-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بين مؤيد للغة العربية ومتمسك بالفرنسية..

الوصفات الطبية “المعربة” تثير الجدل بين المختصين

راضية مرباح
  • 5484
  • 3
الوصفات الطبية “المعربة” تثير الجدل بين المختصين

طفا على السطح مؤخرا، جدل واسع بين الجزائريين، خاصة منهم الأطباء والصيادلة حول قضية التخلي عن اللغة الفرنسية واستبدالها باللغة العربية في كتابة الوصفات الطبية، فلغة “موليير” التي تغلغلت في كل القطاعات، مؤسسات عمومية كانت أو خاصة مدة طويلة من الزمن، وجدت طريقا معبدا للدخول حتى إلى بيوت العائلات التي أصبحت محادثاتها اليومية تطغى عليها هذه اللغة، فضلا عن ظهور بعض المعتقدات تجاه لغة وجدت بساطا للتموقع لعدة أسباب وفي مقدمتها عقدة اتباع الأكثر تفوقا..

السلطات الجزائرية التي تستعد لإحداث قطيعة مع اللغة الفرنسية بعد قرابة 60 سنة من الاستقلال واستخلافها بالعربية في مختلف القطاعات العمومية مع جعل لغة “شكسبير” في المرتبة الثانية باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا رقم واحد في العالم.. وجد القرار الكثير من الجدل بين المواطنين ومنهم الناشطين في السلك الطبي، فكتابة الوصفة الطبية أصبحت هذه الأيام أكثر ما يثير هذا التباين، خاصة بين الأطباء والصيادلة الذين دافع بعضهم عن الفرنسية لاعتبار واحد ووحيد أنهم تلقوا تكوينهم باللغة ذاتها، حتى إن أسماء الأدوية مدونة بالحروف اللاتينية قد يصعب على الصيدلي قراءتها في حالة تحويلها إلى العربية، في حين يرى البعض الآخر بأنه حان الأوان من أجل تطليق لغة المستعمر التي تصنف في المرتبة التاسعة عالميا، تتفوق عليها حتى البرتغالية والهندية والبنغالية والروسية التي تعتبر لدينا من اللغات النادر تداولها.

“الشروق” استفسرت بعض الأطباء والصيادلة والمواطنين حول المشروع فكانت هذه الردود..

درسنا بالفرنسية والتغيير لا يخدم الهدف ولا المنظومة الصحية

انشطرت آراء الأطباء بخصوص ما يتم تداوله حول إلزامية تغيير الوصفات الطبية من الفرنسية إلى العربية، بين مؤيد للقطيعة مع اللغة الفرنسية التي اعتبروها بعيدة عن التطلعات المستقبلية في كل ما له علاقة بالعلوم، وإمكانية تحويلها إلى الإنجليزية لاسيما بفئة الأطباء الشباب الذين يتسابقون حاليا على جعلها رقم واحد في بحوثهم وحتى في تدخلاتهم بين أقرانهم، نية منهم تغيير واقع الصحة من خلال إجراء عصرنة في كل جوانبه، مقابل تمسك البعض الآخر بالفرنسية التي يرون فيها الأساس على اعتبار أن دراستهم للطب كانت باللغة الفرنسية، فكيف لهم بعد مرور كامل هذا الوقت، التوجه إلى اللغة العربية التي لم يستعملوها إلا في مراحل الدراسة للأطوار الثلاثة قبل ولوج الجامعة، كما أن مختلف أسماء الأدوية ونشراتها المرافقة لها –حسبهم مدونة باللغة الفرنسية يتم ترجمتها في غالب الأحيان إلى العربية من أجل تقريب كل ما له علاقة بالدواء من المرضى أو مقتنيه للاطلاع على دواعي استعماله وأضراره والآثار الجانبية له.

