسلوب الإبادة الذي تناصره اليوم حكومات الغرب الحر الديمقراطي الإنساني العقلاني، وهذه أدلة حاسمة على حصرية الحضارة الغربية وكونها مقصورة على النخبة وترفض إشراك الآخرين في مزاياها، ومع ذلك تجد اليوم كثيراً من اللاهثين الساعين للحاق والاندماج بها ولكن دون جدوى.

الكيان الصهيوني هو ملخص علاقة الغرب بالعالم اليوم
هذا كله يقودنا إلى استعادة نقاط التشابه بين النموذجين الجزائري والفلسطيني بعدما بدأنا بنقطة مبررات الاستعمار، وثانياً بشكله الاستيطاني الإحلالي، ووجدنا ثالثًا نوعية المستوطنين، ورابعاً الوحشية نفسها التي تفرقت على عدة نقاط بحيث أرعبت كثيراً من أذناب الغرب بسبب خطرها على سلامة النموذج الغربي الآيل إلى السقوط في عيون الأجيال، والتي لو اطلعت على حقيقة مسار هذا النموذج من البداية لما صبرت لترى النكبة الجديدة في غزة لتعرف أن هذا النموذج حصري وليس مفصلاً ليستوعب البشرية إلا بصفتها وقوداً لرفاهية النخبة البيضاء في العالم، فمروجو النموذج الغربي يعتمدون على جهل الأجيال بحقيقة التاريخ والواقع، وهو جهل تتعمده مناهج التعليم صنيعة هؤلاء المبهورين أنفسهم، وقد تهاوت أمام الجميع اليوم دعاوى تطور القيم، ورأينا العالم الذي خدعنا برقته المزعومة يلجأ إلى نفس أساليب الوحشية التي ادعى أنه هجرها، مع أن الحقيقة هي أن زوال الاستعمار القديم وأساليبه الماضية لم يكن بسبب تطور القيم بل لأن الاستعمار العسكري فرض نظاماً عالمياً يحقق بالسلام والقانون ما كانت الجيوش الاستعمارية تحاول فرضه بالقوة، وهو النهب والاحتكار لصالح النخبة الغربية المرفهة، فليس هناك حرب تشن بشكل أبدي، وكل حرب تهدف إلى الوصول إلى سلام يناسب المنتصر، وهذا ما استقر عليه وضع العالم بعد حروب الماضي التي جهد المنتصر الغربي لتكرس سيطرته بالقانون، ولهذا يحتكر 20% من سكان العالم اليوم 80% من موارد الأرض، وهي نفس القسمة الموزعة اليوم بالقانون الدولي بين الفلسطينيين والصهاينة من أرض فلسطين، ولولا حروب الإبادات والاسترقاق والاستعمار والديون والأفيون والتجارة الحرة لما تمكن الغرب من فرض هذه المعادلة وإحلال الاستعمار الجديد الذي يهيمن به على الجميع بأياد محلية بدلاً من الجيوش الاستعمارية التي كانت مكلفة في الماضي، ولولا حروب الكيان الصهيوني لما “استقر” الوضع الحالي، ليقوم الصهاينة بالسيطرة على شعب فلسطين بأدواتهم المحلية، وتقوم المؤسسات الدولية والقانون الدولي على حراسة هذه المعادلة والويل كل الويل لمن يحاول كسر هذا الاحتكار القانوني سواء على الصعيد العالمي أو على الصعيد الفلسطيني، وقد شاهدنا في زمننا المعاصر مصير كل من حاول التمرد على هذه المعادلة الدولية الغربية، وتفاجئنا العودة إلى نفس أساليب التوحش التي خدعونا بأنها اندثرت، مضافاً إليها التقنية الجديدة من الوحشية، وإذا كان ثمة تطور، فقد تطور السلاح تقنياً ليريح القاتل في مهمته، فبدلاً من البنادق العتيقة التي كانت تقتل بشكل محدود، صارت لديهم الطائرات والبوارج والصواريخ التي تقتل في لحظة ما كان يلزم جيشاً كبيراً لإنجازه في وقت أطول، ولهذا يخطئ خطأ جسيماً من يظن أن فلسطين هي آخر معاقل الاستعمار القديم، وإن مسارعة الغرب برمته وتداعيه لنجدة الكيان الصهيوني لا يدل على أنه نظام بال من عصر مضى، بل يدل على أن فلسطين اليوم هي جبهة الصراع العالمي بين قوى النخبة المهيمنة وأذنابها من جهة، والمستعمَرون المستغَلون من جهة ثانية، وما غزة إلا العبرة التي يراد وضعها أمام أي طامح بالتحرر من ربقة الهيمنة الغربية.

التشابه والاختلاف
اتفق النموذجان الفلسطيني والجزائري على مواجهة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي ومبرراته، ولم يكن هذا الشكل شائعاً في الاستعمار الذي تعرض له العالم العربي، وكانت المبررات التي قدمتها فرنسا لاحتلال الجزائر هي نفسها المبررات التي قدمها هرتزل إلى الدول الغربية لرعاية مشروعه “الحضاري” ضد “الهمجية” الإسلامية، وهي نفس المبررات التي يسوقها الصهاينة اليوم في عدوانهم على غزة، وعلى كونه احتلالاً وحشياً وحشية تليق بحضارة ترى الغاية النفعية المادية تبرر أي وسيلة، وعلى كونه استعماراً يصر على غربته عن محيطه في سبيل احتكار المزايا، ويستورد مكونات غريبة لتكرس غربته ويفضل ذلك على التعايش مع أصحاب البلاد رغم الشعارات الكاذبة عن التعددية وقبول الآخر والإنسانية ونسبية الحقيقة وبقية جعبة الأكاذيب التي لا نرى أثرها في الميدان، وهي موجودة في كتب المثل والنظريات فقط.
ومن الفروقات أن تجربة الجزائر كانت قبل الانهيار الأخلاقي العربي، تحظى بدعم من أكبر دولة عربية هي مصر التي كان زعيمها جمال عبد الناصر جاداً في مطاردة فلول الاستعمار البريطاني والفرنسي القديم مستفيداً من ظرف انقلاب الزمن وظهور دول عظمى جديدة والخلاف بين القدماء والجدد، الذي ظن الزعيم لبرهة أنه خلاف على فكرة الاستعمار وليس صراعاً على مواقع الهيمنة، حتى تعرضت مصر للعدوان الثلاثي بمشاركة فرنسية بسبب دعم مصر لثورة الجزائر، وهو ما تفتقده الحالة الفلسطينية اليوم بعدما نجم النفاق ووصل الانهيار الأخلاقي العربي حد التعاطف مع الصهاينة ومشاركتهم في العدوان وهو ما لم يكن متصوراً في زمن الثورة الجزائرية حيث لم يجرؤ المنافقون على إظهار ما بدواخلهم، وكان الانقسام السياسي في الساحة الجزائرية لا يذكر، والثورة تعم الساحة، وأعوان الاستعمار ودعاة الاندماج يخشون ظلالهم، ولكن في زمن الانهيار اليوم يصيح دعاة الاستسلام وفلاسفة الهزيمة بأعلى أصواتهم ويتصدرون المناصب والمنصات، وتلام الضحية، ويخشى الأنصار عواقب النصرة في زمن مازال يعيش آثار الأحادية ويتردد في دخول زمن التعددية القطبية، ويقف الجميع يتفرجون ووالله ما يتفرجون إلا على مصائرهم بعد حين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!