-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المنظومة التّربوية والمكر المتدرّج!

سلطان بركاني
  • 2094
  • 0
المنظومة التّربوية والمكر المتدرّج!

لا حديث هذه الأيام في وسائل الإعلام وفي الأوساط العامّة والخاصّة، إلا عن الدّخول المدرسيّ، وعن واقع المنظومة التربوية التي أريد لها -عن سبق إصرار وترصّد- أن تصبح حقلا لتجارب أصحاب الولاءات والمشاريع المشبوهة، الذين استغلّوا انشغال الأساتذة والمعلّمين بحظوظهم المادية، وانشغال الأولياء والتلاميذ والطّلبة بمشاكل التعليم العَرضيّة، ليُجلبوا بخيلهم ورجلهم على عناصر الهوية في المنظومة التربوية.

لقد استطاعت الجهات العلمانية المتنفذة وعلى مدار عقود متوالية من المكر المتدرّج، فرض توجهاتها، وأمكنها تحقيقُ مآربها في علمنة التّعليم وفصله عن الدّين، ولم يعد للدّين من حظ في التعليم سوى مادة مهمّشة لا تؤصّل عقيدة ولا تعلّم شريعة، ولا تصنع ولاءً ولا انتماءً، ومع ذلك فالعمل جارٍ لإلغائها، أو استبدالها بموادّ تؤصّل لهويات جديدة لا مكان بينها للدّين الإسلامي واللغة العربية، ولعلّنا لا نكون مبالغين إن قلنا إنّ الجهات المشبوهة استطاعت إلهاء المنافحين عن الثّوابت، بالدفاع عن اللغة العربية، بينما هي ترّكز مكرها على التربية الإسلامية، وعلى قطع ما بقي من خيوط رفيعة تربط التّعليم بالدّين.

لقد أصبح لزاما علينا أن نعترف بأنّ الأقلية المستغربة في هذا البلد، نجحت في الوصول إلى كثير من مآربها، وتمكّنت من إخراج جيل لا مكان للدّين ولا للّغة في حياته ولا في مساحة اهتماماته؛ ولا حظّ لواقع الأمة ومستقبلها من همومه وآماله؛ جيل أصبح الحديث عن الدّين والقيم والمبادئ حديثا لا يعنيه ولا يسترعي انتباهه، والكلام عن مآسي الأمّة ونكباتها لا يحرّك شيئا من مشاعره، لا يحبّ سماع كلمة “حرام” أو “عيب”، وينفر من كلّ حديث عن “الفرض” و”الواجب”.

ألقي الحبل على الغارب في المدارس والمؤسّسات التعليمية، وغُضّ الطّرفُ عن الانحدار الأخلاقيّ الحاصل بين أسوارها، حتى أصبحت المخدرات تروّج بين بعض المتمدرسين والمتمدرسات في الإكماليات والثانويات، وتحوّلت الساحات الخلفية لبعض الثانويات، ناهيك عن الجامعات إلى نوادٍ للقاءات والخلوات، وغدت الطرق والشّوارع المؤدية إلى الإكماليات والثانويات والجامعات ملاذا للطائشين المتشبّبين بأعراض الغاديات والرائحات اللاتي لا يهمّ كثيرا منهنّ ما يحملنه في محافظهنّ، بقدر ما يهمهنّ ما يناسب القدّ من ألوان الملابس وأشكالها.

إنّ هذه الظّواهر والمظاهر، وهذا الحال الذي آلت إليه المؤسّسات التعليميّة، تتحمّل مسؤوليته الجهات الوصية، ويتحمّل مسؤوليته أيضا الآباء والمعلمون والأساتذة؛ الآباء والأمهات مسؤولون بين يدي الله عن هذه المظاهر، مسؤولون عن أبنائهم وبناتهم، فليس اقتناء المآزر والأدوات المدرسية هو نهاية المطاف، وإنّما لا بدّ من متابعة ومراقبة ونصح متواصل، وزجر وتأنيب كلّما بدر خطأ مهما كان بسيطا.. كثير من الآباء -هدانا الله وإياهم- لا يعلم الواحد منهم عن حال بناته وأبنائه المتمدرسين شيئا، لا يعلم إن كان أبناؤه يقضون ساعات اليوم في المدارس أم في الخلوات، لا يهمّه ولا يضرّه أن تتعرّض بناته في طريق المدرسة للمضايقات والتحرّشات، لا يسأل أبناءَه عن دراستهم، ولا يسأل بناته عن مشاكلهنّ في المدرسة وفي طريقها، المهمّ عنده أن يشتري الكرّاس والقلم، وألا يثقل أبناؤه كاهلَه بكثرة الطلبات.

المعلمون والأساتذة أيضا مسؤولون بين يدي الله عن هذه المظاهر والظّواهر التي شوّهت صورة التّعليم، فهم أصحاب رسالة ومربّون قبل أن يكونوا أستاذة ومعلّمين، بل إنّ رسالتهم أهمّ وأخطر من رسالة الأئمّة والدّعاة؛ لأنهم القدوة الأولى لأجيال المستقبل، فإذا كان المعلّم يدخن فإنّ تلاميذه سيتعاطون المخدرات، وإذا كان لا يحترم الوقت ولا يتقي الله فيما يتقاضاه من راتب، فلا ينبغي أن ينتظر من تلاميذه إلا العقوق والكلام الفاحش والبذيء، وإذا كان لا يكلف نفسه عناء البحث والاجتهاد لتطوير قدراته في الإلقاء وإدارة الدروس ليحبب الحصص إلى تلاميذه ويجعلها متعة بدل أن تكون سجنا موحشا، ولا يهمه أن يثمّن معلوماته ويبحث عن الجديد كلّ عام، فإنّه سيكون حملا ثقيلا على طلبته وتلاميذه.

إنّ من واجب الأولياء والمعلّمين والأساتذة الفضلاء أن يربّوا التّلاميذ والطّلبة على أنّ الشهادة ليست هي الهدف عند من يحمل عقيدة بين جنبيه، الهدف ليس أن نُخرّج أطباء ومهندسين بغضّ النظر عن الهمّ الذي يحملونه، الهدف من التعليم هو أن نربي جيلاً يفخر بدينه، وينافح ويدافع عنه، وينشره في العالمين، إن كان طبيباً في عيادته، أو مهندساً في مصنعه، أو معلما في مدرسته، لا أن نربي جيلاً مهزوز العقيدة، لا يحمل قيَما ولا هدفا، المال دينه والدنيا غاية همّه.

إنّ الإسلام في أمسّ الحاجة إلى الطبيب المسلم العفيف الذي يكون أميناً على أرواح الناس وأعراضهم، وإلى الأستاذ الذي يحمل رسالة وهدفا بين جنبيه، وإلى الموظّف الأمين الذي يجتهد ويفرح بقضاء حوائج إخوانه المسلمين، وإلى التاجر الأمين الذي يثق الناس به وببضاعته، تماما كما هو في حاجة إلى العالم بالشرع البصير بدين الناس ودنياهم.. وهؤلاء جميعا يتمّ إعدادهم في المدرسة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!