وأشار هؤلاء في السياق، أنّ تغيير كتابة الوصفات من الفرنسية إلى العربية يعتبر بحد ذاته مشروعا قائما بذاته، يتطلب الكثير من الوقت من أجل تغيير المنظومة التعليمية المتخصصة في الطب على مستوى الجامعات، من اللغة الحالية التي تدرس تخصص الطب منذ عديد السنوات تصل إلى ما قبل الاستقلال، إلى العربية التي تتطلب الكثير من الخطوات من بينها توفير المراجع وكتب البحث التابعة لكل تخصص مع تكوين الأساتذة وغيرها من البرامج التنظيمية الأخرى.. طبيبة مختصة في طب المعدة والأمعاء بولاية تيبازة، ردت على سؤال “الشروق” بخصوص إمكانية فرض اللغة العربية في كتابة الوصفات الطبية، بالرفض المطلق، على اعتبار أن العربية بالنسبة للأطباء أصبحت بمثابة اللغة الثانية أو الثالثة لا يمكن كتابتها أو التعامل بها، لأن دراسة الطبيب تأخذ –حسبها من 7 إلى 13 سنة كاملة باللغة الفرنسية، فيما ذهب البعض الآخر إلى حد القول إن التغيير لا يخدم الهدف وهو المريض، حتى إن الكلمات والأدوية تسمى بأسماء لاتينية، والأهم من ذلك هو إصلاح المنظومة الصحية لا لغة كتابة الوصفات من خلال تجهيز المستشفيات بأحدث الوسائل وتوفير الأدوية والنظر في مجانية العلاج التي عقدت من مهام أصحاب المآزر البيضاء والذهاب إلى إحداث تغييرات في منظومة تتطلب إعداد أطباء ملتزمين في كل الجوانب وعلى رأسها كيفية التعامل مع المريض.

نفتخر بلغتنا وحان الوقت للنهوض من سباتنا

تقول مختصة في الطب الباطني بمستشفى القليعة بالعاصمة، إن العديد من الأطباء خاصة منهم الجيل الجديد، ليسوا ضد العربية لغة الأم التي يفتخرون بها، غير أنّ الأمور لا تؤخذ بهذه البساطة، معتبرة أنّ أهم الخطوات للذهاب إلى العربية، تنطلق من التعليم الأكاديمي الذي يجب أن يتغير إلى اللغة ذاتها، لكتابة الأعراض والأمراض وحتى الوصفات الطبية باللغة العربية، مشيرة أنّها رغم تمكنّها من اللغة العربية خارج الطب لكن رغم ذلك يستحيل أن تترجم وصفة طبية أو تقرير طبي أو حتى رسالة موجهة لزميل لها في التخصص بسهولة خاصة العاملين بالقطاع العمومي الذين لا يجدون وقتا لذلك بسبب العدد الكبير للمرضى المتوافدين على المستشفيات، مشيرة أنه وإن صدق ذلك يتطلب الأمر تنظيم دورات علمية عامة لجميع الأطباء عن كيفية ترجمة أسماء الأمراض وكتابة التقارير باللغة العربية، وقتها يمكن أن يصير الأمر سهلا نوعا ما على الأطباء.. إحدى الطبيبات بمستشفى القبة، صرّحت لـ”الشروق”، بأن تغيير الوصفات من الفرنسية إلى العربية ليس بالأمر الصعب، كما يظهره بعض الأطباء المتمسكين بالفرنسية، مشيرة أن العملية قد تكون في المتناول بمجرد اجتياز المرحلة الأولى وهي التخلص من الهوس وعقدة الفرنسية، مضيفة أن الأمر يسهل على الأطباء في حالة كتابة الوصفة بالكمبيوتر أو بشكل واضح وذلك بعد تدوين رسمي لقائمة الأدوية بالعربية ووضعها في متناول القطاع الصحي والأطباء حتى يتم ضبط التسمية الصحيحة للدواء.

وذكرت المتحدثة ذاتها، أنّ الجيل الحالي من الأطباء يسهل عليه التوجه إلى العربية مقارنة بالجيل القديم الذي لا يزال حتى حديثهم إلى المريض بالفرنسية.. طبيب آخر من الجيل الجديد بمستشفى تيبازة غرد عبر صفحته بالفايسبوك، أن المحتوى الطبي باللغة العربية ضعيف وهذا راجع لكسل الأمة التي هي مطالبة اليوم بالنهوض من سباتها لكي تجعل لها جامعة عربية مشتركة لترجمة البحوث الطبية القديمة والجديدة منها حتى يتمكن الباحث منذ البداية بتكوين رصيد معرفي من العلوم الطبية بلغة الأم ربحا للوقت والجهد والتمسك بلغة ديننا من دون اللجوء إلى لغة الغير، متسائلا كيف استطاع الغرب اقتباس العلوم والطب والرياضيات من عند العرب في الماضي والاستثمار فيها وتطويرها بعد ذلك بلغتهم؟ وأضاف لا يمكن فهم الطب إلى حد النبوغ فيه والاختراع إلا بلغة الأم وعلينا اليوم أن نفيق من كسلنا دون أن نتخلى عن اللغات فهي إضافة وتساعدنا على البحث أكثر وترجمة ما يمكن ترجمته إلى لغتنا، مادام الطب يدرس باللغة الألمانية عند الألمان، وبالروسية عند الروس، وبالصينية عند الصينيين والإسبانية لدى الإسبان وبالفرنسية عند الفرنسيين وبالإنجليزية بإنجلترا وأمريكا ولماذا لا يكون بالعربية عندنا..

