الرأي

المهن “الخطيرة” والامتيازات “المريحة”

ح. م

بمجرّد أن أوقفت الحكومة – متأخرة جدا – نزيف التقاعد المسبّق، الذي تحوّل إلى استراحة لرجال ونساء وحتى شباب، لم يسبق لهم وأن حاربوا أصلا، وفتحت بابا استثنائيا لبعض المهن، التي سمتها بالخطيرة، من دون أن تذكرها بالاسم، حتى باشر العديد من “المختصين” في اللعب على كل الأوتار، تصنيف المهن حسب أهوائهم، وجعل ما ضمّت الأحباب والأصحاب هي الأخطر، ويجب أن يكافأ “محاربوها” بالتقاعد المسبّق، ليباشروا أعمالهم الموازية واستثماراتهم أو حتى هجرتهم إلى خارج البلاد، حتى صارت الجزائر هي البلاد الوحيدة في العالم التي تضم شبابا متقاعدين بعضهم في سن شباب لم ينعموا بعد بالعمل.

ونعتقد جازمين، بأن الحكومة بكل أعضائها، لو وقفت أمام الملأ وأقسمت بالله، بأن البلاد تمرّ بفترة مالية صعبة، وقدّمت الأدلة الرقمية القاطعة، التي تبيّن بأن ما ينزل من غيث النفط، لا يكفي لإرواء واحة واحدة وربما نخلة واحدة، فلن تجد من يصدقها أو على الأقل يرأف بحالها، ليس لأن حبل الثقة مقطوع بين القمة والقاعدة منذ زمن بعيد فقط، وإنما للذاتية التي صار يعيش بها الكثير منا، مقتنع بأن البلاد بقيت فيها قطعة صغيرة من الحلوى، ويجب خطفها، ولو بتحويل مهنة الطبيب أو المعلم أو المهندس أو حتى السياسي بالخطيرة، التي يستحق ممارسها جائزة نهاية الخدمة قبل الخدمة، عبر تقاعد مسبّق صار في الجزائر جزءا من الاقتصاد، وقد تتحوّل هذه المطالب بإدراج هاته المهن المريحة ضمن خانة الخطيرة، إلى إضرابات واعتصامات من رجال أشداء يقطعون الطرقات ويُضربون عن الطعام ويزعمون بأن الرأس قد شاب والعظم وهن، في سنوات معاركهم المهنية.

فمنذ أن أعلنت السلطات الجزائرية انتهاء شهر العسل الذي دام “شهورا” للأبد، وقدمت تشخيصا شاملا للحالة وتداعياتها، لم تظهر أية محاولة جادة لإيجاد العلاج، وخلق الثروة أو تقديم مشروع أمة يُقنع المواطنين، فيلتفون من حوله، ويُؤثرُون على أنفسهم، وبقيت الأمور تدور في حلقة الحلول السهلة أو العودة إلى الوضع الطبيعي، ومن هاته الحلول تفكيك “قنبلة” التقاعد المسبق، الذي صار عبئا ماليا قد يجرّ البلاد نحو الإفلاس، ولم تظهر من المجتمع أيضا أية التفاته للملايين من العاطلين عن العمل، الذين لم ينعموا بالشغل فما بالك بالتقاعد المسبق.

وفي الأزمات الكبرى، عندما يصبح كل طرف يبحث عن مخرج له، ولا تهمه الجماعة ولا يلتفت إلى من حوله، كما هو حاصل حاليا، عندما قدّم كل قطاع من صناعي إلى تربوي إلى إداري، نفسه على أنه مُتعب في مهنته الخطيرة، وهو الأجدر بالتقاعد المسبق، فإن الحل سيبقى مؤجلا، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، لأنه معروف في عالم الطب بأنه كلما تُرك العضو مريضا، إلا وتدهورت حالته، والخلية الخبيثة، تلد خلية خبيثة للأسف الشديد. 

مقالات ذات صلة