الرأي

 النفس الثاني.. للحراك

الشروق

 إلى زمن قريب جدا، لم يكن لاعبو الكرة في الجزائر، ومدربو منتخبها الوطني، ورجال السياسة ورؤساء دولتها ومثقفوها، يحلو لهم الحديث إلا مع الصحافة الفرنسية، التي كانت وأظنها مازالت “فيزا” يعتبرها العديد من الجزائريين “البساط الأخضر” الذي يوصلهم إلى المجد، ولن نكشف سرا لو قلنا بأن آخر حوار أجراه الزعيمان أحمد بن بلة وهواري بومدين، وأول حوار ظهر فيه محمد بوضاف في منفاه وعبد العزيز بوتفليقة عندما قاد البلاد كان لصحف ومجلات وفضائيات فرنسية، وحتى أول وآخر حوار أجراه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد وتحدث فيه عن حياته الخاصة وهواياته، كان للمجلة العربية المستقبل، ولكن مع مكتبها بباريس. ولو أبحرنا في فضاء اليوتوب بحثا عن حوارات لرياض محرز ورايس مبولحي وعيسى ماندي واسماعيل بن ناصر وحتى جمال بلماضي، فسنجدها مع فضائيات فرنسية وليس مع غيرها.

 ما “تفضلت” به القناة العمومية تي.في.5، من تحريف لمغزى الحراك الشعبي الذي شارك في أشواطه الحاسمة التي نسفت العهدة الخامسة الملايين من أفراد الشعب، لم يكن مفاجئا، ولم يكن “جارحا” إلى الدرجة التي نقول فيها إن القناة انتصرت والحراك خسر، لأن المثل الفرنسي الذي ترجمناه وحفظناه، يقرّ بأن لكل قافلة تسير بثبات، كلاب لا تملّ من النباح، وغالبا، خاسر المنازلة بالضربة القاضية يدخل مرحلة “الهذيان” التي تجعله يكمل ما تبقى من نزال، يلكم نفسه بما يشبه الانتحار، لأن الذي يقول ويزعم بأن حراكا شعبيا أزال رئيسا عمّر خمس قرن، وزجّ بأزلامه في السجون، وشارك في بعض مسيرات “جمعاته المباركة” أكثر من خمسة عشر مليون نسمة باعتراف نفس القناة، بأنه كان ثورة “جنسية”، لا بدّ وأن يكون قد كشف نفسه، كما فعلها في منتصف خمسينات القرن الماضي عندما سمّى الثوار بالإرهابيين، ووصفهم بالحالمين بأجساد الأوروبيات، فما التفت الجزائريون إلى “النباح” فسارت قافلتهم إلى أن حققت هدف التحرر الذي بقي منقوصا، وقد تكون فرصة العمر قد حانت ليكتمل، ولكن هذه المرة بمشاركة من “المستعمر”.

يقول الملاكم الأمريكي الأسطورة محمد علي كلاي رحمه الله: “كنت أشعر باقتراب الفوز بالمنازلة كلما اجتهد خصمي في توجيه اللكمات نحوي، فيكشف عيوبه في قوتي، ويمنحني حق الرد في ضعفه، فيكون الانتصار سريعا جدا ومستحقا”، إنه مصير هذا النزال الذي قاربت مدة جولاته قرنين من الزمن.

في الصحافة الخبرية بكل أنواعها من مقروءة ومسموعة ومرئية وإلكترونية لا يمكن أن تقدّم عملا، ولو كان روبورتاجا، من دون أن يكون مرتبطا بمناسبة ما، ولأن العالم الذي يضم فرنسا والجزائر مشغول بجائحة كورونا، فإننا لن نجد سببا لبث قناتي تي.في.5 والقناة البرلمانية التابعتين للدولة الفرنسية من مناسبة لبث هذا الروبورتاج “الوسخ”، الذي لا علاقة له لا بالسياسة ولا بالمجتمع ولا بالثقافة سوى أن الجزائر “مناسبة مزمنة” و”حدث دائم” في عقل الإعلام الفرنسي الذي حاول ضرب الحراك، فمنحه نفسا ثانيا حيث ستسير قافلة الجزائر غير آبهة بالنباح.

مقالات ذات صلة