لغة المراجع والبحوث هي الإنجليزية

فئة أخرى من الأطباء، ترى بأن أكثر اللغات تعاملا مع العلوم وفي مقدمتها الطب، هي الإنجليزية بلا منازع، والذهاب إلى هذه اللغة في تعاملاتهم تلك تتطلب إدراج لغة شكسبير ضمن التعليم انطلاقا من الأطوار الثلاثة التعليمية، وصولا إلى الجامعة، واستطرد بعض الأطباء بالقول، انه كان لزاما عليهم التوجه إلى هذه اللغة العالمية بدل الفرنسية لان أغلبية المصادر العلمية مدونة بالانجليزية في حالة تخييرهم ما بين هذه الأخيرة والفرنسية، ويزيد تمسك هؤلاء في اختياراتهم هذه بالقول، أن الإنجليزية هي اللغة الأولى عالميا وما علينا إلا جعلها الأولى في الطب أو الثانية بعد العربية من اجل التخلص تدريجيا من الفرنسية التي أصبحت من اللغات الميتة.

الصيادلة: لا تهمنا اللغة بقدر وضوح خط الوصفة

تنقلاتنا ما بين الصيادلة وبائعي الأدوية، تعيد مرة أخرى لطرح نوعية الوصفة التي تختلف كتابتها من طبيب لآخر حيث أجمع هؤلاء على ضرورة كتابتها بخط واضح حتى يتسنى منح الدواء الصحيح للمرضى وكيفية تناوله دون خطأ، وذكر بعض من تحدثت إليهم أن خط بعض الأطباء غير مفهوم وغير مقروء ما يصعب عليهم التعامل مع الوصفة حتى إن بعضهم يلجأ إلى مكالمة الطبيب هاتفيا حتى يتأكد من الكتابة أو اسم الدواء ومدة تناوله، وأضاف بعضهم أن اللغة لا تهم في حالة توفر الدواء، داعيين الأطباء إلى اللجوء إلى تدوينها بالكمبيوتر ربحا للوقت والجهد معا حتى لا يتم تضييع وقت المريض أو إرساله مرة أخرى لطبيبه وهكذا..

المرضى: التشخيص والعلاج والمعاملة وشرح علتنا أكثر ما يهمنا

السؤال نفسه حملته “الشروق”، للمرضى على اعتبارهم الفئة الثانية التي تتعامل مع الوصفة قبل إيصالها للصيادلة لاقتناء الدواء، فاشتركت ردود فعل الأكثرية منهم بالقول، أن اللغة لا تهمهم بقدر ما يهمهم التشخيص السليم لعلتهم لاسيما وأن عددا كبيرا من التقارير الطبية أثبتت أخطائها في تحليل وإبراز نوع المرض دون ذكر الأخطاء الطبية، واعتبر “محمد . د” مريض بالغدة الدرقية، أن التشخيص السليم والعلاج الذي يتفق مع الداء أهم ما يهتم به المريض لأن الوصفة في الأول والأخير تؤخذ من الطبيب لتقدم إلى الصيدلي وهما الطرفان اللذان يجب عليهما الاتفاق حول محتوى الوصفة ولغة كتابتها، واستطرد المتحدث بالقول، أن المريض الذي يكون في أسوأ حالاته وبنفسية محبطة، ينتظر أن يعامله طبيبه بلطف وعناية لأن حالات كثيرة وقف عندها يقول، إن بعض من الأطباء يجهلون أن الكلمة القاسية تترك أثرا سيئا في نفوس من بهم علة حتى إن الابتسامة – حسبه – تبعث على الاطمئنان والهدوء في نفسية المريض، ولم يخف المتحدث مشكل عدد كبير من الأطباء خاصة منهم الجيل القديم الذين يخاطبونهم باللغة الفرنسية حيث يجد عدد من المرضى صعوبة في التواصل أو فهم المصطلحات العلمية والطبية التي يحدثونهم بها الأطباء حيث يخجل بعضهم من الاستفسار عن أمر أو طلب الترجمة، ليخرجوا من العيادة دون فهم مرضهم أو كيفية التعامل مع المرض وتناول الدواء.

