-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ما لا يقال

النخبة والتغيير

النخبة والتغيير

هل للنخبة دور تاريخي في صناعة الثورات العربية؟ وكيف تتعامل اليوم مع ثورة الشباب في الوطن العربي؟وهل يمكن للنخبة في الجزائر أن يكون لها دور في المستقبل القريب؟

  • أسئلة قد تتبادر للأذهان وتحتاج إلى إجابات واضحة.
  • نخبة 1852؟
  • إذا أردنا أن نؤرخ لظهور النخبة فسنعود إلى عام 1852 عندما جمعت فرنسا أعيان الجزائر والوطن العربي في قصر فارساي، وكانوا يشكلون النخبة في الأقطار العربية. وحين عادوا إلى بلدانهم نقلوا ما عاشوه، ومن يقرأ سلسلة مقالات سليمان بن الصيام ومحمد السعيد بن علي الشريف المنشورة في جريدة “المبشر” عامي 1852 – 1853يكتشف أن النخبة كانت منقسة ما بين الانبهار بالحضارة الفرنسية والانتصار لها ممثلة في إبن علي الشريف وما بين المشكك في نوايا الاستعمار والداعي إلى الانتصار للجزائر ممثلة في ابن الصيام. وهي نخبة كانت تكتب باللغة العربية تقابلها نخبة بالتوجه نفسه كانت تكتب باللغة الفرنسية.  ومع مطلع القرن العشرين (1900) بدأت تتشكل في الجزائر والوطن العربي نخبة جديدة تبلورت مضامينها حول تحرير فلسطين بعد وعد بلفور، ودعم الثورات الشعبية وأفرزت في مصر نخبة داخل المؤسسة العسكرية المصرية فأطلقت على نفسها اسم (الضباط الأحرار) وقادت التغيير في 23 جويلية 1952 ولكنها فضلت أن تلتف حول الزعيم عبد الناصر.
  • وبالمقابل اختلفت النخبة مع الزعيم مصالي الحاج، وانشق حزب الشعب، فاضطرت النخبة في الجناح المسلح لحزب الشعب أن تقود الثورة لتحرير الجزائر وأطلقت على نفسها مجموعة (الـ 22)
  • ومثلما التف الشعب المصري والنخب حول (الضباط الأحرار) التف الشعب الجزائري ونخبه حول مجموعة (22)، ووجدت في جميع الأقطار العربية دعما ماديا ومعنويا، ومنابر إعلامية، وكانت النتيجة طبيعية وهي انتصار الثورة، وظهور الزعيم.
  • وتحول الزعيمان المصري والجزائري إلى بطلين بعد أن سحبا البطولة من الشعبين، بسبب التفاف النخب حولهما. وتقاسم الرئاسة في مصر كل من جمال عبد الناصر والسادات وحسني مبارك خلال 60 سنة، ومات الأول في ظروف غامضة واغتيل الثاني وأزاح الشعب الرئيس الثالث، وعاشت النخب المصرية ما بين المساندين لنظام الحكم أو المعارضين أو المنتقدين له، وكشفت الثورة الشعبية وجود “نخبة جديدة” هي عائلة الرئيس التي أحيلت على العدالة.
  • هيكل سليمان!
  • يجسد “هيكل سليمان” نموذجا إرثيا للحاكم العربي، فسليمان بقي ميتا وهو متكئ على عصاه ولولا دودة صغيرة نهشت عصاه فسقط، لما اكتشفت الشعوب العربية أن الحاكم يموت.
  • ولولا انقلاب 19 جوان لبقي أحمد بن بلة رئيسا يعتز بغير جزائريته. ولو لا المرض الذي ألمّ بالرئيس هواري بومدين، في ظروف غامضة، لبقينا تحت رحمة الثورات  الثلاث دون الولوج إلى الثورة التكنولوجية والمعلوماتية.
  • وتاريخ النخب الثقافية في الوطن العربي وخاصة في مصر والجزائر ارتبط بالمقاهي؛ ففي مصر كانت مقهى الفيشاوي وريش مرتبطة بنظامي عبد الناصر والسادات، وارتبطت مقهى “الفريون” بنظام حسين مبارك.
  • وفي الجزائر ارتبطت مقهى “طونطنفيل” بنظام أحمد بن بلة، وارتبطت مقهى “لوتيس” بنظام بومدين، وليس غريبا أن يلجأ أمين الزاوي، في عهد بوتفليقة، إلى إنشاء المقهى الثقافي بالمكتبة الوطنية، غير أن العهدة الثالثة قضت على مقاهي النخبة وجاءت بصالونات الفنادق وجلسات المساندة والولاء.
  • والثورة التي اندلعت من تونس ثم مصر ها هي تعم معظم الأقطار العربية تجد صعوبة في احتواء النخبة في الدفاع عنها. فإذا استثنينا المفكر الفلسطيني عزمي بشارة فإن بقية النخب ما تزال مصدومة وغير مصدقة، حتى أنني بدأت أطالع تسميات غريبة؛ ففي مصر هناك من حمل شعار: “أم الثورات” على طريقة شعار نابليون (مصر أم الدنيا) أو محاولة التقليل من شأن الثورة بالزعم بأنها جاءت بـ (الفتنة الدينية) مثلما يحاول البعض الإساءة إلى الثورة التونسية بتسويق شعار “الفوضى وعدم الأمن”
