-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“النعامة” و”روش فور”

“النعامة” و”روش فور”

يوم الخميس الماضي، شهدت ولاية النعامة غرب الجزائر، مأساة مرورية، أسفرت عن هلاك ثلاثة عشر شخصا، وشهدت بلدة “روش فور” في جنوب غرب فرنسا، مأساة مرورية، أسفرت عن هلاك ستة أشخاص، وإذا كان تلميذ في التحضيري يعرف، بأن رقم الثلاثة عشر، يزيد بأكثر من الضعف عن رقم الستة، فإن بعض المسؤولين في الجزائر، لا يبدو أنهم يفقهون الحساب، ويشعرون بألم الموت، كما يفقه المسؤولون الفرنسيون الحساب، ويتذوقون حلاوة الحياة، وإلا كيف نفسّر نسيان المأساة الأولى بعد ساعات من وقوعها، وتحوّل الثانية إلى حدث فرنسي كبير وحزين، مازال يشغل الرأي الفرنسي إلى غاية اليوم.

تابعنا الحدثين من باب الأخوة في شطره الجنوبي، ومن باب الإنسانية في شطره الشمالي، فعرفنا لماذا تمرّ سنوات إرهاب الطرقات في الجزائر، وتتشابه، بل وتزاد سوادا. فقد هزّ حادث “الروش فور” في فرنسا الحكومة، فلم تمر سوى ساعة زمن، حتى تنقلت وزيرة التربية والتعليم نجاة بلقاسم إلى عين المكان لتتفقد صحة التلاميذ المصابين في الحادث، وتنقل وزير النقل أيضا، وتم فتح خلية أزمة لم تغلق لحد الآن، ودعا وكيل الجمهورية لمنطقة روشال الإعلاميين، لندوة صحفية كانت مليئة بالاتهامات والاستفهامات وأيضا بالحلول، بينما بقي أهل ضحايا الحادث المهول في النعامة، مثل اليتامى كما كانوا دائما في حياتهم، فلم يزرهم حتى والي ولاية النعامة، بالرغم من أن اثنتا عشرة من ضحايا الحادث، هم من سكان النعامة، ولن نتحدث عن الوزراء، الذين ربما لم يبلغ مسامع “معاليهم” الخبر.

عندما زار صاحب جائزة نوبل في الأدب، الفرنسي آلبير كاميه عام 1957 مقبرة المسيحيين في مدينة عنابة، أطلق صرخته الشهيرة: “لقد أثارت في هذه المقبرة شهية الموت”، ولخّص بذلك احترام الفرنسيين لموتاهم، بينما تكاد تتحوّل كل مقابرنا بما فيها الخاصة بالشهداء، إلى كهوف للسحر، ومرتع للقاذورات والموبقات والخنازير، وكل منشآتنا الحياتية إلى منفرة لزائرها، فتسدّ شهيته في الحياة وحتى في الموت. 

أن يبتلع الطريق الرابط بين بلديتي مغرار وعين الصفراء بالنعامة، هذا الكمّ والنوع الهائل والعزيز، من الأرواح، فتلك جريمة كبرى، بالتأكيد لها فاعلون، ربما من دون إصرار وترصّد، وأن يتم التعامل مع هذه الجريمة بالصمت الجنائزي، الذي هو علامة الرضا، فتلك جريمة أكبر، لا تختلف عن جرائم الإبادة الجماعية التي طالت الإنسانية. وأن تهرع فرنسا بمسؤوليها إلى مكان حادث المرور، فذاك قمة التحضّر، وأن تواسي أهل الضحايا وتعاقب الجناة، فذاك عين المنطق والسبيل إلى بناء الدولة بالقول والفعل والدموع والابتسامات، أما أن يبقى الأمر عندنا على حاله، من دون أن يخجل الفاعلون بفعلتهم، ومن دون أن يطلبوا العِلم ولو في فرنسا، فذاك هو الحادث “المروري” المروّع، الذي لا فواتير فيه سوى موت الضمير وهو أشد من هلاك الأبدان.   

هل فهمتم الآن لماذا ترفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها التي اقترفتها في حق الجزائريين على مدار قرن وثلث قرن؟  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • مشفق عل الجزائر

    الانسان الفرنسي يا سيدي الكريم له قيمة لانه لا ياتي الى الحياة صدفة بل يولد الى هذه الحياة كتجسيد لمشروع حضره ابواه تحضيرا و فكرا فيه تفكيرا فيخرج الفرنسي الى الوجود و كل ظروف العيش الكريم معدة له مسبقا. و المجتمع الذي تفكر فيه الاسرة في مستقبل وليدها قبل ان تدفعه الى الدنيا تفكر فيه الدولة ايضا في سعادة مواطنيها و تمتلك اسباب و امكانيات ذلك.
    اما الغاشي -اقصد الشعوب- التي تتناسل كالانعام بل اكثر من الانعام فحياة ابنائها حياة الانعام و موتهم موت الانعام

  • taha

    اوافقك الراي 10000000000000000000000000000/100

  • الخير

    أحد المواطنين البسطاء الطيبين، يأتيني في الاتجاه المعاكس في دوار rond_ point وعند احتجاجي عليه قال لي:'' آسيدي راك في فرانسا’''

  • barkani

    c'est trop tard pour éduqué des millions d'algériens

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا سيدي
    - ربي يرحمهم-
    صراحة لا نملك ثقافة مرورية،
    والمسؤول عن هذه الحوادث هم الاشخاص أنفسهم، متخلفين، متأخرين في كل شيء، تعددت ماركات السيارات، حفر، وطرقات مهترئة والكل يقود سيارته بطريقة هوليوودية،
    قمة الانحطاط والتخلف.
    شكرا

  • وليد دوار

    ولماذا تنتضر ان يكون حالنا غير الحال انها ضريبه التخلف يا صديقي

  • BESS MAD

    و هل للإنسان العربي قدر من القيمة حتى تنتظر من تماسيح السياسة الانتباه إلى غيرهم .حتى الانتخابات كانت صارت نسب الصويت ترتفع و تنخفض بقدرة قادر .في مصر على سبيل المثال لم تتجاوز نسبة التصويت في الرئاسيات 17/ . وبين الكاف و النون انقلبت إلى أكثر من 90/ .هذا حال الشعوب القابلة للخنوع و المبجلة للانقياد . فكيف ما كنتم يولى عليكم .