نقابة للصيادلة: التحول إلى العربية بالتدريج بعيدا عن الارتجالية

أكّد نائب رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص، مراد شابونية، أن التحول إلى كتابة الوصفات الطبية من الفرنسية إلى العربية، يأخذ وقتا من أجل دراسة المشروع بشكل متأن، حيث يتطلب الأمر الذهاب بالتدريج بعيدا عن الارتجالية، من أجل الوصول إلى المبتغى، لاسيما وأن القطاع استنزف منه في الفترة الأخيرة ما يربو عن 1200 طبيب، غادروا أرض الوطن باتجاه فرنسا.

وقال شابونية في تصريح لـ”الشروق”، إنه وتجنبا لأي ضرر، يجب تشريح المشروع ودراسته بتمهل، لأن الأطباء وحتى الصيادلة قد ألفوا التعامل مع الوصفة باللغة الفرنسية، وطرح المتحدث بالمقابل إشكالية قراءتها ووضوح كتابتها، معللا ذلك بوجود أدوية تتشابه في الأسماء وتتداخل في الحروف كما يتغير حرف من الدواء أو يتغير حتى الدواء نفسه، وهو ما يتطلب التريث إلى غاية دراسة الموضوع بكل جوانبه. وأردف ممثل الصيادلة بالقول، أنهم يعتزون بلغة الأم العربية ويدعمونها حتى أن مراسلاتهم الدورية تكتب بالعربية، غير انه لا بد من دراسة ووقت لإنجاح المشروع حتى لا نسقط في إشكال منح أدوية خاطئة للمرضى.

الدكتور كوّاش: تشكيل لجنة علمية ضرورة لتقدم المشروع

يؤكد المختص في الصحة العمومية محمد كواش، أن التحول من الفرنسية إلى العربية في كتابة الوصفات الطبية لا يتأتى بين لحظة وأخرى بل يقوم على نقاط علمية يجب التأكيد والتنبيه إليها حتى لا نقع في الخطأ، أولاها تدريس الطب باللغة العربية في الجامعات مع تكوين الأطباء باللغة العربية، لأنه من غير المعقول تدريس الطبيب 7 سنوات دون ذكر سنوات التخصص بالفرنسية ثم نطالبه كتابة الوصفة بالعربية كما أن كتابة الوصفات الطبية تخضع إلى مقاييس علمية لان بعض الأدوية والجرعات والمصطلحات تتطلب ذلك، الأمر الذي يفرض –حسبه- وضع مخطط وطني من خلال تشكيل لجنة علمية تقوم بوضع بنود مفصلة لوصفة طبية نموذجية لمختلف أنواع الأدوية وطريقة وصفها، تحريرها، الجرعات والكمية، ومن ثم توزيعها على الأطباء حتى لا يكون هناك خللا في المستقبل.

وأشار المتحدث أنه ليس ضد التحول إلى اللغة العربية بل مع هذا المسعى، لكن الأمر لا يكون على استعجال، لان أكثر الأطباء –حسبه – لهم تجربة طويلة مع اللغة الفرنسية التي تعودوا عليها، فمن غير المعقول مطالبتهم اليوم كتابة الوصفة بالعربية بل يمكن الذهاب حاليا إلى مرحلة أخرى تعتمد على الكمبيوتر، لتجنب الأخطاء التي عادة ما تسجل في بعض الوصفات غير الواضحة التي يصعب قراءة خطها كما تطرق لمشكل الفوضى المطروحة لدى الصيادلة الذين يشغلون بائعين ليس لهم دراية كافية في قراءة الوصفة، فمنهم من يعطي أدوية مشابهة أو مخالفة للدواء المذكور في الوصفة تماما.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • خليل

    doliprane =دوليبران .aspirine= أسبيرين .voltaréne = فولتارين .و شيء ما خفي .

  • ضحية تعريب

    عمر النكبة أكثر من 50 سنة ( 1971 - 2022 ) فهل بلغنا الانهيار ؟

  • حقيقة قد تغضب لكنها حقيقة

    وكيف نكتب doliprane بالعربية وكيف نكتب aspirine وكيف نكتب voltaréne ... ما خفي أعظم