-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوزير فوق العلم

عابد شارف
  • 5337
  • 0
الوزير فوق العلم

قررت الحكومة فرض رسوم جديدة على السيارات. وقال أصحاب القرار إنهم يريدون تشجيع النقل العمومي حيث يريدون تخصيص المبالغ التي سيحصلون عليها لدعم هذا القطاع. وأكدت الحكومة كذلك أنها تريد الضغط على الاستيراد وتشجيع الصناعات المحلية للسيارات، خاصة بعد خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي انتقد خلاله الشركات الأجنبية التي تهرّب الأموال دون أي استثمار.

  • لكن كلام الحكومة حق يراد به باطل. فلا تشجيع صناعة السيارات ولا تشجيع النقل العمومي يتم بهذه الطريقة. وما سيحصل ميدانيا هو زيادة معاناة فئة من المواطنين، لا أكثر ولا أقل، إلى جانب تأكيد السيد أحمد أويحيى أنه يتميّز بشعور خاص تجاه الجزائريين.
  •  
  • وكان من المفروض على من يريد تشجيع صناعة السيارات أن يشجع الصناعة بصفة عامة، وفي كل الميادين. وكان عليه أن يتخذ قرارات وتدابير تفتح المجال أمام المستثمرين، وترفع عنهم العراقيل، وتمنحهم فرصة للربح. والكل يعرف أن الاستثمار في الجزائر يشكل نقطة سوداء في حصيلة الحكومات المتتالية، خاصة إذا عرفنا أن الشركات الأجنبية هربت من الجزائر فوائد تفوق بكثير استثماراتها كما اعترف بذلك رئيس الجمهورية نفسه.
  •  
  • أما من يريد تشجيع النقل العمومي، فكان عليه أن يعمل على ذلك في ميادين مختلفة ولمدة طويلة. وتبدأ العملية بتأسيس شركات للنقل العمومي داخل المدن الكبرى وبين المدن، بواسطة القطار والحافلات والميترو والترامواي إن كان ذلك ممكنا، حتى يكون المواطن متأكدا أنه سيجد وسيلة للنقل في ظروف مقبولة مهما كان المكان والوقت. وإذا أراد مواطن من باب الزوار مثلا أن يشاهد فيلما في قاعة سينما في رياض الفتح، أو أراد مواطن من الحراش أن يخرج ليلا إلى سطاوالي، يجب أن تتوفر له وسائل النقل في ظروف مقبولة قبل أن يتخلّى عن السيارة. وإذا منعته الحكومة من الحصول عليها عن طريقة الرسومات الجديدة، فإن الحكومة تمنعه من الخروج ليلا
  •  
  • هذا دون الحديث عن السياق العام الذي تم فيه اتخاذ القرار. واختيار النقل العمومي يفترض إعادة الاعتبار للمرافق العمومية، مع بناء هيئات ومجموعات محلية ذات مصداقية تقوم بتسيير تلك المرافق. ولا يمكن أن يتوفر النقل العمومي دون أن تتوفر الساحات العمومية والمكتبات ودور السينما والمساحات التي يلتقي فيها المواطنون للترفيه في ظروف مقبولة. ويبقى كل ذلك مرتبطا بتهيئة المحيط، وهي عملية معقدة لا يمكن تحقيقها إلا من طرف مسئولين يهتمون حقيقة بالمواطن، في حين أن تصرف المسئولين الجزائريين يشير إلى أنهم يكرهون المواطن أو على الأقل يحقدون عليه.
  •  
  • وإضافة إلى الخطأ الاقتصادي والخيارات التي لا تجد مبررا معقولا، فإن الحكومة تتلاعب بالكلمات لتبرير قرارها، حيث قال أحد الوزراء إن الرسوم الجديدة سيتم اقتسامها بين المواطن وبائع السيارة. لكن القواعد الاقتصادية تقول إن المواطن هو الذي سيدفع كل الزيادة، وأن البائع سيكتفي بتحويل الضرائب المفروضة عليه على حساب المشتري. وأكثر من ذلك، فإن بائع السيارة سيربح أكثر، لأن فائدته تبقى مرتبطة بسعر السيارة الإجمالي. ولما يرتفع السعر مع إدماج القسيمة الجديدة، فإن حجم الفائدة سيرتفع بدوره.
  •  
  • ويبقى من حق الحكومة أن تلجأ إلى رفع حجم الضرائب، لكن عليها أن تلبي أربعة شروط إذا لجأت إلى هذا الحد. عليها أولا أن تكون بحاجة إلى تلك الأموال. ونحن نعرف أن الجزائر تكسب من الأموال ما يفوق قدرتها، وأن زيادة في وارداتها لن ينفعها شيء من حيث الفعالية. وسيتم تبذير الأموال التي يتم التحصل عليها مع الرسوم الجديدة، أو تحويلها إلى عملة صعبة ووضعها في الخزينة الأمريكية… وعليها كذلك أن تحسن استعمال تلك الأموال، مع العلم أن الجزائر أصبحت من أكثر بلدان العالم تبذيرا للأموال مع انتشار سوء التسيير والفساد والرشوة. وعلى الحكومة أن تقدم مشروعها في رفع الضرائب خلال الانتخابات، وفق خطة سياسية معلنة وواضحة، يعرفها الشعب ويصادق عليها خلال الانتخابات.
  •  
  • كل هذه الشروط غير متوفرة في الجزائر. لكن الجزائر لا تحتاج إلى جمع هذه الشروط. إنها تكسب أحمد أويحيى، وذاك يكفيها ويغنيها عن كل التحاليل الاقتصادية، منذ أن قررت الجزائر أن وزراءها يبقون فوق الشعب وفوق العلم.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!