النجاة بالجزائر أولا…
أشعر اليوم وكأن الكل يريد أن ينجو بنفسه، ويحل مشكلاته على طريقته، بعيدا عن الآخر، والأكثر من ذلك بعيدا عن الجزائر.. كلٌّ يغوص في قاع قطاعه، حيث لا يجد إلا الحجارة والأشواك، وكأنه في هذه اللحظة فقط اكتشف أنه لم يزرع شيئا، وكأنه اليوم فقط اكتشف نتائج سنوات من العمل الارتجالي الخالي من أي استراتيجية ومن أي أفق مستقبلي… اليوم فقط يكتشف أن بلاده تسير من غير رؤية واضحة ولا معالم على الطريق. سياسات متناقضة وقرارات غير مرتبطة ببعضها، ومسؤولون يَلعن اللاحق منهم السابق ويضحك الأول منهم على الثاني، الذي سيعرف نفس المصير…
هكذا أرى الحال وأسأل: هل هي نهاية مرحلة وبداية أخرى؟ أم هي نهايةٌ ما بعدها مجهول؟
هي نهاية بلا شك، نهاية أسلوب في إدارة شؤون الدولة استنفد كل طاقاته، وأساليبه في الإقناع لم تعد تجدي، ووسائله في الحكم لم تعد تنفع، ورجال ونساء لم يعد بإمكانهم التكيف مع الحاضر فما بالك بابتكار وسائل جديدة للعيش في المستقبل.
أما كونها نهاية نجهل ما بعدها فذلك يتوقف على الإرادة التي نملك والفعل الذي نختار.
إذا ما استبقنا الأمور في الوقت القليل المتبقي لنا، فإننا يُمكن أن نَصنع بداية جديدة، تستفيد من أخطاء الماضي وتزيح تدريجيا ما زرعناه بأنفسنا من حجارة وأشواك على طريق تقدمنا… أما إذا ما استمر كلٌّ يقفز من قاربه للنجاة بنفسه، هذا في قطاع التربية والتعليم العالي، وذاك في النقل والصناعة والتجارة والآخر في مجال إدارة شؤون الدولة والحكم وآخرون في ما بقي من قطاعات غدا أو بعد غد، كل يسعى إلى تأمين نفسه قبل القفز من القارب، فإننا سنفقد أنفسنا جميعا وسَنُدخِل بلادنا – لا قدّر الله– في تلك المتاهات التي دخلتها بلدان شقيقة وصديقة…
إننا في حاجة اليوم إلى التفكير في بديل للنجاة الجماعية أكثر من حاجتنا إلى نجاة كل بنفسه. وهذا لن يتم إلا بالإسراع بحلين أساسيين ومتزامنين معا: إعادة بناء شرعية نظام الحكم من القمة إلى القاعدة في أقرب الآجال، وتنظيم ندوات قطاعات مفتوحة لكافة الشرائح الاجتماعية لصياغة رؤية استشرافية من أجل جزائر الغد نستطيع أن نعبر من خلالها القرن الحادي والعشرين بسلام.
لن تجدي نجاة كلِّ شخص بنفسه فقط.. لأنها ستكون نجاة مؤقتة.. سارعوا إلى النجاة بالجزائر لكي ننجو جميعا معها، فهي وحدها الأمل…