-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المغرب العربي: طموحات وأطماع

عابد شارف
  • 3730
  • 0
المغرب العربي: طموحات وأطماع

بعد أكثر من عشرية من الجمود التام، تحركت العلاقات الجزائرية المغربية. وجاء هذا التحرك الجديد على شكل مبادرة مغربية للمطالبة بفتح الحدود بين البلدين، وهي المبادرة المرفوقة بالكلام التقليدي عن الأخوة والجوار وبناء المصير المشترك لبلدان المغرب العربي. وبعد فترة قصيرة من التردد، جاء الجواب الجزائري بنفس الطريقة، تتلخص في عبارة بسيطة، وهي أي ضرورة فتح الحدود كلمة حق يراد بها باطل، ولا يمكن قبولها بصفة عشوائية، دون تحضير ودراسة لما سيترتب عنها. لكن هذا التطور في العلاقات بين البلدين يثير عدة نقاط لا بد من الإشارة إليها، أولها أن غلق الحدود بين البلدين يشكل واقعا يؤكد الفشل الكامل في تنظيم علاقاتهما الثنائية. إنه وضع يؤثر سلبا في الميادين السياسية والاقتصادية، ويجعل بلدان المغرب العربي في موقع ضعف أمام كل التكتلات الأخرى، بل وسيدفع يوما ما إلى طلب الحماية من بلدان أخرى وقوى كبرى التي ستجد من خلال ذلك وسيلة لفرض مصالحها في المنطقة. ومن جهة أخرى، فإن أية مبادرة تؤدي إلى الخروج من المأزق الحالي تشكل خطوة يجب الترحيب بها، من أي طرف جاءت. لكن المبادرة المغربية جاءت على شكل يثير الشك، ومن الأرجح أنها تشكل مجرد مناورة في عملية أوسع تتعلق بالترتيبات الكبرى التي تتم في المنطقة. وتهدف المبادرة في حقيقة الأمر إلى إعطاء إشارة لأطراف أخرى أن المغرب مستعد للتفاوض، وأنه بلد متفتح، عكس الجزائر التي تبقى منغلقة على نفسها. لكن الحقيقة تشير إلى أن البلدين مازالا منغلقين بنفس الطريقة، والفرق بينهما يبقى في الشكل لا في المضمون. وجاءت التعاليق الجزائرية الأولى حول المناورة المغربية بنفس الشكل، حيث اقتصرت على مناورات مضادة، ركزت على المشاكل الاقتصادية التي يكون المغرب قد يعاني منها، والخسارة التي يؤدي إليها غلق الحدود على الاقتصاد المغربي. ويسمح هذا الأسلوب في استعمال المناورة أن يغطي واقعا مرا، وهو أن لا الجزائر ولا المغرب يكسب حاليا نظرة مستقبلية شاملة لتجاوز الخلافات الظرفية والعمل لإقامة مصالح مشتركة. ويبقى كل بلد منغلقا على نفسه، رافضا الخروج من المأزق. ورغم أن المغرب يتميز بصورة أحسن لدى الرأي العام الدولي وفي الصحافة الدولية، إلا أن نظامه السياسي لا يختلف جذريا عن النظام الجزائري. إضافة إلى ذلك، فإن الجمود الذي تعرفه المنطقة بصفة عامة أصبح يشكل عائقا بالنسبة لشعوب المنطقة، وكذلك بالنسبة لأوربا نفسها. وقد عبر العديد من المسؤولين الأوربيين عن قلقهم تجاه هذا الوضع، لأنه يشكل تهديدا بالنسبة لاستقرار الضفة الجنوبية لأوربا، مع مشاكل الأمن والحراقة والهجرة غير الشرعية وغيرها. ولعل المبادرة المغربية جاءت لتؤكد للأطراف الأخرى، منها أوربا وأمريكا، أن المغرب بلد مستعد للتحرك، عكس الجزائر التي تبقى متحجرة، وهذا خطاب مغربي تقليدي في المحافل الدولية، لكنه لا ينفع أصحابه لأن المغرب يتميز بنفس الجمود.ويبقى بناء المغرب العربي مشروعا مفتوحا. وقد أكدت بلدان المغرب العربي فشلها في هذا الميدان. فبعد ركود دام منذ سنوات الاستقلال، جاء اتحاد المغرب العربي قبل عشرين سنة، لكنه اندثر، لا بسبب قضية الصحراء الغربية، بل بسبب طبيعة الأنظمة التي عجزت عن البحث عن أساليب عصرية للتعامل مع الواقع. وكثيرا ما يشير المغرب إلى استعداده لوجود حل لقضية الصحراء، لكنه يرفض الصيغة العصرية الذي تتمثل في الحل الديمقراطي الذي يقتضي الاختيار الحر. إن عجز البلدان المغاربية عن بناء فضاء مشترك سيفرض لا محالة صيغة أخرى لإقامة المغرب العربي، ويبقى اختيار إحدى الصيغ التالية: إما أن يأتي الحل لتلبية مصالح أوربا، وهو ما يجري حاليا مع المشروع الفرنسي لإقامة اتحاد متوسطي، إما أن يأتي تحت الضغط الأمريكي، لحماية المصالح الأمريكية، وهو ما يتم التحضير لها عبر إقامة قوة عسكرية في المنطقة وغيرها من المشاريع التي تهدف إلى فتح الاقتصاد أمام طموحات أمريكا، إما أن يتم بناء المغرب العربي في جو من الفوضى العارمة، على شكل أنظمة متعصبة ومتسلطة تحت غطاء الوطنية أو الدين أو القبلية أو العصرنة. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!