-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النار وكورونا والحرارة  

النار وكورونا والحرارة  

إذا كانت جائحة كورونا مجرد عاصفة آنية ستغادر طال تغيّر سلالاتها أم قصر، وإذا كانت الحكومة الجديدة قد جرّت حارقي الغابات إلى غاية المؤبد كحكم أثلج الصدور في حق أعداء الأخضر، فإن الجزائر أمام ظاهرة جوية جديدة وخطيرة يجب أن تتعامل معها بأسلوب حياة جديد، من خلال برامج جديدة يرسمها علماء في شتى المجالات.

لقد تصحّرت الجزائر في السنوات الأخيرة، وجاء صيف 2021 ليبصم على مناخ جزائري جديد بعد أن فشلت سياسات التشجير وتبخر مشروع القرن الذي رسمه المفكر مالك بن نبي وحاول تطبيقه الرئيس الراحل هواري بومدين في إنجاز السد الأخضر الذي يزرع الأدغال في قلب الجزائر، ويردّ الصحراء خطوات إلى الخلف مكانيا، فالذي يزور ولاية تبسة أو الشلف أو عين الدفلى أو غيرها من مدن الشمال بما فيها الساحلية لا يجد ما ينفي التصحر عن مدننا وقرانا.

تُعرّف الحرارة الشديدة بأنها العدو الأول للنشاط وللعمل عموما، وأي تحد ترفعه الجزائر أو مشروع أمة كبير في طريق التنمية وبناء الجزائر الجديدة لا بدّ وأن يزيل كل المعوقات، ومن غير الممكن أن ننزع من عمر السنة بضعة أشهر من الخمول بسبب الحرارة الشديدة التي قاربت الخمسين في مدن شمالية وجعلت من الحياة مستحيلة فما بالك بالعمل. والعامل البسيط وحتى المدير الذي لا يجد ظروف العمل السانحة في فصل الحرّ لن يعاتبه أحد إن فرّ من مكان عمله أو حوّله إلى مرقد للخمول، وكل قطاع معني برسم خارطة عمل جديدة تماشيا مع الوضع المناخي الجديد، وشلّ مواقيت العمل الصيفية القديمة التي ورثناها من عهد الاستعمار وهي في الأصل أوروبية.

كان حلم المفكر مالك بن نبي وهو يضع مشروع السد الأخضر على طاولة هواري بومدين في أن تتحوّل الجزائر إلى كاليفورنيا قبل “كاليفورنيا” أو إلى دبي قبل “دبي”، ولكن التجسيد خاب بسبب السياسة الشعبوية التي مازالت موجودة لحد الآن، فمنذ أن صارت النار تبتلع آلاف الهكتارات سنويا، واشتدّ الحرور، وغابت الدولة عن عمليات التشجير العلمية والعملية بعيدا عن منح شجيرات لرؤساء بلديات تذبل بين أيديهم قبل أن ينهوا أخذ صور “السيلفي”، فلا الغابة عادت إلى اخضرارها ولا التصحر توقف عن زحفه المدعّم بسلوكياتنا غير الحضارية.

هناك نماذج كثيرة في الخليج العربي وأمريكا اللاتينية وآسيا عن بلدان غلبت التصحر بالضربة القاضية وأخرى أعادت الغابات أكثر رونقا واقتصادا يمكن الاستفادة من تجاربها، وهناك نموذج أبان فشله عن مدار نصف قرن من خلال حصر التشجير في جولات التطوع التي لا يمكنها أن تمنحنا الأمل الأخضر الذي صار ضروريا من أجل التخفيف من الحرارة ومنح العين شهية النشوة والانتعاش وإعادة الوجه الجميل لمدننا وقرانا، فيكفي الآن أن تترك أذنيك في أي تجمع بين اثنين أو أكثر، لتعرف بأن لا حديث ولا ألم في الجزائر، غير كورونا والنار والحرارة وطبعا سلبية القاعدة والقمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حمودة عبد الرزاق

    اخي يقرا كل ما تكتبه

  • براهيم بن براهيم

    فعلا مقال جيد، أحسنت تشخيص الإشكال، لكن مع الأسف على من تقرأ زبورك ياداوود....؟؟ لقد أسمعت لو ناديت حيا **ولكن لا حياة لمن تنادي القوم مشغولون يار جل بترسيخ الأقدام على الكرسي (( واحد ماهو سامع بيك)).....والله المستعان.