  • ما لم تستطع النخبة المثقفة ــ وأقصد الوسط الجامعي ــ إدراكه أن المؤسسة العسكرية التي حمت حسني مبارك تخلت عنه ولن تتخلى عن السلطة، وأن المؤسسة العسكرية التي كانت في أيدي الرئيس التونسي انتقلت إلى من يخلفه.
  • ومستقبل الثورة في تونس ومصر مرهون بمدى قدرة النخب الثقافية في نشر ثقافة التداول على السلطة والرأي والرأي الآخر، وثقافة الإختلاف رحمة، أو لكم دينكم ولي دين.
  • لقد ولدت مصر التي نحبها من رحم ثورة الشباب بعد رحيل نظام حسني مبارك وولدت تونس التي نعتز بمناضليها من رحم نضال نخبها في الداخل والخارج، وستولد ليبيا من رحم شهدائها الذين انهوا حكم زعيم تبنى فكر جمال عبد الناصر وأحمد بن بلة ليستخدمه لقتل شعبه. وسكوت الرئيس السابق أحمد بن بلة حول المجازر التي يرتكبها رفيقه العقيد القذافي هو دليل على سقوط الزعماء الذين حملوا شعارات الوحدة العربية للحكم والبقاء في الحكم.
  • وكل رئيس عربي غادر السلطة بمحض إرادته أو أجبر على ذلك لا يدين الرؤساء والزعماء الذين يقتلون اليوم شعوبهم، إنما هو شريك في الجريمة وهي الصمت.
  • اعتقاد خاطئ
  • أوهم الحكام العرب قادة الغرب بأن الديمقراطية تعني وصول الإسلاميين إلى السلطة، وأن تحرك الشارع هو من صنع التيار الإسلامي فقط.
  • وتبين أن الثورة في تونس ومصر تحققت بفضل الجميع ولا يوجد فضل لأحد على آخر، فالتيار الإسلامي موجود إلى جانب بقية التيارات السياسية، بين شباب الثورة، وفقدت “فزاعة” التخويف بالإسلاميين مصداقيتها، واستخدمت فزاعات أخرى كالإرهاب والفوضى وانهيار الدولة، والفتنة الطائفية وغيرها، إلا أن الواقع يكذّب ما تسوقه الأنظمة.
  • والنخبة الموالية للأنظمة العربية التي تشهد انتفاضات شعبية أو بداية تغيير أو على مشارف تحقيق الانتصار مثلما هي الحال بالنسبة للثورتين اليمنية و الليبية تجتر خطابا غير مقنع فهي تدافع عن أنظمة تدرك أنها بدأت تفقد شرعيتها.
  • وهذا الدفاع المستميت يتمركز في:
  • 1- تعمل نخبة بعض دول الخليج على الإطاحة بالثورة اليمنية لأن نجاحها يعني احتمال انتقالها إلى بعض دول الخليج التي استنجدت بالأردن والمغرب لتوسيع تكتل المقاومة ضد التغيير، وعلى تسويق أطروحتين متناقضتين وهي الإرهاب و”الشيعة”؛ فالإرهاب من صنع النظام اليمني الذي يسمح لأمريكا بالتدخل في الشأن اليمني عسكريا بقصف المواطنين بالصواريخ، والتشيع من صنع النظام الإعلامي العربي والإيراني.
  • 2-  وتعمل النخبة في المشرق العربي أو الدول المحيطة بفلسطين المحتلة على التقليل من شأن ما يحدث في سوريا، بدعم من الغرب، حتى لا يحاصر الكيان الصهيوني، ويهرب اليهود غير الأصليين من فلسطين المحتلة
  • 3- وتعمل النخبة في المغرب العربي على التنديد بالتدخل الأجنبي في ليبيا للإبقاء على نظام القذافي، وتنشر معلومات خاطئة حول ثوار ليبيا، وهي تدرك أن الإطاحة بالقذافي وعائلته حتمي، وتعمل على التخويف من تقسيم ليبيا أو احتلالها.
  • ومن يتوقف عند الإعلام الليبي الرسمي أو السوري الرسمي أو اليمني الرسمي يجد أنه يسوق لفكرة واحدة وهي الخطر من التغيير.
  • أعتقد أن انتصار الثورة الليبية سيحرر المغرب العربي من أنظمة (الريع) ويفتح آفاق التعاون بين شعوب المغرب.
  • وانتصار الحرية في سوريا سيؤدي حتما إلى تحرير فلسطين ويدفع بالشباب العربي إلى استخدام كفاءاتهم العلمية والثقافية لتطوير بلدانهم.
  • ويبدو أن اليمن هي الأكثر استفادة من الثورة لأنها تجرد القبائل من السلاح وتقضي على ثنائية (القبائل – الجيش) وتؤسس لدولة جديدة بسلطة في خدمة الشعب اليمني.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • عبدالسلام

