-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النزوح العكسي

النزوح العكسي

خلال زيارته لمدينة قسنطينة أواخر شهر رمضان، قال مستشار رئيس الجمهورية المكلف بمناطق الظل، السيد إبراهيم مراد، كلاما فيه الكثير من المبالغة الممزوج بالأمنيات عن توقعه بأن يحدث في الجزائر نزوحٌ عكسيٌّ بعودة أهل الأرياف والمداشر الجبلية إلى قراهم، تاركين المدن الكبرى، بعد أن وفرت لهم الدولة مستلزمات الحياة الكريمة من خلال مشاريع مناطق الظل على حدّ تعبيره، والحقيقة أن أكثر الناس تفاؤلا في بلادنا بغد أفضل وجزائر جديدة، لا يمكنه أن يتصور هذا الأمر، لأن المسافة التنموية الفاصلة بين العاصمة الجزائرية مثلا، وقرية نائية في جبال جرجرة أو الونشريس أو الحضنة، لا تقل عن النصف قرن، ولن ينسفها أو يقرِّبها عمل بضعة أسابيع أو أشهر، هذا إذا سلّمنا بأن هذا العمل مدروسٌ بدقة ونموذجي.

يتسابق مختلف ولاة الجزائر في الآونة الأخيرة لأجل تقديم أرقام عما تحقق في المناطق التي صنفوها ضمن مناطق الظل، ويركزون على كمية الغاز والكهرباء التي ضخوها في المنطقة وعدد الكيلومترات التي شقّوها أو عبّدوها من الطرقات، وبناء بعض المراكز الصحية، وبرغم أهمية هذه الإنجازات، إلا أنها لا تكفي ولا يمكنها إطلاقا أن تعيد الملايين من العائلات التي حملت أشياءها ومنها من لم تحمل، ونزحت في فجر الاستقلال أو في زمن الثورة الزراعية أو الإرهاب أو الحَراك، وحطت رحالها بوهران أو قسنطينة أو تلمسان أو غيرها من مدن البلاد التي صار يعيش فيها قرابة المئة بالمئة من سكان الجزائر، الذين أفرغوا الأرياف وحوّلوا المدن إلى أرياف فاقدة لمعالمها.

وإذا كان تصنيف هذه المناطق بمستوى الظل، فيه الكثير من الجدل، والاهتمام بالمتطلبات اليومية دون الأساسية التي تمنح أهل القرية حجة البقاء في منطقتهم المضيئة فيه الكثير من الارتجالية، فإن التحدي الكبير لم ينطلق بعد والمراهنة على النزوح العكسي يبدو بعيدا جدا حتى لا نقول مستحيلا، وقد يكون مجرد عودة آنية أو بحث عن جعل الخير خيرين من خلال وضع قدم في الريف والجسد والعقل بالكامل في المدينة.

لا توجد دولة في العالم استطاعت إرجاع أهل الريف إلى قراهم، بالرغم من أن النزوح نحو المدن الكبرى لم يحدث بالشكل الذي حدث في الجزائر إلى درجة أن قرى جبلية بالكامل في تيزي وزو وجيجل وغيرهما من الولايات لم يبق فيها ساكنٌ واحد، ولكن هناك نماذجَ في الدول الاسكندنافية وإسبانيا واليونان وتركيا وفرنسا قدّمت بعض الأرياف كجنان ساحرة تسلب العقول بتحويلها إلى منتجعات سياحية وبساتين من الورود وحظائر للطيور ومناطق لـ”السفاري”، وفجرت فيها ثورات ثروة فلاحية صدّرت منتجاتها وجعلت أبناءها أسيادا على أراضيهم عبر دراسات سوسيولوجية وطوبوغرافية ومناخية معمقة لكل منطقة، حتى لا يكون الطريق المعبّد في جبالنا هو الطريق الذي سينقل ما تبقى من أريافنا إلى المدينة من غير رجعة كسابقيه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • من هناك

    للصراحة والنزاهة والواقعية لا أكثر ولا اقل : .. هناك قرى معلقة في قمم جبلية على ارتفاع 1000 م وأكثر يفضلها الكثيرين عشرات المرات عن المدن لأنها ببساطة تتوفر على كل المستلزمات : كهرباء و محلات تجارية وطريق معبد وماء وغاز ومقهى ومستوصف ومدرسة ابتدائية ... ثم تبقى بعض الخدمات التي رغم أنها لا تتوفر عليها هذا النوع من القرى لكن بمجرد الانتقال لبضعة كلومترات : 2 و 3 و 4 ... كالمتوسطات والثانويات والمستشفى ... ناهيك عن الأمن والأمان ونظافة المحيط وقلة الزحمة والازدحام والبلطجة والسرقات والقرصنة والاعتداءات ... التي تعرف بها المدن الجزائرية .

  • عمار بن ياسر

    وزرائنا وكل المسؤولين الجزائريين متخبطون عببثيون عشوائيون لا يدركون ما يقولون وزرائنا ارتجاليون كلامهم هواء لا عقلاني ضبابي . وزرائنا وكل المسؤولين عندنا عقولهم وارواحهم عائلاتهم وابنائهم باوروبا او امريكا واجسادهم بالجزائر للاسف الشديد .

  • واحد ززايري

    حتى لا يكون الطريق المعبّد في جبالنا هو الطريق الذي سينقل ما تبقى من أريافنا إلى المدينة من غير رجعة كسابقيه. من أحسن ما قيل

  • saidoune

    ( لأن المسافة التنموية الفاصلة بين العاصمة الجزائرية مثلا، وقرية نائية في جبال جرجرة أو الونشريس أو الحضنة، لا تقل عن النصف قرن،). الجزائر العاصمة مملوءة بالأحياء الفقيرة والوسخ و الجهل والإكتضاض في غرف مهترءة تهدد بالسقوط في أي لحظة لماذا تذهب بعيدا بل العكس هو الصحيح. أقلية تعيش في النعيم والباقي في عذاب مهين