-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المغرب.. مسار نحو العزلة الإقليمية

بقلم: د. صهيب خزار
  • 1399
  • 0
المغرب.. مسار نحو العزلة الإقليمية

لم يكن غريبا أن تتجه المملكة المغربية مؤخرا نحو سياسة التطبيع العلني الكامل مع الكيان الصهيوني المنبوذ في شمال إفريقيا وفي القارة الإفريقية عموما، خصوصا وأن أبوابها كانت مفتوحة منذ أمد بعيد للسياح الإسرائيليين، وتنسيقُها الأمني والاستخباراتي وحتى الاقتصادي لم ينقطع أبدا مع الكيان الصهيوني طوال العقود الماضية. وهذا التوجه سيأخذ المغرب نحو عزلة إقليمية ودولية نتاجا لمواقفها العدوانية تجاه كل دول الإقليم، فبعد تصريحات رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين المستقيل حديثا، المغربي أحمد الريسوني تجاه كل من الجزائر وموريتانيا، ها هي المملكة تعزل نفسها أكثر فأكثر بإحداثها لجلبة كبيرة عقب استدعائها لسفيرها في تونس، بعد دعوة رئيس الجمهورية الصحراوية للمشاركة في القمة الإفريقية اليابانية مؤخرا في العاصمة التونسية.

ومن المعلوم أن الصحراء الغربية دولة عضو في الاتحاد الإفريقي ومن الطبيعي أن تشارك في مثل هكذا قمم قارية وإقليمية بدعوة من الاتحاد نفسه، وكانت الصحراء الغربية قد شاركت من قبل في هذا المؤتمر ولم تعترض المغرب على ذلك، وهذا ما يوحي إلى استياء المغرب من العلاقات الثنائية التي تَوشَّجَتْ أكثر فأكثر مؤخرا بين الجزائر وتونس، حيث أصبح التنسيق بين الدولتين متزايدا بشكل كبير في العديد من المسائل مؤخرا، أضف لذلك الدور المحوري الذي تقوم به الجزائر مؤخرا في مجالها الإقليمي والدولي تصبح محجًّا للعديد من القوى الإقليمية والدولية للتنسيق في العديد من المسائل الجيوسياسية والطاقوية والاقتصادية وغيرها، مما أثار حفيظة سلطات المخزن المغربي الذي استعان بالكيان الصهيوني ظنا منه أن هذا التنسيق سيمهد الطريق للمملكة المغربية للعب أدوار ريادية في القارة الإفريقية، وبدأ فشل هذا الطموح عند دعم غالبية الدول الإفريقية للمقترح الجزائري بتحييد دور الرقابة الإسرائيلية في الاتحاد الإفريقي سابقا وهو الانتصار الدبلوماسي الكبير للجزائر في إفريقيا، وكذا مشروع أنابيب الطاقة النيجيرية التي سعى الطرف المغربي في كل الجهات لجعل الأراضي المغربية ممرا لهذه الأنابيب نحو دول الاتحاد الأوروبي، وقد سبقتها الجزائر بأشواط كبيرة في هذا الميدان وأمضت اتفاقياتها مع كل من نيجيريا والنيجر لتصبح الصحراء الجزائرية الكبرى ممرا لهذه الأنابيب الطاقوية نحو أوروبا وهو المشروع الذي يشارف على نهاية إنجازه.

نعتقد بأن العداء الذي تُكنُّه سلطات المخزن تجاه الجزائر لم يأت من فراغ، بل نتاجا للتوصيات الصهيونية التي تسعى لتحييد دور الجزائر في القارة الإفريقية، وسيعلم الأشقاء في المغرب بأن سياستهم لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ستغلق عليهم كل الأبواب الإفريقية وحتى الأوروبية قريبا عندما يمسي المغرب على الهامش الجيو استراتيجي الإفريقي والمتوسطي، وحتى الأطلسي بعد أن كانت لديه بعض المُتَنَفَّسَات مع بلدان الإقليم خلال السنوات القليلة الماضية. ذلك لأن الموقف الإسباني الذي يستندون عليه لتبرير احتلالهم للصحراء الغربية سيتغير قريبا لصالح الشعب الصحراوي، نظرا لتعامل الإسبانيين مع المغرب بمنطق المصالح الآنية لا بمنطق الموالاة، ونظرا أيضا إلى أن الموقف الإسباني الذي صدر شهر آذار مارس الماضي لا يخدم مصالح إسبانيا مستقبلا في إفريقيا، ويهز ثقتها لدى الدول الإفريقية وعلى رأسها الجزائر. وقد أصبحت ملامح تغير الموقف الإسباني بادية من خلال تصريحات بعض مسؤوليها وبرلمانييها الذين رفضوا الانحياز الاسباني للمواقف المغربية تجاه ملف الصحراء الغربية، في الوقت الذي تستجدي فيه كل الدول الأوروبية الجزائرَ لتزيد من ضخ مستويات الغاز للدول الأوروبية ليُعتبر الموقف الإسباني موقفا شاذّا على المستوى الأوروبي.

إن سياسة المغرب الخارجية المبنية على غربلة العدو والصديق من خلال معيار المواقف من الصحراء الغربية ستأخذ بالمملكة نحو العزلة أكثر فأكثر، لأن الدول عموما في العلاقات الدولية تتعامل بمنطق المصلحة الاستراتيجية، لا بمنطق المواقف الآنية لأن هذه الأخيرة تتغير بتغير المصالح. فماذا بقي للمخزن المغربي في منطقته بعد أن استعدى كل جيرانه وشركائه في الإقليم؟. وأثبت للجميع بأن إسرائيل لا ولن تقدم له أي شيء يخدم مصالحه بل بالعكس من ذلك أصبح المغرب بمثابة “إسرائيل ثانية” منبوذة كالكيان الصهيوني في منطقته. فبدل أن يسعى المغرب لتحرير مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للحكم الإسباني لحد الساعة، وبدل أن يقوم بحل القضية الصحراوية وفق ما تقتضيه القرارات الأممية والدولية يسعى في كل جهة لاستعداء الجميع وزيادة حاجز العزلة في إقليمه، وهذا ما سيزيد في هوة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب، وقد قطع كل الطرق أمام جيرانيه لبناء علاقات طيبة ومتوازنة تخدم مصالح شعبه بسياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني وباستعداء الجميع في المنطقة، لتصبح سياسة المغرب الخارجية حاليا “صفر أصدقاء، صفر مصالح”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!