الرأي

النملة الزرقاء

ح.م

وصف الله – العليم الخبير- الإنسان بـ “الغرور” في قوله – عز وجل-: “يا أيها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم”. ولا يستثنى من هذا الغرور إلا الذين آمنوا، لأنهم لم يستنكفوا أن يكونوا عباد الله، ولم يستعلوا في الأرض بغير الحق، واستيقنوا عظمة الله الجبارة، وقدرته المطلقة، وعلمه اللا محدود، فلم يكبر شيء في صدورهم إلا الله الذي يكبرونه في كل ركعة وسجدة.

ومن دراستنا للتاريخ البشري لم نجد أكثر غرورا وأوثق بنفسه من هذا “الإنسان الأوروبي” وامتداداته في أمريكا وما اغتصبه من قطع متجاورات وغير متجاورات من الأراضي هنا وهناك وهنالك.

لقد استغل هذا “الإنسان الأوروبي” ما وصلت إليه البشرية ثم بنى عليه حتى وصل إلى ما وصل إليه، فزاد ذلك غرورا، وظن أنه في غنى عن الله، وأنه “قادر على شقاه”، فإذا بجندي من جنود الله لا يمسك بيد، ولا يرى بعين، ولا يسمع بأذن يحطم غروره، ويرغم أنفه، وينكّس رأسه..

لقد ظهر نتيجة هذا الغرور ما عرف في العلوم الاجتماعية في الغرب باسم “المركزية الأوروبية” وهي الصورة الحديثة لمقولة الذين “قالوا نحن أبناء الله” و”أننا الشعب المختار”.

لقد استعلى هذا الإنسان الأوروبي فظن أنه لم يخلق مثله، وأنكر على غيره الفكر والحضارة وتوقّح إلى درجة أن سمّى شعوب إفريقيا وآسيا “الماشية الإنسانية”. (جي دو بوشيي: تشريح جثة الاستعمار. ص 234).

ومن هذا الاستعلاء والغرور ما تفوه به الطبيب الفرنسي السفيه جان-بول ميره من تجريب لقاحات ضد “الكونورا” على الأفارقة… لأنهم كما قال أخ له من – وهو مونتيسكيو “محال أن نظن أن هؤلاء القوم – السود-بشر”. (روح القوانين ص 63 طبعة 1934).

جاء في كتاب “مشكلة الثقافة” للأستاذ مالك ابن نبي أن الأوروبيين سمّوا الصينيين بعد ثورتهم

“إنسان النملة الزرقاء” احتقارا لهم، واستعلاء عليهم، وسخرية منهم، وجهلوا أن “ديكارتهم” يقول: “إن أعدل قسمة بين البشر هي العقل” الذي حاولوا أن يحتكروه.. ويمنعوا غيرهم من استعماله.

وهاهي الأيام تدور، وتأتي “النملة الزرقاء” لتعالج هذا “الإنسان” الذي زعم أنه هو “العالم: وهو “الفاهم”.. ويستنجد هذا “المغرور” في عاصمة “الحضارة الأوروبية” القديمة “روما”، وفي عاصمتها الجديدة “واشنطن” بهذا “الإنسان النملة الزرقاء”.

الملاحظة هي أن الصين تقوم على عقول أبنائها وسواعدهم، بينما كثير مما قام ويقوم عليه الغرب هو عقول وسواعد “الماشية الإنسانية” – ولو انسحب الإفريقيون والآسيويون من أوروبا وأمريكا لأصبحتا في مشكلات لا حصر لها، ولاختلت كثير من الميادين من كرة القدم إلى المخابر العلمية والجامعات، فيا أيها الإنسان الغربي خفّف الوطء، ولا تمش في الأرض مرحا.

مقالات ذات صلة