-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الهردة” بعد “الزردة !

جمال لعلامي
  • 2595
  • 0
“الهردة”  بعد “الزردة !

سان فالتنان سيحتفل مرّة أخرى مع “محبيّ” طقوسه الغابرة، بما يسمى “عيد الحبّ” المصادف كلّ سنة ليوم 14 فيفري، والحال أن التقشف سيمنع هذا العام المتحابين بالطمع و”الطاعون” من إقامة “زردة” الحبّ التي كانت تـُقام في زمن “الرخى يدهش” بالمقلي والمشوي والمحمّر والمشمّر..لكن الآن من الحبّ ما يدمّر، ويدفع أهل الحبّ إلى التذمّر !

لم يبق هناك حبّ بين الموالاة والمعارضة، ولا حبّ بين المسؤولين السابقين، ممّن اختاروا خطاب الانتقام ولغة الكراهية والأحقاد، كما لم يبق أيّ حبّ بين النواب، ولم تعد العائلات السياسية مرتبطة بالحب، فالجميع من هؤلاء وأولئك، أعلن الحرب، كبديل لهذا الحبّ، ومنهم من رفع يافطة “وما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل”، ومنهم من خاف فقال: “ومن الحبّ ما قتل” !

إجراءات “الحرب” المعلنة ضمن قانون المالية لسنة 2016، وخارجه، من ضرائب و”إتاوات” وزيادات في تسعيرة الوقود والكهرباء والغاز والماء، قطعت هي الأخرى أواصر الحبّ الصادق بين الحكومة والمواطنين، وأضحى التقشف ملعونا في نظر الطرفين، لأنه تحالف مع “الهفّ” وأفسد للحب قضية !

الحبّ من طرف واحد، تحوّل إلى سمة تربط العلاقات بين السياسيين والوزراء والنواب والأحزاب، فلم تعد الثقة متبادلة، وأصبح هذا “يحفر” لذاك، ولم يعد هؤلاء يأتمون جانب أولئك، ولذلك تحوّل الحبّ إلى تمثيل للمراوغة والنصب والاحتيال، فكره الناس الحبّ الذي لم يعد حبّا !

لقد نسف التقشف بقايا الحبّ بين المواطن وحكومته، فالزيادات التي عرفتها الأسعار، حتى وإن كانت في غالبها قرارا انفراديا من التجار “عديمي الذمة”، قطعت الحبل السرّي بين الطرفين، وحوّلهما إلى “عدوّين” يتعاملان مع بعضهما البعض بمنطق العجوز التي أمسكت لصا فوق السطوح !

المصلحة السياسية هي الأخرى لم تبق أيّ جدوى لممارسة طقوس الحبّ بين الأفلان والأرندي، فقد قطعا الحزبين المحسوبين على أحزاب الموالاة، ضرورة هذا الحبّ، سواء في ذكرى القديس أوغستان، أو حتى في عيد الشجرة، بعدما شعرا الطرفان بأن في الأمر إنّ وأخواتها، خاصة بعد التهم والردود المتبادلة بشأن استعمال “الشكارة” في انتخابات “السينا” !

الحبّ “راح في كيل الزيت” بين وكلاء استيراد السيارات والحكومة، نتيجة دفتر الشروط الجديد وتقليص “كوطة” استيراد سيارات جديدة للجزائريين، كما ضاع الحبّ بين الحكومة والمستوردين بسبب إجراءات التقشف التي شدّت الأحزمة وراجعت قائمة السلع المستوردة، وقرّرت تقليص القائمة، بما قتل بذرة الحبّ والتحاب في نفوس مكاتب “استيراد استيراد” !

الحبّ لم يعد مبررا كذلك بين النقابات ووزارة التربية، بعدما “اكتشفت” هذه النقابات أنها “الاتفاق” مع الوزير بن غبريط، لم يكن سوى كمينا أو فخا لإجهاض إضرابات القطاع بعدما “هردت” التلاميذ والأساتذة معا، ولم يبق منه سوى أطلال، بل قنابل موقوتة تنفجر كلما عادت امتحانات نهاية السنة الدراسية، خاصة في ما يتعلق شهادات “العمر” أهمها البكالوريا !

وفاة الحبّ هي التي حرّضت أيضا الكثير من المسؤولين والوزراء السابقين على الخصومة مع نظرائهم اللاحقين، وكلّ طائفة تتهم الأخرى بممارسة “الكره” في حقها، وحتى “جيل الثورة” ضرب معاني الحبّ في علاقات المجاهدين، وشهاداتهم حول الشهداء وفصول الثورة !

حتى الحبّ الطبيعي بين الرجل والمرأة، أصبح مهددا، فقد دخل قانون العقوبات حيز التنفيذ، متضمنا أحكام بالسجن ضدّ كل “موسطاش” يعتدي على زوجته بالضرب أو السبّ، كما يتوعد كلّ متحرّش بفتاة أو سيّدة بالشارع أو مكان العمل، بالحبس أيضا، وهو ما سيقطع الطريق على دعاة وأدعياء “ممارسة الحبّ” في الهواء الطلق !


اغتيال الحبّ أو انتحاره، هو الذي يقف وراء تنامي الجريمة داخل العائلة ووسط المجتمع، فأصبت الأمّ تذبح ابنتها، والأب يقتل ابنه ويغتصب ابنته، والابن يقتل كذلك أباه ويعتدي على أمه، والعياذ بالله، وفي كلّ مرّة مؤلمة ومؤسفة، يبرّر المختصون هذه الأفعال المشينة بغياب الحبّ وشنقه بالانحراف والتخلي عن تعاليم الدين والأخلاق والتربية !

هكذا، هو الحبّ، مثل النار، البُعد عنها يُبرد، والقرب إليها يحرق، ولذلك، تخلى الكثير من مرضى الحبّ عن الحبّ، واعتنقوا الحرب بديلا، فأصابهم “الجرب” والكرب، ولم يظفروا بالعنب فقالوا “قارص”..ولم يعد بالتالي للحبّ معنى في زمن اللاحبّ الذي أصبح المتحابون وفق منظور “العشق الممنوع” يحتفلون بعيد 14 فيفري، حصريا وفقط، ليعودون إلى أجواء الحرب طوال الأشهر الأخرى..هذا حبّ وإلاّ خلـّي !  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!