الجزائر

المفكر أحمد بن نعمان ينعي الراحل سعدي

الشروق أونلاين
  • 317
  • 0
أرشيف
أحمد بن نعمان

لا أملك في هذه اللحظات الحزينة الثقيلة بالألم والمليئة بآلاف الذكريات التي جمعتني بفقيد الأمة والوطن الصديق العزيز الدكتور عثمان سعدي رفيق الدرب الطويل في مواجهة كل تقلبات الاستحلال بعد نكبات وأهوال الاحتلال الذي قضى عليه الشعب في سبع سنين ليجد نفسه أمام الاستحلال الأخطر الذي استفحل في غفلة من الرجال وتواطؤ المتوارثين للخيانة مع العدو الظاهر والباطن الغائب الحاضر بقوة بعد السن الخمسين!
لا يسعني الا ان اعبر بهذه الكلمات النثرية الشبيهة بالشعرية وما أنا بشاعر!
ولكن أن خانتني العبارات لوصف ألم الحزن عن فراق الشخص المناسب في الظرف غير المناسب فإن عزائي للجزائر والعائلة السعدية الصغرى والعائلة الوطنية الكبرى هو صدق المشاعر والجود بالموجود الحاضر إلى أن نفرد له ما يستحقه من ذكر لأبرز مناقبه الجهادية المتعددة في الداخل والخارج دفاعا عن هوية الجزائر وأمجادها عبر التاريخ في الماضي والحاضر…
لقد عرفت الفقيد منذ الستينيات في جامعة الجزائر هو الأستاذ النشيط والمحاضر وأنا الطالب المجتهد الخارج من جيش التحرير المهتم بمواصلة الجهاد ضد الاستحلال في الحاضر!
وقد وجدت نفسي وإياه على خط دفاعي وطني واحد مستقيم منذ الفاتحين الأولين إلى فاتح نوفمبر في القرن العشرين وبقينا سائرين على نهجهم في السراء والضراء ومجابهة الأعداء في كل النكسات المتعاقبة على الثوابت الوطنية وجوهر الهوية عبر التاريخ مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء والرفقاء الراحلين منهم والأحياء المنتظرين…
فنبنا عن الدولة المغيبة حينذاك عن تطبيق المادة الثالثة من الدستور بتأسيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية وكان هو رئيسها بالانتخاب وكنت نائبه منذ ذلك التأسيس وبقيت معه إلى الآن دون انقلاب!
وقد كان لنا دور مشهود مع كل الوطنيين الشرفاء في صدور اول قانون للغة العربية عندنا على غرار قانون اللغة الفرنسية الصادر في فرنسا السيدة على أرضها اعتقادا منا بأننا مستقلون مثلها!
ورغم كل المناورات والعراقيل التي واجهت القانون، إلا أن عزيمة الرجال الأوفياء اوصلته إلى مرحلة التصديق عليه بالإجماع في البرلمان ولكن الأعداء إن فشلوا في عرقلة التصديق والصدور على الورق في الجريدة الرسمية فقد نجحوا في تأجيل تطبيقه إلى ما بعد سنتين بعد الصدور فتأخر موقعه في الجريدة الرسمية عن قطع الذّنَبِ (كما قال حينها رحمه الله في خطاب رسمي: ضربنا الاستعمار لرأسه حرك ذَنَبَه!) فذهب به الذّنَبُ وما كسب بعد سنتين وبقي الحال على ما هو عليه حتى الآن بدون إلغاء القانون نفسه ودون تطبيقه في الميدان بعد الثلاثين من تقلبات السنين؟
ولكن الفقيد ظل ينافح عن قانون الشعب بكل إخلاص حاضرا وغائبا بدون توقف لنشاطه الى آخر لحظة من حياته في صبيحة هذا اليوم!!
وقد رحل عنا وفي نفسه شيء كثير منه يشفع له عن وفائه وإخلاصه لشعبه ووطنه وصدقه عند ربه!
واننا نقول له بأن الحق مهما غطاه غمام الباطل المزيف فلا بد أن يظهر ويسطع مثل الهلال بعد أكثر من 130 سنة من ظلام الاحتلال وان شمس الحقيقة لا تلبث أن تظهر إلى العيان مهما غمت على مجموعة من العميان؟
والتاريخ ينصف المجتهدين العاملين الصادقين غير الخاطئين، وقد يغفر للجاهلين ولكنه لا يرحم ولا يغفر أبدا للخائنين!
والتاريخ الوطني مبسوط أمامنا كالحصيرة لكل ذي بصر وبصيرة وهبه الله القدرة على التفريق والتمييز بين الوطنية والبَطَنِيّة وبين الشرف والعلف وبين الجنسية والهوية والغاية والوسيلة والأمة والقبيلة وبين الاحتلال العسكري المباشر والاستقلال المبطن بالاستحلال الثقافي الظاهر الذي يعكس الحقائق ويقلب المفاهيم ليصير الهزائم غنائم
و الانتصارات أوهام وهزائم في قاموس الأعداء، ولكن هيهات أن ينقلب الدخيل إلى أصيل والخيانة إلى أمانة!
وإن الخبر اليقين عند شعب الشهداء الذي قرر مصيره بكل إرادته مرتين وسيكررها كلما أتيحت له الفرصة في أي حين!
وفقيدنا هو من أبناء هذا الشعب الأصيل الذي لا ينساه في أبنائه الأوفياء الراحلين الأحياء الخالدين في وجدانه إلى يوم الدين!

مقالات ذات صلة