-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوزير الأول يطلب مباركة برلمان دون سلطة

عابد شارف
  • 2896
  • 1
الوزير الأول يطلب مباركة برلمان دون سلطة

برنامج الحكومة مطروح للنقاش أمام المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، لكن ما معنى نقاش برنامج حكومي من طرف برلمان لا حول ولا قوة له؟

إن البلدان التي نجحت وضمنت لمواطنيها العيش الكريم والحرية والرفاهية المادية هي تلك البلدان التي أقامت أنظمة ديمقراطية مبنية على الفصل بين السلطات واحترام المؤسسات وسيادة القانون.

قام السيد عبد المالك سلال يوم الثلاثاء الماضي بزيارة إلى النواب الموقرين، قبل أن يتوجه إلى مجلس الأمة ليخاطب أعضاءه المحترمين. وقدم الوزير الأول للنواب وأعضاء مجلس الأمة برنامج حكومته، فاستمع له القوم بخشوع، وصفقت له الأغلبية معبرة عن موافقتها ومساندتها المطلقة واللامشروطة، في حين انتقده عدد قليل من البرلمانيين، بينما عبّر عدد آخر عن تحفظهم تجاه بعض النقاط في هذا البرنامج. وفي أخر المطاف، سيعود السيد سلال إلى قصر الحكومة منتصرا ليقوم بالمهمة التي تم اختياره من أجلها: تطبيق برنامج رئيس الجمهورية.

ولن يغير السيد سلال رأيه، لا بطلب من النواب ولا بطلب من أعضاء مجلس الأمة، وذلك لسبب بسيط: ليس لأعضاء البرلمان أن يحاسبوا الوزير الأول. إن تعيين السيد سلال جاء من رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية هو الوحيد الذي له الحق أن يحاسبه. وقد كان هذا التصرف شائعا قبل دستور 1996، لما كان البرلمان يكسب ولو نظريا حدا أدنى من السلطة والاستقلالية. أما بعد التعديل الأخير للدستور، فإن الوزير الأول تحول إلى مجرد منسق للحكومة، حسب العبارة التي استعملها السيد عبد العزيز بلخادم لما كان يشغل هذا المنصب. أما البرلمان، فإنه لا يتجاوز دور الديكور الذي يتم فيه تنظيم اللعبة التي تتم حلقاتها في إطار آخر.

وقد قال السيد سلال ذلك صراحة بعد تعيينه مباشرة، لما أعلن أن برنامج حكومته سيقتصر على تطبيق برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأن أولوياته تتمثل في مواصلة إصلاحات رئيس الجمهورية. ومن الصعب معرفة محتوى برنامج رئيس السيد بوتفليقة وإصلاحاته، لكن السيد سلال لم يذكر البرلمان، ولم يعطه أي دور، وكأن القضايا “انتاع الصح” لا يمكن أن يفصل فيها البرلمان.

ولا يخشى السيد سلال أية معارضة في هذا المسعى. عكس ذلك، سيجد نفسه مضطرا إلى مواجهة المزايدات التي ستظهر من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحماس وجبهة التغيير والحركة الشعبية الجزائرية وحزب “التاج”، وهي التنظيمات التي ستتزاحم مع أخرى لم نذكرها، للإعلان عن مساندتها المطلقة واللامشروطة لبرنامج رئيس الجمهورية، وتؤكد أن اختيار الوزير الأول الجديد كان الأمثل لمواصلة المسيرة في هذا الظرف الراهن

ونتساءل: لكن لماذا احتفظت الجزائر بهذا التقليد المتمثل في تقديم برنامج الحكومة أمام البرلمان؟ وهل يمكن أن نتكلم فعلا عن برلمان ونحن أمام غرفتين لا سلطة ولا حول ولاقوة لهما؟ إن النواب وأعضاء مجلس الأمة لا يكسبون الصلاحيات لرفض برنامج الحكومة، وتصويتهم الافتراضي ضد هذا البرنامج لن يكون له أي أثر. ولا يمكن لهم التصويت لإسقاط الحكومة، وهم يكتفون في نهاية المطاف بالنقاش والثرثرة من أجل “إثراء” برنامج الحكومة كما كان معمولا به في عهد الحزب الواحد.

وقد جمع الدستور الجديد كل السلطات بين أيدي رئيس الجمهورية. وقد كان هذا التقليد معمولا به في السابق، وأصبح اليوم مكرسا في الدستور. لكن صانعي الدستور لم يتفطنوا لبعض القضايا البسيطة، ونسوا أن الممارسات السياسية تخضع دائما إلى منطق وإلى مبادئ. ويمكن أن نذكر مثلا أن تقديم برنامج الحكومة أمام البرلمان يفترض أن البرلمان له القدرة على رفض ذلك البرنامج، مما يفرض على رئيس الجمهورية أن يختار لرئاسة الحكومة رجلا قادرا على حصد أصوات أغلبية أعضاء البرلمان. ومن هذا المنطلق، يمكن أن نقول أن رئيس الجمهورية احترم إرادة الشعب التي تم التعبير عنها من خلال الانتخابات التشريعية.

لكن أن يقدم رئيس الحكومة برنامجه أمام برلمان لا سلطة له، فهذا ليس له معنى. إنه العبث السياسي، الذي يؤدي بالشعور أن المؤسسات الموجودة لا تفيد البلاد ولا تخدم المجتمع. ولا مبرر إطلاقا لوجود برلمان لا سلطة له. والحقيقة أن هذه القضايا تعيدنا إلى أبجديات الديمقراطية وطبيعة الأنظمة السياسية العصرية التي تم بناؤها على مبدأ أساسي هو الفصل بين السلطات.

ولا مفر من هذه الحقيقة البسيطة: إن البلدان التي نجحت، وأصبحت قوية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وعلميا، وضمنت لمواطنيها العيش الكريم والحرية والرفاهية المادية، هي تلك البلدان التي أقامت أنظمة ديمقراطية مبنية على الفصل بين السلطات واحترام المؤسسات وسيادة القانون. أما البلدان الأخرى التي تكذب على نفسها وتصنع مؤسسات لا سلطة لها، فإنها تبقى حتما في صف الضعفاء وضمن قائمة البلدان التي لا تعرف السلم والاستقرار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Ali

    Vous avez tout à fait raison Mr Charef de signaler cette bizarrerie algérienne. Mais quand même il faut bien respecter les usages et jouer le jeu. Alors le chef du gouvernement fait semblant de gouverner et nos loyaux députés font semblant de contrôler et légiférer