الرأي

المنطق غير المنطوق

عمار يزلي
  • 630
  • 3
ح.م

التعامل مع المجتمع الجزائري، من منظور سوسيولوجي في مسألة رد الفعل من التعامل مع الجائحة، يقتضي أن نحلل البنية الذهنية والسيكولوجية الجزائرية، ليس على سرير فرويدي، بل على كرسي “يونغي” (كارل غوستاف يونع، تلميذ فرويد)، بل أكثر من ذلك، يقتضي دراسة سوسيو نفسية للتركيبة الاجتماعية عبر التاريخ الجزائري المتشعب المتقاطع والمتداخل مع كل البني الذهنية والإثنية والثقافية عبر سيرورة التاريخ، عبر مراحل النكوص والتطور والانكفاء والتحجم والنمو، لهذا سيكون من الصعب أن تفسر رد فعل الجزائري تجاه قضية محددة مثل رده فعله تجاه جائجة كورونا.

أولا، علينا أن نعرف أن 75% من سكان الجزائر هم تحت سن الأربعين سنة، يعني، شباب، إذا اعتبرنا أن سن الشباب اليوم قد يمتد إلى 35 سنة بسبب تأخر الزواج والعزوبية بالنسبة للذكر ونحو 28 سنة للإناث، غير أن 75%، هذه التي تمثل أغلبية الشعب ما دون الأربعين، هم في الوقع من حيث نمو البنية الذهنية التي تشحذها التجارب المختلفة منذ الصغر، لا يتجاوز معدل سنها الافتراضي 15 سنة.. أي أن أغلبية المكون الشعبي الوطني من الشباب هم بذهنية ما دون الشباب، وهذا ليس انتقاصا لا من مرحلة المراهقة ولا من مستوى وعي الشباب، لكن عمر الانسان ليس بعمره السني، بل بتجاربه الانسانية والعملية. الشاب الذي أفنى شبابه وصغره منذ أقل من 10 سنوات في الكد والعمل، وعمره الآن 20 سنة، ليس هو نفس عقل شاب من نفس الفئة العمرية، لكنه لم يعش أية تجربة حياتية، تعلم في كل الأطوار على مسافة 100 متر وحياته طيلة 20 سنة لم تخرج عن دائرة البيت والمدرسة. هذا الشاب، رغم أنه سيصل إلى 40 سنة بعد 20 سنة، لكن عمره الفعلي لن يتجاوز 20، وإذن فهو يعيش بذهنية وسلوك وتصرف تأثري انفعالي، عاطفي طيلة هذه السنوات.

تضاف إلى هذه الميزة، تداخلات التنشئة الاجتماعية والتربية الخاصة والعامة التي تلقاها والإرث البيولوجي والنفسي، والكدمات السيكولوجية التي تلقاها منذ الولاة وحتى أيام التعليم والعمل، كلها تجعل من هذه الفئة التي تساوي الآن 75% من مجموع السكان، فئة هشة سيكولوجيا واجتماعيا وثقافيا حتى بالنسبة لمن تعلموا ودرسوا وصاروا “متعلمين” وإطارات بعد الثلاثين من العمر. إنهم يفكرون بعفوية وغريزة انفعالية غير مبررة للآخرين، لكن لها تبريرها عندهم: لهذا، فجزء من هذه النسبة، في مسألة الجائجة على سبيل المثال فقط، إما “ينكر”، وهو يعلم أنها حالة إنكار ذاتية، أو يكابر، وهم يعلم أنه يكابر، لكن يدعي أن الآخرين هم الغلاة. أو يشك، لأنه تعلم ألا يثق في أحد ممن حوله، بفعل البارانويا والإخفاقات أو غيرها، أو يرفض ويعارض، أو في أحسن الأحوال “يحب” بعنف، فيحول حبه إلى نوع من جلد الذات والتعذيب الذاتي أو التخريب النفسي، بأن يصوب كل نقده تجاه السلطة والدولة والنظام في كل صغيرة وكبيرة، ولا يعطي لنفسه فرصة وعناء التفكير في الذات الناقدة: ماذا فعلت هي وماذا قدمت ولماذا لم تقدم ولماذا لم تفعل، وإذا فعل وقدمت، يقدم نفسه على أنه ضحية أو محل مؤامرة أو محل استهداف، لأنه كذا أو كذا أو لأن الاخرين هم كيت وكيت.. لهذا، نجد هذه النماذج الذهنية، ترفض الاعتراف بالخطأ وتعمل على تحميل الآخرين كل الاخفاقات بما فيها اخفاقاتها الذاتية.

مقالات ذات صلة