    تحية طيبة الأستاذ الزميل عبدالعالي رزاقي
    كالعادة أستاذنا الكريم تنعشنا بأفكارك الراقية وسط هذا القحط الفكري الذي يكاد يزهدنا فيما ينشر هنا أو هناك من أشباه الاعلاميين الذين لم تبلغهم حتى مسالة ( اكلتني البراغيث)
    اوافقك الرأي أستاذي المحترم في كثير مما قلت الا انني اختلف معك في مسالة ان تحرير سوريا من نظامها القائم سيحرر فلسطين؟
    و أن تحرير ليبيا من نطام القذافي سيحرر المغرب العربي من نظام الريع البترولي
    احتراماتي سيدي الفاضل

    الأستاذ : سليم عبدالسلام صام
    جامعة سطيف

  • فيصل هلالي

    يجدر بالنخب العربية أن لاتنسى تمثيل شعوبها

  • MOHAMED

    اريد فقط من الاستاد ان يضع كل شخص في المقام اللائق.فحسب معرفتي سليمان المدكور في المقال هو نبي من الانبياء.وكل ما يجري للمسلمين بعيدا عن القوميات والايديولجيات هو بما كسبت ا يديهم حتى اصبحنا نسمع عن المنتحرين وقتل الاصول والابناء وما خفي ادهى.اللهم سترك....

  • rachid

    الى الاستاذ الكريم انا من القراء الاوفياء لمقالاتك ومايبدوا حاصلا على الساحة السياسية العربية عامة والجزائرية خاصة ااشبه بالنظرية التي تقول بان تطور العلم يكون بالقطيعة مع الماضي فالد يموقراطية في بلادنا الحبيبة تنضج وتتطور بالقطيعة بين الشعب والسلطة

  • fetiti

    أرجوا من الدكتور العزيزأن يكتب مقالات عن التربية والتعليم التي يعبث بها بن بو زيد وامثاله، شكرا وألف شكر يا أستاذي...

  • belkacem

    بارك الله فيك يا استاذنا